يعاني الإعلام التركي، خصوصاً المعارض، من تضييق على صعيد الحريات كشفه اعتقال عدد من الصحافيين، بالإضافة إلى تعرض العديد من الصحف إلى الإغلاق ورفض إعطاء رخص لبعضها الآخر، وممارسة ضغوط لمحاولة إخضاعها لسلطة الدولة. وفي آخر هذه الممارسات، اعتُقل رئيس تحرير صحيفة «زمان» اليومية الناطقة باللغة الإنكليزية، بولنت كينيس، في التاسع من الشهر الجاري بتهمة شتم الرئيس رجب طيب أردوغان في "تغريدة" على حسابه على موقع «تويتر». ولا يُعتبر اعتقال كينيس الأول في حق الصحافيين الأتراك المعارضين لسياسات الحكومة، إذ تعرّض الكاتب الصحافي التركي قادري غورسيل إلى الطرد من عمله بقسوة بسبب «تغريدة» انتقدت الرئيس أردوغان، وانضم إلى لائحة طويلة من ضحايا الحرب التي تخوضها الحكومة التركية ضد الإعلام المستقل. وأوقف مدير صحيفة «نوكتا» لبعض الوقت في 14 أيلول (سبتمبر) الماضي بعد نشره في الصفحة الأولى صورة مركّبة ساخرة، يظهر فيها الرئيس أردوغان وهو يلتقط صورة «سيلفي» أمام نعش جندي، في انتقاد صريح لسياسات أردوغان ومسؤوليته عن مقتل العشرات من الجنود الأتراك في مواجهات دامية مع «حزب العمال الكردستاني». وفي الثامن من أيلول (سبتمبر) الماضي، اعتقلت الشرطة التركية في ديار بكر، جنوب شرقي البلاد، 30 شخصاً بعد سلسلة مداهمات لمقرات عدد من وسائل الإعلام الناطقة باللغة الكردية بتهمة «الدعاية الإرهابية». ولم تقتصر الاعتقالات على الصحافيين الأتراك، إذ اعتقلت السلطات التركية في السادس من أيلول (سبتمبر) الماضي، وللمرة الثانية خلال عام، الصحافية والكاتبة الهولندية فريديريكه جيردينك، المختصة بشؤون الأقلية الكردية في تركيا، للاشتباه بسفرها إلى منطقة محظورة. وسبق أن اعتُقلت الصحافية الهولندية في كانون الثاني (يناير) الماضي، ووجهت إليها اتهامات بنشر رسائل مؤيدة ل «حزب العمال الكردستاني» المحظور على وسائل التواصل الاجتماعي. وأوقفت السلطات التركية في آب (أغسطس) الماضي، صحافيين بريطانيين يعملان لحساب قناة «فايس نيوز»، بتهمة ممارسة «نشاطات إرهابية لحساب تنظيم داعش». وفي الأول من أيلول (سبتمبر) الماضي، دهمت الشرطة التركية مقر مجموعة «إيبيك» الإعلامية، التي توجه انتقادات شديدة لحكومة "حزب العدالة والتنمية" والرئيس أردوغان. وقبل نحو شهرين من الانتخابات التشريعية، اقتحم عشرات من عناصر الشرطة مكاتب المجموعة، التي تملك صحفاً كثيرة بينها «بوغون» و«ميللت» وقناتين تلفزيونيتين، لتنفيذ عمليات تفتيش بتهمة تلقي دعم مالي من منظمة المعارض التركي فتح الله غولن المتهمة بمحاولة قلب النظام في تركيا. ولم تقتصر الاعتقالات على الصحافيين. ففي بداية العام الحالي، مثلت ملكة الجمال السابقة عام 2006 مروة بويوكسراتش أمام محكمة في إسطنبول بتهمة إهانة أردوغان، عبر نشر قصيدة تسخر منه على حسابها على موقع «إنستغرام». ويقول مراقبون إن اعتقال صحافيين معارضين في تركيا لم يعد حدثاً استثنائياً بل تحول إلى قاعدة، والتهمة ذاتها باتت جاهزة. فإن لم تكن التآمر لقلب نظام الحكم والانضمام إلى كيان مناهض للدولة، فهي التخابر مع جهات أجنبية للإضرار بالمصالح العليا للبلاد. وشهد الإعلام والصحافة في تركيا في الفترات الأخيرة حالة أشبه ب «الانقلاب» على حرية الرأي والتعبير، إذ أعلنت جمعية الصحافيين الأتراك أن عام 2014 كان عاماً أسود على الصحافة التركية. ووفق دراسة أجرتها نقابة الصحافيين في تركيا العام الماضي، فإن 981 صحافياً طُردوا من عملهم خلال النصف الأول من عام 2014، واضطُّر 56 شخصاً يعملون في الصحافة للاستقالة من مناصبهم لأسباب مختلفة، وفقد عشرات المراسلين والكتاب وظائفهم، أو اضطروا لتغييرها. واتهمت منظمة إعلامية دولية معنية بحقوق الصحافيين تركيا في عام 2012 «بشن واحدة من أشرس الحملات في العالم ضد حرية الصحافة في العصر الحديث»، على خلفية اعتقالها 61 صحافياً لأسباب تتعلق بعملهم الصحافي، وهو العدد الأكبر مقارنة بأي دولة أخرى في العالم.