تحولان مهمان عشية انطلاق معركة حاسمة لاستعادة مدينة الموصل (شمال بغداد) من سيطرة تنظيم «داعش». يتمثل الأول بدخول القوات العراقية بمساعدة من التحالف الدولي وتغطية من قوات البيشمركة القاعدة الجوية في بلدة القيارة (جنوب الموصل)، أما الثاني فهو إرسال واشنطن 650 جندياً أميركياً إضافياً إلى القاعدة نفسها. وأعلنت قيادة عمليات نينوى، في التاسع من تموز (يوليو) الجاري، أن قوات الجيش العراقي، تمكنت من اقتحام قاعدة مطار القيارة العسكري، بعد تطويقها والسيطرة عليها بالكامل. وتعد قاعدة القيارة، التي تبعد 58 كم جنوب الموصل، أكبر القواعد العسكرية الإستراتيجية وتقدر مساحتها بأكثر من ستة كيلومترات مربعة، كما تضم مدرجين للطيران، أحدهما يعتبر من اطول المدرجات العسكرية في الشرق الأوسط، إذ يصل طوله الى 3800 متر. وكان تنظيم «داعش» يعول على بقاء المنشأة العسكرية في القيارة بيده لأشهر عدة، كما يقول ضابط برتبة عقيد في جهاز مكافحة الإرهاب. ويقول مسؤولون محليون إن «داعش دمر تلك المدرجات، لكن الجهد الهندسي بدأ حملة سريعة لإعادتها الى العمل بوضع مواد سريعة التصلب». أربعون كيلومتراً تربط بين ناحية القيارة جنوب الموصل ومحور مخمور جنوب أربيل، المعسكر الأساسي لقوات البيشمركة، ستكون في متناول القوات المشتركة لمحاربة تنظيم «داعش»، ولن يكون التمركز في جنوب ما يعرف بولاية نينوى وحده مهماً، بل إن القوات العراقية ستكون متحكمة بمساحات شاسعة شمال بغداد. وأكد الخبير العسكري، أحمد شوقي، إن قاعدة القيارة العسكرية، مهمة وإستراتيجية، وبعد سيطرة القوات العراقية المدعومة من جانب التحالف الدولي، ستكون مستعدة لمرحلة جديدة في تحرير الموصل. وأوضح الخبير أن «استعادة قاعدة القيارة، قطع الإمدادات عن داعش بين الموصل والشرقاط، وعزل مدينة الموصل في شكل كامل، وبالتالي وضع داعش في حصار محكم». وبالنظر إلى خريطة المناطق المحيطة بالقيارة، فإن القوات العراقية عزلت بتحركها الأخير مناطق جنوب الموصل عن بعضها، خصوصاً الطريق الرابط مع الشرقاط الذي لا يزال تحت سيطرة المسلحين، وأيضاً الخط الإستراتيجي ل «داعش» بين الموصل والحويجة مروراً بالقيارة. وسيتحرك الخط الأفقي بين مخمور والقيارة، المؤمّن من جانب الجيش والبيشمركه وبتغطية التحالف الدولي، على جبهتين؛ الشمالية كمنطلق لعمليات كبرى في الموصل، والجنوبية لتصفية جيوب «داعش» شمال بغداد انتهاء بالحويجة. ومع الأنباء التي تفيد بأن مسلحي التنظيم فروا في رتل كبير من القيارة إلى الموصل، فإن بقية أعضاء التنظيم وقياداته في الشرقاط والحويجة باتوا معزولين من دون تغطية، حيث لا يمكنهم التحرك جنوباً بعد استعادة الفلوجة، سوى عبر منفذ وحيد باتجاه جبال حمرين، ما يعني أنهم فقدوا القدرة الهجومية. ويعتقد ضباط عراقيون بأن المحصلة النهائية لدخول القوات العراقية إلى منطقة القيارة، تفيد بإسقاط مدن يسيطر عليها «داعش» من دون معارك تقليدية كما هو الحال مع جولات سابقة في محافظتي الأنبار وتكريت. وبعد نجاح اقتحام القوات العراقية القاعدة، لجأ «داعش» إلى ثلاث قرى قرب القاعدة الجوية، هي: جدالة، وجدالة السفلى، وجدالة العليا. ويقول مصدر من قوات الحشد العشائري إن «جثث داعش هناك أصبحت بالعشرات». وعثرت القوات العراقية، داخل القاعدة، على معتقلين أحياء، كان «داعش» يحتجزهم. من المرجح أنهم من سكان الموصل الذين لم يمتثلوا لأوامر التنظيم. والحال، أن أنباء تواترت عن تحركات مسلحي التنظيم من مناطق شمال بغداد إلى الموصل في انسحاب لخوض آخر المعارك هناك. التحول المهم الثاني، يوضح أن قرار وتوقيت معركة الموصل يتحكم بهما التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة. وبالنظر إلى التصريحات الأميركية فإن من الصعب جداً مشاركة الحشد الشعبي في هذه المعركة التي ستقتصر على قوات النخبة من الجيش العراقي ومقاتلين سنة منضوين تحت لواء «الحشد العشائري». وتقول مصادر خاصة ل «الحياة» إن تنسيقاً بين وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» وقيادة قوات البيشمركة يتضمن ممانعة شديدة لمشاركة قوات الحشد الشعبي في المعركة، خصوصاً أن حكومة إقليم كردستان ستكون طرفاً في العمليات وأن أراضي الإقليم ستكون معبراً للقوات المشاركة في المعارك، وأنها لن تسمح بمرور الحشد الشعبي. ويقول مصدر كردي رفيع إن «وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر سمع من رئيس الإقليم مسعود بارزاني هذه الممانعة». أميركياً، أثارت تصريحات كارتر عن إرسال قوات إضافية حفيظة قادة الحشد الشعبي، حين قال إن بلاده سترسل 560 جندياً إضافيا إلى العراق، وذلك لتقديم الدعم والحفاظ على الزخم في قاعدة القيارة». وبيّن كارتر أن هذه القوة ستساعد وتقدم الدعم في ما يتعلق بالبنى التحتية للقاعدة إلى جانب أمور لوجيستية أخرى. ووفق مسؤول عسكري أميركي فإن هذه القوة هي التي طلبها الجنرال شون ماكفارلاند، قائد القوة التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش»، وبهذا يصبح عدد القوات الأميركية في العراق 4647 جندياً. هذه الأنباء تأتي في الوقت الذي يقول مسؤولون عراقيون إنهم ينقلون مقر عمليات تحرير الموصل إلى «القيارة» حيث سيوفر مهبط الطائرات فيها طريقاً أقرب لطائرات العراق وقوات التحالف إلى المدينة. وكرر كارتر أن قوات الولاياتالمتحدة ستشارك في الهجوم على الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق والأكبر في العراق تحت سيطرة «داعش»، بصفة «استشارية». لكن الأمين العام لمنظمة بدر هادي العامري، رفض تصريحات الوزير كارتر في شأن إرسال 560 جندياً أميركيا. وقال: «ليعلم الجميع ان العراقيين قادرون على تحرير بلدهم، مثلما حررنا بيجي والفلوجة والقيارة سنحرر الموصل»، مؤكداً «رفضنا القاطع للتواجد البري للقوات الأميركية لأن الشعب العراقي يرفض استبدال داعش بالأميركيين».