بعد أيام قليلة، تصل «أوركسترا فلسطين للشباب» إلى المملكة المتحدة في جولة هي الأولى لها في بريطانيا واسكتلندا وويلز، تقدِم خلالها عروضاً موسيقية كلاسيكية غربية (بيتهوفن وموسورغسكي)، وأخرى غنائية شرقية تشمل أغاني أم كلثوم وفيروز تؤديها النجمة الفلسطينية الصاعدة، عازفة الكمان والملحنة ناي البرغوثي. 87 عازفاً وعازفة تتراوح أعمارهم بين 13 و26 عاماً يأتون من 12 دولة، من فلسطين ومناطق الشتات، يحملون معهم آلاتهم وموسيقاهم وأحلامهم بغد أفضل. تجمعهم الموسيقى والهم الواحد، والقاسم المشترك بينهم هو إصرارهم على إعلاء صوت فلسطين عبر الموسيقى، وإيصال رسالة محبة وسلام الى العالم. وفي لفتة تضامن وإسناد جميلة، يعزف معهم طلاب من عدد من المعاهد في بريطانيا، فيما تقودهم المايسترو شيان إدواردز بعدما قادتهم للمرة الأولى عام 2004، ولاحقاً في جولاتهم في الشرق الأوسط وإيطاليا واليونان، علماً أن «الأوركسترا» قدمت عروضاً أيضاً في فرنسا وألمانيا والأردن وعُمان وسورية والبحرين ولبنان. وما زال كثيرون في بريطانيا يذكرون حفلة «البرومز» في قاعة «رويال ألبرت هول» الشهيرة في لندن والتي شاركت فيها فرقة «أوتار فلسطين» المنبثقة عن «أوركسترا فلسطين». كان حدثاً لا ينسى: عازفون فلسطينيون يافعون يعزفون مع عازف الكمان الشهير نايجل كنيدي مقطوعة «الفصول الأربعة» (فور سيزونز) للموسيقي أنطونيو فيفالدي. يومها وقف الحضور طويلاً يصفقون بحرارة وتقدير وإجلال لممثلي فلسطين اليافعين في رحلتهم وتحدياتهم الصعبة. ف «أوركسترا فلسطين للشباب» هي حكاية فلسطينية بامتياز يتداخل فيها واقع الاحتلال وتعقيداته ومشاكله مع الإرادة والتصميم والشغف بالموسيقى. التحديات كثيرة، ليس أقلها جمع الطلاب في مكان واحد لتعلم العزف أو الغناء أو التدريب، فنقاط التفتيش الإسرائيلية الكثيرة أو الإغلاقات تحول في كثير من الأحيان دون وصول الطلاب الى معاهدهم. فكيف الحال إذا تقرر سفر العازفين لتقديم عروض في بلد آخر؟ طبعاً تأشيرات السفر قصة معقدة أخرى... ثم من سيُسمح له بالسفر لأسباب أمنية معروفة أو غير معروفة. ولأن العازفين لم يتمكنوا من التجمع في مكان واحد للتدرب قبل عروضهم في المملكة المتحدة، تقرر أن يتجمعوا في «معهد اسكتلندا الملكي» للتدريب قبل العرض. وطبعاً قبل ذلك كله، هناك الفقر وتدني مستوى الحياة والبطالة، وهي نتائج حتمية للاحتلال، وتحول دون التحاق الكثيرين بمعاهد الموسيقى وأن كانت عموماً غير مكلفة... لكنها مسألة نسبية. وبترقب شديد، ينتظر الكثيرون وصول أعضاء الأوركسترا إلى غلاسكو، المحطة الأولى التي ستتم فيها التدريبات في 18 تموز (يوليو) الجاري، لتنطلق الحفلات في 25 من الشهر نفسه من مدينة بيرث الاسكتلندية، وفي اليوم التالي في غلاسكو، ثم ليدز. وفي 29 الجاري في بيرمنغهام، وفي اليوم التالي في كارديف في ويلز، لتتوج الجولة مطلع الشهر المقبل بحفلة في قاعة «رويال فيستيفل هول» في لندن. وفي شهادات لمن عملوا عن قرب مع العازفين الشبان وشاهدوا تطورهم، تقول المايسترو إدواردز: «يسرني أن أعمل مع أوركسترا فلسطين للشباب مجدداً بعدما عملت معهم في الجولات السابقة، وشهدت تطورهم المثير على كل الصعد. إن الدعم الرائع من معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، الذي من دونه ما كان لهذه المشاريع الأوركسترالية أن تكون، إضافة الى مساهمة الأساتذة الزائرين والموظفين، تخلق مناخاً رائعاً يتيح للموسيقيين الشبان أداء يميزه الشغف الخاص والالتزام». ويقول المدير العام ل «معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى» سهيل خوري أن «الشباب الفلسطينيين تواقون لإظهار موهبتهم أمام الجمهور البريطاني، ليظهروا فلسطين الحقيقية وثقافتها وإنسانية شعبها». أما لورد كوبي من بيركلي، رئيس جمعية «بالميوزيك في المملكة المتحدة»، فيقول: «هذه الجولة ستكون تجربة شخصية رائعة للموسيقيين الشبان الذين في العادة يعيشون حياة مقيدة، كما ستكون خطوة عملاقة في تطورهم الموسيقي. بالميوزيك تكافح من أجل أن تفتح الموسيقى القلوب والعقول أمام الثقافة الفلسطينية، ومن أجل أن تفتح أبواباً جديدة». على أن هذه التجربة للموسيقيين الشبان لم تكن ممكنة لولا الدعم الذي تلقته الأوركسترا في اسكتلندا وبريطانيا وويلز، وعلى مستويات عدة، بينها التبرعات الفردية والمؤسساتية لتغطية نفقات قدوم وإقامة هذا العدد الضخم لأعضاء الأوركسترا، ثم الدعم العملي من مؤسسات فنية وثقافية، لجهة التدريب، ومشاركة طلاب موسيقى بريطانيين في الحفلات. يذكر في هذا الصدد التبرع السخي من «مجلس إنكلترا للفنون» (آرت كاونسل إنكلند)، والدعم الذي قدمه كل من «معهد اسكتلندا الملكي» (ذي رويال كونسيرفاتوار أوف اسكتلند)، والمجالس البلدية لغلاسكو وليدز وبيرمنغهام، و «كلية ويلز الملكية للموسيقى والدراما» (رويال ويلش كوليدج أوف ميوزيك ودراما) و «مدرسة غيلدهول للموسيقى والدراما» (غيلدهول سكول أوف ميوزيك آند دراما)، و «أوركسترا أوسلو الفلهارمونية» (أوسلو فيلهارمونيك أوركسترا). وطبعاً يذكر المجهود الضخم الذي بذلته جمعية «بالميوزيك - المملكة المتحدة - أصدقاء معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى في المملكة المتحدة»، من أجل تدبير كلفة سفر أعضاء الأوركسترا وإقامتهم.