ألكسندر سليمان، يوسف زايد، باسل ثيودوري، فادي حتر ورمزي أبو رضوان، وغيرهم... فلسطينيون من الأرض المحتلة، ومن كل أصقاع العالم، تجمعوا مع موسيقيين عرب وأجانب، في رحاب الأوركسترا الوطنية الفلسطينية ليقدموا من رام الله، للعام الثاني، موسيقى كلاسيكية غربية وشرقية. وبين «مقدمة كوريولان» لبيتهوفن، و«كونشرتو خاص» لشومان و «الهافنر» لموتسارت و«بولشينيلا» لسترافنسكي، حققت الأوركسترا الوطنية الفلسطينية، عبر الموسيقى، ما عجزت عنه السياسة، إذ استطاعت الأوركسترا التي تأسست في كنف معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، أن تجمع عشرات الفلسطينيين من مختلف أنحاء العالم، من الضفة ومخيمات اللاجئين في سورية ومن أوروبا والولايات المتحدة، في مدينة رام الله وتحديداً في قصرها الثقافي، إلى جانب موسيقيين أجانب وعرب، كان بينهم، في أمسية ذات نكهة خاصة الخميس الماضي، الموسيقار وعازف الكلارينيت السوري كنان العظمة، الذي قدمت الأوركسترا مقطوعة من تأليفه بعنوان «22 نوفمبر». العظمة، الذي عبر عن سعادته بالعزف في فلسطين، واختيار مقطوعة له عزفتها الأوركسترا التي تحمل اسم فلسطين، أشار إلى أنه، من خلال المقطوعة التي ألفها لفرقته الخاصة، يعمل على «طمس الجسور بين المؤلَّف اللحني المكتوب والمرتجل»، انطلاقاً من قناعته بأن أفضل الموسيقى المكتوبة هي التي تبدو عفوية ومرتجلة، وأفضل الارتجال هو الذي يبدو منظماً وحَسَن البناء. وتستند هذه المقطوعة إلى المبدأ نفسه، بمساحة أكبر للعازف المنفرد «السولو»، وشدد المؤلف على أن الشكل الأوركسترالي للمقطوعة وضع عام 2008 للأوركسترا الوطنية السورية، واصفاً العمل بالتأملي، وبأنه يعبّر عن حنين شديد إلى الوطن، وحنين الإنسان إلى الأصوات المألوفة من أيام الطفولة. يقول العظمة: «ألّفت مقطوعة «22 نوفمبر» في الغربة، عدت بذاكرتي إلى أصوات الدكاكين قرب منزل أهلي في دمشق، وإلى إيقاع الحياة الثابت والبطيء، رغماً عن أحاسيسي في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها سورية هذه الأيام». وكانت الأوركسترا الوطنية الفلسطينية، انطلقت العام الماضي بثلاثة عروض، في القدسورام الله وحيفا، لتعلن ولادة الجسم الموسيقي الاحترافي الأبرز في فلسطين، والذي يضم موسيقيين محترفين فلسطينيين من الوطن والشتات، يقدمون موسيقى كلاسيكية برفقة أساتذة عرب وأجانب يؤمنون بفلسطين وعدالة قضيتها. وعن الأوركسترا الوطنية الفلسطينية، قال المدير العام لمعهد إدوارد سعيد للموسيقى سهيل خوري: «من خلال حشد الموسيقيين الفلسطينيين في الوطن والشتات، ستساهم الأوركسترا في بناء أحد أركان الدولة الفلسطينية عبر تأسيس أهم ركائز الثقافة الوطنية، ما يعكس روح هذه الدولة الناشئة والحرة». أما ربى عنبتاوي، المسؤولة الإعلامية في المعهد، فاعتبرت أن «الأوركسترا الوطنية الفلسطينية جسم نحقق من خلاله حلم الدولة والعودة، وغيرها من المعاني الوطنية، يأتي إلى فلسطين موسيقيون فلسطينيون، لاجئين في سورية أو مقيمين في مصر وأوروبا وأميركا، وهو الجسم الاحترافي الفلسطيني الموسيقي الأبرز، والأهم أنه يجمع فلسطينيي الوطن بفلسطينيي الشتات». هم 44 عازفاً وعازفة، يشكل الفلسطينيون نسبة 80 في المئة منهم، قدموا في أمسية رام الله مقطوعات اختيرت بعناية. وقدمت الأوركسترا مقطوعات كلاسيكية، تحمل كل منها حكاية، وحلّقت بالحضور إلى عالم سحري خاص، عبر عازفين يتنسبون أو انتسبوا في الماضي إلى إحدى فرق الأوركسترا أو المعاهد العالمية. وذلك بقيادة المايسترو ماثيو خوري، وهو أسترالي من أصول لبنانية، نشأ وترعرع في بريطانيا، وبدأ صيته يذيع عام 2003، حين اختير مساعداً للمايسترو في الأوركسترا الملكية الفلهارمونية، قبل أن يقود في المواسم الأخيرة الكثير من الأوركسترات الشهيرة من قبيل أوركسترا لندن - موتسارت، وأوركسترا لندن الفلهارمونية، وأوركسترا سيدني الفلهارمونية، وأوركسترا إرلندا الفلهارمونية، وأوركسترا مدينة برمينغهام، وغيرها. كوريولانوس - بيتهوفن ومن بين المقطوعات الذائعة الصيت التي قدمتها الأوركسترا الفلسطينية، «مقدمة كوريولان» لبيتهوفن الذي استوحاها كموسيقى استهلالية لمسرحية عن القائد الروماني الأسطوري كوريولانوس، وهو شخصية لفتت نظر بيتهوفن كثيراً، خصوصاً أن الموسيقى البيتهوفنية، كما يرى نقاد كبار، تعكس الشخصية الممزقة بين الإرادة السياسية والتفاني للأسرة، بين الرغبة في الحياة والنرجسية. فحين نُفي كوريولانوس من روما من قبل السلطات، على رغم خدمته الطويلة وإخلاصه لشعبه، سعى إلى الانتقام بتشكيل جيش معارضة قام بمحاصرة المدينة الملكية، وانتقاماً منه هدّده جنود المدينة وأرسلوا له أمه وزوجته لتقنعاه بالانسحاب ووقف الحصار، فوافق، لكن ذلك عرّضه لمواجهة الموت على أيدي حشود رومان غوغائيين، ففضّل الانتحار على تجرع الذل والهزيمة. أما مقطوعة «بولشينيلا» لإيغور سترافنسكي، فتتناول شخصية من المسرح الشعبي الإيطالي كانت شائعة في القرن السابع عشر، وجسّدت لاحقاً في شخصية الدمية التي صمم ملابسها التشكيلي الأشهر بابلو بيكاسو. وكان الفريق، المكون من سترافنسكي وبيكاسو، كلف مهمة توليف باليه مبنية على شخصية بولشينيلا وموسيقى القرن ال18 التي يعتقد أنها للملحن الإيطالي بيرغوليزي.