المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    فرصة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «آثارنا حضارة تدلّ علينا»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أرصدة مشبوهة !    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    «المرأة السعودية».. كفاءة في العمل ومناصب قيادية عليا    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    فعل لا رد فعل    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    رسالة إنسانية    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ادمان المخدرات في لبنان انتقل في زمن السلم من الميليشيات الى المدارس والجامعات
نشر في الحياة يوم 24 - 07 - 2010

«استهلاك المخدرات في لبنان ازداد خصوصاً في صفوف الشباب».
هذه العبارة وردت في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية عن مكافحة المخدرات في العالم لعام 2009. والتقرير وإن كان لحظ ما يمكن للخارجية الاميركية أن تعتبره إيجابياً، وهو أن «لبنان ليس من الدول الرئيسة التي تنتج المخدرات أو تتاجر بها»، غير أن هذا التقرير وضع الإصبع على جرح لم يفلح البلد الصغير في معالجته موضعياً، فراح يتسع إلى أن تفاقم الأمر حتى يكاد لا يمر يوم يخلو من أخبار عن توقيف تاجر مخدرات أو عن ضبط محاولة تهريب للمادة إلى البلد أو منه.
واللافت أكثر من ذلك، هو التطور الدراماتيكي للظاهرة التي باتت تنذر بما هو أسوأ، انطلاقاً من تزايد حوادث إطلاق النار المتبادلة بين مروجي المخدرات في عدد من المناطق، وبين المتعاطين أنفسهم أو بينهم وبين الآخرين، مع ما يشكله ذلك من خطر على السلامة العامة. وآخر هذه الأحداث إطلاق مجموعة من الشبان الذين كانوا تحت تأثير المخدرات النار داخل قسم الطوارئ في مستشفى المقاصد قبل أيام، وتحطيم محتوياته، ما أدى الى إقفاله احتجاجاً وطلباً للحماية الأمنية، حيث لم يعاود العمل إلا بعد تأمين هذه الحماية. وكان سبق الاعتداء على المقاصد اعتداءات على مستشفيات أخرى أيضاً.
وإذا أرفقنا ما ورد بتكرار حوادث وفاة شبان دون ال25 سنة إثر تعاطيهم كميات كبيرة من المخدرات، مضافاً إليه صرخات بعض السياسيين والجمعيات الأهلية والمؤسسات المعنية بإرشاد المدمنين وتأهيلهم، فإن هذا يدل صراحة على أن البلد يقف تماماً فوق الخط الأحمر لسلامة بنيته الاجتماعية وأمنه ومستقبله...
«ثلاثة أرباع الذين يقصدون تجمع «أم النور» في لبنان لتلقي العلاج من الإدمان تقل أعمارهم عن 24 سنة»، هذا ما قالته قبل أسابيع عدة لإحدى الإذاعات منى اليازجي رئيسة تجمع «أم النور» وهو مركز غير حكومي لتأهيل المدمنين (فلبنان لم يشهد حتى الساعة انشاء مركز لمعالجة المدمنين على رغم لحظ قانون المخدرات ذلك).
التجمع هو الوحيد المتخصص في لبنان بمعالجة ضحايا الإدمان وتأهيلهم، لذلك فإن أي إشارة خطر تصدر منه تدل على خطر حقيقي يضرب المجتمع. اليازجي أضافت الى تدني سن المدمنين، اختلافاً في المواصفات الاجتماعية التي كان يحملها مدمنو الماضي، ومدمنو الحاضر. وأوضحت أنه «قبل نحو عشرين سنة، كان الأشخاص الذين يقصدون المركز للعلاج هم ممن حملوا السلاح خلال الحرب الأهلية واضطروا الى الانضمام الى الميليشيات وغيرها. الآن الأمر تغير، وصار بين المدمنين طلاب مدارس وجامعات إناث وذكور». وأضافت: «عندما أقول عن شخص ما إنه مدمن في عمر ال24، فهذا يعني أنه يتعاطى المخدرات من عمر 12 أو 13 سنة».
صغر سن المدمنين الذي تحدثت عنه اليازجي يؤكده أيضاً استطلاع للرأي أجرته شركة «الدولية للمعلومات» بين طلاب توزعوا على سبع جامعات خاصة في لبنان وصدر في أيار (مايو) الماضي. وكشف الاستطلاع أن «نسبة تقبل فكرة تعاطي المخدرات ترتفع لتبلغ ذروتها لدى الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 22 و24 سنة (35 في المئة)»، وأن «36 في المئة من الطلاب المستطلعين جربوا الحشيشة ولو لمرة واحدة، مقابل 23 في المئة جربوا الماريجوانا، وأن نسبة الطلاب الذكور الذين جربوا المخدرات أعلى من نسبة الإناث. ونحو نصف الطلاب (48 في المئة) الذين تم استطلاع آرائهم يصفون طريقة الحصول على المخدرات في جامعتهم بأنها سهلة وأن 51 في المئة يعرفون مروجاً للمخدرات».
كما لفت الاستطلاع الى أن «تجربة المخدرات الأشد خطورة كالكوكايين والاكستاسي وال «إل أس دي» وال «سبيد» كانت أعلى ضمن الفئات العمرية بين 25 الى 27 سنة». وأظهر أيضاً أن «نسبة تجربة المخدرات الأشد خطورة كانت الأعلى لدى الطلاب الذين يبلغ مصروفهم ما بين 200 و350 دولاراً أميركياً أسبوعياً، إذ بلغت النسبة بين 44 و52 في المئة، وانعدمت لدى الطلاب الذين يقل مصروفهم عن 50 دولاراً أسبوعياً. وكشف أن أكثرية 65 في المئة من الطلاب المستطلعين يعتقدون أن نصف الطلاب في جامعتهم (50 في المئة) يتعاطون المخدرات».
ما ورد في الاستطلاع وقبله على لسان اليازجي لا يحتاج الى شرح كثير، ولا يستدعي وقفة ذهول وتعجب. فكثير من طلاب الجامعات في لبنان وبعض الثانويات (الخاصة خصوصاً) يعرفون معلومات يكاد بعضها يكون تفصيلياً عن المخدرات. أولئك يسهل اللقاء بهم في أماكن اللهو الخاصة بالطبقة المتوسطة وما فوق، ولهم حجج لا تنتهي لتبرير ما يقومون به، من «المساعدة على التركيز وزيادة النشاط»، الى «المساعدة على الاسترخاء ونسيان المشاكل». ولعل الأكثر غرابة في الأمر المجاهرة في التعاطي في الأماكن التي تكاد تكون عامة. إذ روت سيدة أنها التقت بفتاة شابة تعرف أهلها جيداً وتعرف أنها في واحدة من أرقى المدارس الخاصة في بيروت، «رأيتها في حمام تابع لإحدى دور السينما، وكانت بصحبتها فتاة أخرى. كانتا تدخنان الحشيشة».
في رأي «مدخنين»، المخدرات هي الكوكايين والهيرويين وملحقاتهما، أما الحشيشة والماريجوانا فهي «دخان». أما كيف ذلك؟ فيروي رجل تجربته العائدة الى سنوات مضت مع الحشيشة.
ويقول: «هي نوع من أنواع الدخان، يساعد على إرخاء الأعصاب وإطلاق المخيلة. تخيل نفسك تتابع برنامج «توك شو» أو اكثر برنامج جدي في العالم، بينما تلفتك تفاصيل صغيرة كان من المستحيل أن تلتفت اليها وانت واعٍ»، ويضيف مبتسماً: «ذات مرة كنت واصحابي نحشش على انغام ام كلثوم على قناة الطرب. واذ بنا ننتبه الى عازف العود مباشرة وراء ام كلثوم، وصار كل منا يزيد تفصيلاً على شكله وملبسه. هذا قادنا الى وصلة ضحك انتهت بالدموع تنهمر من أعيننا». ويؤكد الرجل أنه لم يشعر بنفسه مدمناً في يوم الأيام، وان كان يحن الى سيجارة بين حين وآخر.
وعن «متعاطين» غيره، يجيب الرجل: «اعرف أشخاصاً تعودوا على الحشيشة الى حد الادمان، وآخرين مدمنين على الهيرويين انقلبت حياتهم جحيماً بعد الادمان، وآخرين على الكوكايين يسرقون منازل أمهاتهم لتوفير ثمن جرعة واحدة. أولئك أخاف عليهم كثيراً، وأخاف منهم».
مكتب مكافحة المخدرات
كلام الرجل لا يبدو منطقياً بالنسبة الى رئيس مكتب مكافحة المخدرات العقيد عادل مشموشي الذي يؤكد بحسب خبرته أن «الحشيشة هي من اخطر المخدرات، لأن لها مضار مباشرة على الخلايا الدماغية، كما أنها المدخل الحتمي الى الهيرويين». وهو وان كان يؤكد أن ظاهرة تفشي الإدمان على المخدرات تستدعي قلق المسؤولين، يقول ل «الحياة» إن هناك تضخيماً للأرقام، وإن نسبة الطلاب المدمنين تقارب ال6 في المئة (من عدد الموقوفين في جرائم المخدرات والبالغ عددهم 2881 موقوفاً).
ويرى مشموشي أنه من الطبيعي وجود طلاب في عداد المدمنين لأن «المستهدفين عادة هم الشباب الذين من المفترض أن يكونوا في الجامعات والمدارس»، مشيراً الى أن «الذين يجرون الاستطلاعات يقعون عادة ضحية مبالغة الشباب. فقد يخجل الشاب من القول أمام رفاقه إنه لا يتعاطي المخدرات، بينما في الحقيقة هو لا يتعاطى». لكن مشموشي يؤكد أن «زيادة أعداد المدمنين طبيعية بسبب زيادة عدد السكان في لبنان. غير أنه ثمة زيادة في النسبة أيضاً سببها زيادة نسبة المتعاطين في العالم، وان كانت في لبنان اقل منها في دول متقدمة». ويرد على القائلين بأن نسبة النساء المدمنات في لبنان تفوق نسبة الذكور، بالقول: «نسبة المتعاطين بين النساء الموقوفات تقل عن أربعة في المئة. في السابق لم نكن نرى نساء متعاطيات، لكن مع الوقت ومع انتشار المفاهيم التحررية بدأت نسبة النساء اللواتي يتعاطين المخدرات ترتفع».
وينتقد مشموشي تضخيم الحديث عن انتشار حبوب ال «اكستاسي» وال «كبتاغون» في المدارس والجامعات، معلناً أن «6.4 في المئة من الموقوفين فقط يتعاطون الحبوب. قليلون جداً يتعاطون «اكستاسي»، أما البقية فيتعاطون ال «ترامال» والأدوية التي تحتوي على مواد منبهة أو مخدرة».
طريق المخدر
وعن طريقة دخول المخدرات الى لبنان، يشرح مشموشي أن «تهريب الكوكايين الى لبنان يتم عبر مسالك عدة. بعضها يأتي من دول أميركا الجنوبية عبر أوروبا الغربية، وصولاً الى لبنان. البعض الآخر من دول أميركا الجنوبية الى تركيا فسورية فلبنان. أو من الدول الأفريقية التي صارت معتمدة دولاً لإعادة تهريب المخدرات، وأيضاً من دول أميركا الجنوبية ثم الأردن براً الى سورية ثم لبنان، وبعضه يأتي مباشرة الى سورية ثم براً الى الأراضي اللبنانية عبر الحدود التي تصعب مراقبتها. وبعض المحاولات تتم مباشرة الى لبنان عبر مرفأ بيروت أو المطار أو المداخل الأخرى»، ويشير الى «بعض المحاولات التي تتم عبر البريد وان كانت بكميات قليلة، لكنها متكررة. أما الهيرويين فيتم تهريبه من أفغانستان براً من طريق تركيا وسورية فلبنان، وعادة تتخذ إجراءات لازمة في مراكز العبور للحد من التهريب»، لكنه يلفت الى صعوبة ضبط الحدود البرية، ويقول: «نعاني والإخوة السوريين من تمكن الضالعين في هذه العمليات من عبور الحدود، أما عبر الحقول أو القرى المتداخلة بين لبنان وسورية. عادة الضالعون بتهريب هذا النوع من المخدرات ينتشرون في المناطق المحاذية للحدود».
ويشير مشموشي الى أن لبنان «في الآونة الأخيرة اعتمد دولةَ عبور لبعض أنواع المخدرات وتحديداً لحبوب الكبتاغون التي قمعنا محاولات لتهريبها الى دول الخليج وتحديداً السعودية». ويؤكد أن «ليس عندنا صناعة مخدرات في لبنان»، مضيفاً: «في لبنان تتفشى ظاهرة زراعة المخدرات، أما التصنيع فبدائي. ليس عندنا تصنيع معقد كما في الخارج، ربما لأن المخدرات المنتجة في لبنان مثل الحشيشة لا تحتاج الى إجراءات تصنيع معقدة. فقط كبسها وتوضيبها لحمايتها من تبخر الرطوبة او الزيت. وبالنسبة الى الهيرويين ال «باز» فيقتصر على صناعة الهيرويين من المورفين في شكل يدوي وبدائي، واحيانا تحويل الهيرويين والمورفين من «باز» الى بودرة. لأن التعاطي يتم اما بحرق ال «باز» واستنشاق البخار المنبعث منه أو عبر شم البودرة».
وعن تصنيع الحبوب، يجيب مشموشي: «في لبنان لا يمكننا أن نقول إن عندنا صناعات من هذا النوع، لأن الدول التي تصنع هذا النوع من الحبوب يكون عندها خبرة في هذا المجال في شكل عام. ولكن في السنتين الماضيتين ضبطنا محاولتين، تمثلت الأولى بجهاز لتصنيع الحبوب في منطقة وادي خالد الواقعة على الحدود اللبنانية - السورية حيث يتواجد عدد من تجار المخدرات الضالعين بتهريب المخدرات الى السعودية وتحديداً الكبتاغون. كما أحبطنا محاولة تركيب مختبر لتصنيع المواد الكيماوية التي تصنع منها الحبوب في منطقة بعلبك المجاورة للحدود اللبنانية - السورية».
حين يقعون في قبضة القانون
إذا وقع متعاطي المخدرات في قبضة عناصر المكتب، فكيف يتم التعاطي معه؟ يستعين مشموشي بالمشرّع اللبناني الذي ميّز بين الضالعين بجناية المخدرات أي الذين يبغون من نشاطهم الكسب المادي وبين متعاطي المخدرات، لافتاً الى أن «المشرّع جعل عقوبة الزراعة والصناعة والتجارة تصل الى الأشغال الشاقة وأحياناً الى الإعدام فيما لو اقترنت باستعمال السلاح، في حين أن التعاطي جنحة عقوبتها من ثلاث اشهر الى 3 سنوات». كما اعتمد المشرّع بحسب مشموشي «سياسة العصا والجزرة. اذ جعل الملاحقة الجزائية تهديداً أو وسيلة ضغط على مدمن المخدرات، بحيث رهن الملاحقة وتنفيذ العقاب في حقه بقبوله العلاج»، ويوضح: «اقر المشرّع اللبناني إنشاء لجنة الإدمان على المخدرات وأولى لها دراسة أوضاع المتعاطين (الموقوفين) وتقرير من هو المدمن بينهم. وبعدما تقرر اللجنة أن هذا الشخص مدمن، تخيّره بين الرضوخ الى العلاج أو الملاحقة. فإذا قبل العلاج توقف الملاحقة. وأيضاً يمكنه بعد صدور مذكرة الملاحقة بحقه، إذا عاد من تلقاء نفسه وطلب أو قبل عرض الرضوخ الى العلاج توقف الملاحقات وبالتالي لا يحاكم. وأيضاً بعد محاكمته وإصدار العقوبة بحقه، بمجرد أن يقبل بالعلاج توقف العقوبة بحقه».
وعن المدمنين داخل السجون، يؤكد مشموشي أن «المدمنين داخل السجون قلّة، لأن المتعاطين يتركون بعد تعهد منهم أو من الأهل بخضوعهم للعلاج في مؤسسة علاجية. لكن قد يكون هناك بعض المتعاطين الموقوفين بجرائم أخرى، وهؤلاء يحالون الى السجن. وهناك رعاية خاصة يتلقونها».
ماذا إذا قرر المدمن أن يخضع للعلاج، ولم يكن يملك المال اللازم لدخول مستشفى خاص، فماذا يمكنه أن يفعل؟ يرد مشموشي مؤكداً «ضرورة إنشاء مراكز للعلاج والرعاية خاصة بالدولة اللبنانية، لأن الوضع الحالي يقتضي أن نبادر الى تخصيص بعض الأسرة حتى لو في المستشفيات الحكومية أو الخاصة لعلاج المدمنين ومجاناً، لأنه لا يمكن أن نترك من لا يملك المال للعلاج يعاني ويموت». ويوضح أن «المادة 673 من قانون المخدرات لحظت إنشاء هذه المراكز الحكومية ونحن ندعو الى المبادرة الآن الى إنشاء مركز على الأقل على مستوى بيروت وجبل لبنان يحال إليه المتعاطون من المناطق كافة، ثم يصار فيما بعد وضمن الإمكانات المتاحة الى انشاء مركز على مستوى كل محافظة»، ويضيف أن «القانون لم يكتفِ بإنشاء هذه المراكز بل أوجب اعتماد عيادات نفسية ومراكز اجتماعية للعلاج النفسي للمدمن على مستوى كل محافظة. وهناك إمكانية لذلك الآن من خلال المستوصفات العائدة للدولة أن نعتمد على الاقل عيادة في كل من هذه المراكز الصحية الرسمية للعناية الطبية النفسية للمدمنين. الى ذلك لحظ القانون إنشاء ما يسمى المراكز العلاجية الاجتماعية التي تعنى بمتابعة المدمنين لإعادة دمجهم في المجتمع منعاً لعودتهم الى عالم الإدمان».
ويقول: «بسبب غياب المراكز العلاج التابعة للدولة قام القطاع الخاص وبالتحديد المؤسسات التطوعية بسد بعض الثغرات التي تبقى غير كافية»، مضيفاً أن «المؤسسة المتخصصة الوحيدة بعلاج المدمنين «أم النور» إمكاناتها محدودة. وقدرة استيعابها لا تزيد عن 70 أو 80 سريراً، وهذا غير كافٍ».
دور الطب النفسي في العلاج
يعمل الطبيب النفسي ماجد كنج منذ سنوات في علاج المدمنين على المخدرات وغيرها. ويؤكد أن ظاهرة الإدمان على المخدرات تشهد ازدياداً في شكل كبير حالياً. يقول كنج ل «الحياة» ان «هذا البلد فيه كثير من التطرف وهناك حلقة مفقودة هي التربية والسيطرة على الذات. حس الفرد بالمسؤولية وبالقيمة لذاته وللآخرين، تتدنى كثيراً في مجتمعنا، لذلك علينا أن ننتظر ما سيأتي وهو أسوأ مما نشهده الآن».
ويشير كنج الى أن المدمنين الذين يعمل على علاجهم «جزء كبير منهم شبان، لكن هناك عدد كبير من الكهول»، ويضيف: «في الفترة الماضية كنت ألتقي بحالات كثيرة من الاولاد المدمنين بعمر عشر سنوات أو 15 سنة. اما الآن فقلت نسبتهم». اما الحالات الاكثر خطورة، فيؤكد أنها «الإدمان على الهيرويين نزولاً الى الكوكايين ثم الحشيشة»، ويتابع: «في فترات ماضية كان هناك حالات كثيرة من الإدمان على حبوب «كبتاغون». الآن تدنت النسبة، وصار هناك مدمنون على ادوية السعال التي تحتوي على مادة ال «كودايين» وهي من مشتقات الافيون. هذه المادة مستعملة في شكل كبير جداً. كما هناك حالات ادمان على الكوكايين وهو خاص ببعض الفئات الثرية وخصوصاً الرياضيين والفنانين يستعملونه لزيادة النشاط»، ويضيف أن «هناك حبوباً يكتشفها الطلاب من وقت الى آخر، كالكبتاغون سابقاً، و «اكستاسي» الآن، حتى يسهروا ويدرسوا لوقت اطول». ويؤكد كنج أن «الادمان على ال «ال اس دي» لم يكن يوماً منتشراً في لبنان، لكنه موجود».
لماذا يتجهون الى الادمان
يوضح كنج أن «الادمان هو تفتيش الشخص عن تأثير ما في المادة الادمانية. كبحثه عما يشعره بأنه «مزهزه» ويخلصه من بعض القلق، مع ان النتائج قد تكون عكسية احياناً». كيف ذلك، يجيب: «مع الوقت لا تعود الكمية تكفي الشخص للحصول على هذا الشعور، فيعمد الى جرعات اكبر. في هذه الحالة يكون بدأ مرحلة التعوّد. في فترة تالية لن يعود بإمكانه أن يتخلى عن المادة الإدمانية، لأنه اذا تركها سيعاني اعراض الفطام، وهي عادة صعبة جداً. يصير قلقه كبيراً جداً، لا يعود قادراً على النوم، يعاني آلاماً في الرأس ويرتجف، وتصيبه هلوسات، ويضطر للعودة الى المادة الادمانية ليتخلص من نتائج الفطام. في هذه الحال لا تعود مشكلتنا مع الادمان، بل مع الفطام. اذ يكون الشخص دخل مرحلة من الادمان لا يقدر معها أن يرجع الى الوراء، الا بمساعدات من معالجين ومؤسسات استشفائية وتأهيلية وغيرها».
لكن لكل شخص بحسب كنج اسبابه ليصير مدمناً، ويشرح: «اليوم أخرجت شاباً من المستشفى عنده ادمان كحولي ويتعاطي الحشيشة بكميات كبيرة. عندما يحتسي الكحول يهتاج ويكسر ويؤذي حتى امه المسنة. اكتشفت بعد علاجه أن هناك فوضى فكرية وحالة نفسية موصوفة، وعرفت أن والده ايضاً كان يعاني المشكلة ذاتها. هنا الامور واضحة، أن هذا الشخص ليس مدمناً حقيقياً. هو يفتش عن مكان وصحبة ومادة من خلالها يعبر عن توجهاته الفوضوية التي تشتغل بعواطفه وأفكاره، وهي بالنهاية بسبب اختلالات دماغية، هناك اوضاع كثيرة تشبه هذه».
يضيف: «هناك مدمنون حقيقيون، الصعوبة في علاجهم كبيرة، لأن الواحد منهم يكون محنكاً بشدة وعنده امكانات اقناع وتورية واخفاء للأعراض والادمان لا نهاية لها، ويتلاعب بكل الناس وبالقضاء وبالمجتمع وحتى بالاطباء والممرضين. لكن كل هذا الادعاء والنعومة في التعاطي والاجتماعيات المتطورة تصب في هدف واحد هو اشراك اكبر قدر ممكن من الناس في عالمهم».
علاج المدمن
يشرح كنج أن «قضية الادمان ليست فعلاً فردياً، يصير المدمن فرداً في مجتمع ادماني. عندما يصير ضمن هذه الحلقة لا يمكنه الخروج منها».
يضيف: «الطب النفسي يتعاطى مع فرد. ليس دوره أن يطلق احكاماً أخلاقية مسبقة. نحن، اطباء النفس، نحاول عندما يصل إلينا مدمن أن نخرجه من الإدمان. أحياناً ننجح وأحياناً كثيرة لا ننجح. ممكن أن نقبل بنمط من الإدمان أخف من النمط الذي كان. يعني بدل الهيرويين يمكن أن نعطيه أدوية مسكنة للقلق. في الخارج، هناك دول كثيرة فيها برنامج بديل للهيرويين هو نوع من الهيرويين الصناعي الذي لا يوصل الى النتائج المدمرة نفسها التي يسببها الهيرويين العادي. نحكي عن مادة «ميتادون» الشهيرة التي توزع ضمن برنامج حكومي بوليسي اجتماعي». ويكمل: هناك أشخاص ننجح جيداً في علاجهم، يخرجون من الإدمان ولا يرجعون وهؤلاء قلّة، وبعضهم يرجع كل أربع أو خمس سنوات، لكن هذا أيضاً نجاح كبير. يعني إذا أمضى مريضي كل عام 10 أيام في المستشفى و355 يوماً من دون إدمان هذا أمر جيد. ويلفت الى أن «هناك نسبة كبيرة من النساء المدمنات، لكن عددهن يبقى اقل بكثير من الرجال والشباب».
دور الدولة
يحمل القانون رقم 673 الصادر في 16 آذار (مارس) 1998، والمتعلق بالمخدرات والمؤثرات العقلية، الحل لمشاكل كثيرة تتعلق بمجرمي المخدرات وعلاج المدمنين عليها ويمتد الى تأمين المساعدة لعائلاتهم. في حال تم تطبيقه.br /
وتنص المادة 205 منه على تشكيل المجلس الوطني لشؤون المخدرات الذي يرأسه رئيس الحكومة ويكون نائب رئيس الحكومة نائبه في المجلس ويضم وزراء العدل والصحة والداخلية والتربية والزراعة والمالية والشباب والرياضة والشؤون الاجتماعية والخارجية.
وتنص المادة 199 منه على «تأليف لجنة الادمان على المخدرات بقرار من وزير العدل»، في حين تقضي المواد 200، 201، 202، و204 ب «إنشاء مصح لمعالجة المدمنين»، «انشاء او اعتماد وزارة الصحة عيادات نفسية اجتماعية لمعالجة المدمنين من الارتهان النفساني للتعاطي»، و «انشاء او اعتماد وزارة الشؤون الاجتماعية مؤسسة او اكثر واشخاصاً طبيعيين تتوافر لديهم الكفاءات لرعاية الاشخاص المدمنين بعد شفائهم من الارتهان للمخدرات»، و «منح اسرة المدمن اعانة شهرية، اذا تبين للجنة الادمان ان وجود المدمن في المصح يترك اسرته بغير موارد مالية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.