على رغم كل ما قيل عن عدم قدرة الدراما التركية على الصمود بعد مسلسلي «نور» و «سنوات الضياع»، تحقق الأعمال المعروضة على الشاشات جماهيرية كبيرة. وبينما يعزو بعضهم اسباب النجاح إلى تقارب العادات والتقاليد بين العرب والأتراك، يذهب بعضهم الآخر إلى الإشارة إلى الحلة البصرية المبهرة التي تظهر بها هذه المسلسلات المستندة إلى جمال الطبيعة التركية والى الممثلات الحسناوات، فيما يرى آخرون ان الأمر كله يعود إلى حلاوة اللهجة الشامية السورية المعتمدة في دبلجة معظم هذه المسلسلات وسلاستها الناعمة. وفي غمرة كل هذه التحليلات يتناسى المراقبون احد ابرز الأسباب التي تقف خلف تميز غالبية هذه المسلسلات المدبلجة ألا وهو الموسيقى التصويرية الراقية والأغاني المتميزة المرافقة لجل هذه الأعمال. فالموسيقى، التي هي تعريفاً، لغة عالمية عابرة للفروق والتمايزات اللغوية والدينية والعرقية، تلعب دوراً لا يستهان به في استيلاء هذه الدراما المدبلجة على قلوب المشاهدين وعقولهم في المنطقة العربية. فكلما بث عمل جديد راحت نغمات موسيقاه التصويرية تغزو رنات أجهزة الخليوي حول العالم العربي، لاسيما لدى فئات الشباب. حتى أن الأغنية التي تغنيها المطربة التركية انتزار التي اشتهر بها مسلسل «سنوات الضياع» سرعان ما غدت على كل شفة ولسان بفعل حسها الرومانسي ونبضها العاطفي. وما لبث عدد من المطربين العرب والأكراد ان أصدر نسخاً بلغاته عن هذه الأغنية، كالعراقي نؤاس أموري والسورية رنيم... تلك الأغنية التي ليس مبالغة القول إنها ساهمت إلى حد كبير في تحقيق نسب المشاهدة العالية التي حظي بها المسلسل ( لنتذكر هنا رائعة سيلين ديون الخالدة «my heart will go on» في فيلم «تايتانيك» الشهير ) الذي دشن مع مسلسل «نور» بداية تفشي هذه الموضة الدرامية التي أخذت تكتسح مختلف الشاشات العربية. وفضلا عن رواج هذه الأغاني المعروضة إما في مقدمات هذه المسلسلات واما خلالها فإن عشرات المقطوعات الموسيقية المعروضة في سياق الحلقات لاقت هي الأخرى نجاحاً لافتاً في جذبها للمشاهد وتفاعله على وقع نغماتها مع مختلف الأحداث الدرامية وتطوراتها على تدرج إيقاعاتها وتذبذبها صعوداً ونزولا، حتى أن كل نوعية من المشاهد الدرامية كما هو واضح لها مقطوعات موسيقية خاصة بها. فالمشاهد العاطفية الرومانسية مثلا تميزها وترافقها مقطوعات معينة، وكذا المشاهد العنفية الدموية والمشاهد المضحكة الطريفة، وهكذا الى درجة أن المتلقي بمجرد سماعه مقطوعة موسيقية من دون أن يرى الشاشة يمكنه تخمين ماهية المشهد المعروض. وليس سراً أن العمل الدرامي وكذلك السينمائي والمسرحي من دون مؤثرات صوتية وموسيقية يغدو بلا لون او طعم او رائحة، فالموسيقى التصويرية هي التي تضفي أجواء تفاعلية على العمل الدرامي وتزيده انسجاماً وإقناعاً وصدقاً وجاذبية. ذلك أن الموسيقى تبقى الأقدر على النفاذ إلى عقل المشاهد وروحه عبر تلبية ذائقته الجمالية الجوانية والتغلغل إلى أعماقه التي تدغدغ الموسيقى أوتارها وتنبش مكامن إثارتها وتحفز بواعث اشتغالها. ومقابل هذا الاهتمام التركي بالموسيقى التصويرية تبدو الدراما العربية فقيرة او على الأقل تقليدية في استخدامها الموسيقى التصويرية، إلا إذا استثنينا اغاني المقدمات في معظم المسلسلات، والتي تبدو في احيان كثيرة متميزة... لكن تكرارها اليومي، يفقدها جزءاً من ذلك التميز، عدا عن انها تبدو دائماً متشابهة بين مسلسل وآخر.