بعدما غابت الدراما التاريخية عن الساحة الفنية خلال الأعوام الأخيرة بحجة ارتفاع كلفتها الإنتاجية وما تتطلبه من أماكن تصوير خارجية تُكبد المنتجين أموالاً طائلة، فضلاً عن صعوبة تسويقها إلى الفضائيات العربية مقارنة بالدراما الاجتماعية، ها هي تعود بقوة في رمضان المقبل من خلال ثمانية مسلسلات رصدت لها موازنات ضخمة، وضمت فنانين وفنيين ومؤلفين ومخرجين من الدول العربية. ويأتي في مقدم هذه الأعمال مسلسل «أنا القدس» من بطولة فاروق الفيشاوي وعابد فهد وكاريس بشار وصبا مبارك وصباح جزائري ونضال نجم وتيسير إدريس، من تأليف تليد الخطيب وإخراج باسل الخطيب الذي شارك أيضاً في كتابة السيناريو. ويؤرخ العمل لمدينة القدس خلال فترة زمنية مهمة جداً من تاريخها المعاصر، وتحديداً من عام 1917 ودخول الجيش البريطاني إليها لتنفيذ وعد بلفور المشؤوم، مروراً بكل الثورات والأحداث التي شهدتها المدينة المقدسة حتى عام 1967. ولا يركز العمل على القدس فقط باعتبارها بؤرة للصراع العربي - الإسرائيلي، ولكن كمنارة ثقافية وحضارية وإنسانية عبر شهادات واعترافات أهلها الذين عايشوا حوادث استثنائية في زمن استثنائي وفي إطار درامي ملحمي، ويستند العمل على خبرات أهم الباحثين والمؤرخين في تاريخ القدس والقضية الفلسطينية ويستلهم كثيراً من الوثائق والوقائع الحقيقية. الامبراطورية العثمانية أما «سقوط الخلافة» من بطولة عباس النوري وسميحة أيوب وعبدالرحمن أبو زهرة وأشرف عبدالغفور وجهاد سعد وأسعد فضة وميسون أبو أسعد وأحمد راتب وتأليف يسري الجندي وإخراج محمد عزيزية، فيتعرض لفترة تاريخية مهمة هي السنوات الأخيرة من الحكم العثماني وتحديداً خلال فترة السلطان عبدالحميد وحتى سقوط الخلافة في حقبة العشرينات من القرن الماضي. كما يلقي الضوء على ما جرى من محاولات استعمارية لإسقاط الحكم الإسلامي وتقويض مشروع وحدة المسلمين وإشغال الإمبراطورية العثمانية بأمور أدت إلى الانشقاقات وتمزيق الدولة الإسلامية وتحويلها إلى أجزاء واحتلالها. وعلى رغم وجود مسلسل يتناول قصة حياة الملكة كليوباترا ظل حبيس الأدراج لأكثر من خمس سنوات في مدينة الإنتاج الإعلامي من تأليف محمد أبو العلا السلاموني، إلا أن مسلسلاً آخر رأى النور سريعاً عن الملكة نفسها التي نالت عبر أكثر من ألفي عام من الاهتمام الإعلامي والعلمي والبحثي ما لم تنله امرأة أخرى في تاريخ العالم القديم والحديث والمعاصر. والمسلسل من تأليف قمر الزمان علوش وبطولة سلاف فواخرجي وفتحي عبدالوهاب ويوسف شعبان ومحيي إسماعيل وإخراج وائل رمضان الذي يشارك بالتمثيل أيضاً في هذا العمل الذي يتناول قصة حياة كليوباترا منذ مولدها عام 69 قبل الميلاد وتوليها حكم مصر عام 51 ق - م، ولتأمين حكمها عاشت أعنف قصة حب مع القائد الروماني مارك أنطونيو، وانتحرت بأغرب طرق الانتحار عن طريق لدغة أفعى «الأحيلة» السامة. ويركز العمل على الجانب الوطني في حياتها وحقيقة علاقتها بالرومان، وأنها لم تكن مجرد امرأة لعوب تجري وراء غرائزها، بل كانت سياسية محنكة. كما يستعرض الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي مر بها المجتمع المصري آنذاك. أما «السائرون نياماً» عن قصة للأديب سعد مكاوي وسيناريو وحوار مصطفى إبراهيم وبطولة فردوس عبدالحميد وسلوم حداد وسلاف معمار وعلي الحجار وإخراج محمد فاضل فتدور أحداثه في القرن الخامس عشر في عصر المماليك وتحديداً في عصر السلطان «بلباى» ويتناول المؤامرات التي كانت تدور في قصره وخارجه وكذلك الظلم الذي كان يتعرض له أهالي مصر من المماليك، وكيف قاوم المصريون هذا الظلم والبطش. بطل من الصعيد ويتناول «شيخ العرب همام» من بطولة يحيى الفخراني وصابرين وتأليف عبدالرحيم كمال وإخراج حسني صالح قصة حياة همام بن يوسف الهواري الذي كان أحد أبطال الصعيد الذي عاش حياته في فرشوط في قنا. وكان أول من أنشأ جمهورية في الصعيد خلال عصر المماليك، انفصل بها فترة استمرت أربعة أعوام من 1765 إلى 1769، وكان محارباً قاد جيشاً كوّنه بنفسه من 35 ألف مقاتل، وامتلكت قبيلته السيادة في العصر المملوكي وسيطر على أراضي الصعيد كلها ومسالك التجارة فيها، واستقل بالصعيد واقفاً في وجه السلطة الغاشمة وأدار الأمور بكفاءة نادرة. أما «ملكة في المنفى» الذي تلعب بطولته نادية الجندي أمام محمود قابيل وكمال أبو رية وتأليف راوية راشد وإخراج محمد زهير رجب ووائل فهمي عبدالحميد، فتدور أحداثه حول حياة الملكة نازلي بداية من زواجها من السلطان فؤاد، وكيف استخدمها كواجهة حضارية أثناء رحلته التاريخية إلى أوروبا عام 1927 لتتحدث إلى كل الصحف الفرنسية والإنكليزية وتعلن عن انتهاء عصر الحريم في مصر، ودورها في تثبيت ابنها الملك فاروق على العرش بعد وفاة والده ومحاولاتها للتأثير فيه وتوجيهه سياسياً الأمر الذي يتعارض مع مصالح رجال الحاشية. ويلقي «رجل لهذا الزمان» من بطولة أحمد شاكر عبداللطيف وأحمد خليل وهنا شيحة وتأليف محمد السيد عيد وإخراج إنعام محمد علي، الضوء على فترة مهمة من تاريخ مصر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي من خلال قصة حياة ومشوار وإنجازات العالم المصري الراحل الدكتور علي مصطفى مشرفة منذ مولده في عام 1898 مروراً بتخرجه في مدرسة المعلمين العليا 1917، وحصوله على الدكتوراه في العلوم من جامعة نوتنغهام البريطانية عام 1923، ومتابعة صاحب نظرية النسبية أينشتاين لأبحاثه ووصفه بأنه واحد من أعظم علماء الفيزياء، وكان واحداً من القلائل الذين عرفوا سر تفتت الذرة، لتنتهي حياته عام 1950 مسموماً في ظروف غامضة. آخر هذه المسلسلات مسلسل «الجماعة» لإياد نصار وعزت العلايلي وسوسن بدر وتأليف وحيد حامد وإخراج محمد ياسين، ويتناول سيرة حياة مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الشيخ حسن البنا. وإضافة الى هذه المسلسلات التي ستبصر النور في رمضان، تأجّل تصوير مسلسلات تاريخية أخرى الى رمضان 2011، ومنها «عمر المختار» لمجدي كامل وإخراج باسل الخطيب، ويتناول قصة حياة المجاهد الليبي الراحل، و «الشيماء» عن شقيقة الرسول صلى الله عليه وسلم في الرضاعة، من تأليف محيي الدين مرعي وبطولة صابرين.