لم تكف منظمات المجتمع المدني والهيئات الصحية والتربوية ومراكز الأبحاث والدراسات والاستطلاعات، عن متابعة الضغط على الحكومات المتعاقبة في كيبك لاتخاذ اجراءات صارمة تكافح التدخين بكل اشكاله وصوره. الا ان معالجتها لتلك الآفة جاءت ب «التقسيط»، اذ لجأت قبل سنوات الى منع بيع السجائر للقاصرين والتأكد من هوياتهم، وعدم عرض علب السجائر في واجهات مكشوفة. ثم تقسيم الصالات المغلقة الى جناحين: واحد للمدخنين وآخر لغير المدخنين. لكن هذا التدبير لم يستمر طويلاً، اذ جوبه بموجة من التهكم والاستهزاء لاستحالة التحكم بدخان السجائر وأضراره وحصره في مكان معين. وسرعان ما أدى ذلك الى إلغاء هذه التدابير وصدور قانون جديد يحظر التدخين في شكل صارم في الصالات المغلقة. وعيّن لهذه الغاية مفتشون لمراقبة التنفيذ وفرض الغرامات على المخالفين افراداً ومؤسسات. وظل القانون سارياً حتى العام 2015 حيت أقرت الجمعية الوطنية الكيبيكية قانوناً جديداً (وهو من القوانين النادرة الذي حظي بالاجماع) دخل تطبيقه حيز التنفيذ في 27 أيار (مايو) الماضي ويقضي بحظر التدخين في كل الأماكن العامة، سواء كانت مغلقة او مفتوحة، ومن ضمنها مثلاً الباحات الخارجية للمطاعم والنوادي والمالهي ما يحمي آلاف الاشخاص غير المدخنين من رواد هذه الأماكن، والذين بات في إمكانهم اليوم تنشق هواء طبيعي نظيف لا اثر فيه لملوثات السجائر. وتؤكد وزيرة الصحة لوس شالبوا أن حكومة كيبك، وعلى رغم الانخفاض التدريجي لظاهرة التدخين، فهي ما زالت مصرة على مكافحته وعلى متابعة الحرب على المدخنين والشركات والاعلانات المروجة له». وتنطلق من المؤشرات والمعطيات والاحصاءات المنشورة عام 2015 والتي تعتبرها «مقلقة للغاية». ففي كيبك يصل معدل التدخين الى 19.6 في المئة بواقع 22.4 في المئة للرجال و16.8 في المئة للنساء، وهي أعلى نسبة بين المقاطعات الكندية الاخرى. ويصل عدد الاصابات بداء سرطان الرئة سنوياً الى اكثر من 6 آلاف ضحية. ويقابل كل مدخن يترك التدخين او يموت بسببه مدخن جديد وتلامس نسبة المدخنين من الشباب والمراهقين حوالى 20 في المئة ويحتوي التدخين السلبي على 4 آلاف عنصر كيماوي وعلى 70 مادة مسرطنة. أما بالنسبة الى المواجهة مع الشركات المنتجة للتبغ، فيؤكد الناطق بلسان التحالف الكيبيكي لمكافحة التدخين فلوري دوكاس «اننا في مواجهة شاملة مع شركات التبغ التي تمعن في قتل اطفالنا ونحن مصرون على حمايتهم. وأن ما تعتبره نصراً (مالياً) نراه كارثة صحية». وفي اليوم الأول لدخوله حيز التطبيق، رحبت مجمل الأوساط المعنية بمكافحة التدخين ووصفت القانون ب «الأجرأ والأمثل والأشمل في تاريخ مكافحة التدخين الايجابي والسلبي والالكتروني لا في كندا وحسب وانما في الشمال الاميركي وربما في العالم ايضاً». ويشمل الحظر مروحة واسعة من السلوكيات المرتبطة بالتدخين منها مثلاً رمي اعقاب السجائر على الأرض، وفرض إزالة المنافض القريبة من مداخل الأبنية وإلغاء الفصل الوهمي بين الأماكن المسموح والممنوع فيها التدخين داخل القاعة الواحدة. والزام المدخنين بالابتعاد عن مدخل اية مؤسسة 9 امتار، والأبنية السكنية المشتركة من 2 الى 5 وحدات. ويشمل الحظر ايضاً السيارات الخاصة التي تقل اطفالاً دون 16 سنة والمدرجات التجارية بما في ذلك المطاعم والحانات وأماكن لعب الأطفال في الهواء الطلق والملاعب الرياضية والمخيمات الصيفية ومراكز رعاية الاطفال ودور الحضانة والمؤسسات التعليمية (من الروضة حتى الجامعة) بما فيها مراكز التدريب العامة للبالغين ومراكز التأهيل المهني. ويطبق الحظر ايضاً على السجائر الالكترونية في جميع هذه الامكنة من دون استثناء. أما الغرامات المتعلقة بمخالفة قانون التدخين فتتراوح بين 250 دولاراً و750 دولاراً وتكرارها يتضاعف من 500 الى 1500 دولار اعتباراً من 26 آب (أغسطس) المقبل، ومن ضمنها مخالفات السجائر الالكترونية التي كانت غرامتها تتراوح سابقاً بين 50 و300 دولار. ويلحظ القانون تعيين مراقبين ومفتشين مدنيين جوالين. ووضع ملصقات على مداخل المؤسسات العامة والخاصة وفي باحات المرافق الخدماتية. ويبدو أن حظر التدخين لاقى قبولاً حسناً واستقبل بالترحاب في شكل عام حتى من اصحاب المطاعم والمقاهي الذين لم يخشوا خسارة زبائنهم، فالأماكن التي يدخن فيها الناس أصبحت قليلة أصلاً، والآباء والأمهات سعداء بتجنب اطفالهم روائح السجائر. اما المواقف الرافضة للقانون فتمحورت حول اعتباره «مثيراً للسخرية ويصادر حرية الفرد ويجعله كسجين في مكان مغلق». أما وزيرة الصحة شارلبوا فدعت الى الامتثال بالقانون وهدأت مخاوف المدخنين الذين قد يلجأون الى السوق السوداء ورفضت اعطاء فرصة سماح او انذار قبل فرض اية عقوبة.