حساباتي مع الإشارة الضوئية في رمضان مختلفة عن الأشهر ال11 الأخرى في العام، فقوانين الشهر الفضيل مختلفة تماماً عن سائر أيام العام، فأنا أرى الإشارة بالأخضر «كالأصفر التحذيري، والأحمر المانع للتقدم»، ليس لعمى ألوان أعاني منه، بل حماية لنفسي من تهور الركب المسرعين نحو موائد الفطور والسحور، التي لن تغادر للأبد حتماً. الدقائق الأخيرة قبل وجبتي الفطور والسحور أشبه بدقائق «جحفلي»، كل المشاهد المغرية بخلو الطرقات من المركبات قد تنقلب رأساً على عقب خلال دقائق، خصوصاً عندما تتجاوزك مركبة عابرة للقارات لا ترى منها حين «يرتد إليك بصرك» سوى خيال هيكلها الناعم فوق سطح مسفلت أكثر «خشونة». معطيات دقائق ما قبل أذان المغرب مليئة بالتهور والجنون والطيران على أجنحة الريح، والنتائج هي احتمالات متصاعدة لحادثة سير «مرتقبة»، لا يثنه كل كلام التوعية السابقة واللاحقة، ولا حتى محاولات المتطوعين بتوفير مياه ورطب ل«الطائرين»، ظناً منهم أن منبع السرعة ربما يكون حال الجوع والعطش لدى «السائقين»، وابتغاء لمرضاة الرب في صدهم عن حال «التهور» التي يعانون منها، لكن الجوع الفكري مستمر عند هؤلاء المسرعين. اللحاق بالسفرة الرمضانية أمر جيد لمشاركة الأهل والأصدقاء تلك اللحظات «التعبوية»، على رغم قيمتها الروحانية، ولكن عدم حضورها ليس نهاية العالم، ولن ينقص من أجر الصيام والقيام أخي «المتهور»، أقصد «الصائم». أتمنى أن تبقى دقائق ما قبل الفجر والمغرب كبقية الدقائق الرمضانية، مفعمة بالروحانية والسكينة في شهرنا الكريم، وأن نترك ركض الدقائق الأخيرة، لأنه ليس كل دقيقة متأخرة تأتي بفرحة «جحفلي». اللهم إني صائم.