لا يمكن أن يشعر بنعمة التمتع بشهر رمضان المبارك في ظل هذا الوطن، وبالقرب من حميمية الأسرة، وطعم الروحانية العالية التي يشعر بها الصائم حينما يسمع أذان المغرب، ثم إقامة صلاة التراويح، والتجول في الأسواق التي تحمل رائحة سعادة الصائمين، إلاّ من اغترب عن موطنه؛ ليجد نفسه يسابق من أجل إتمام أهدافه التي تغرّب من أجلها، وربما تتسارع الأشهر دون أن يشعر بأن غربته قد طالت!، لكنه لا يبدأ يستعيد ذاكرته المفقودة بالشكل الكبير والموجع إلاّ حينما يتم الإعلان عن دخول شهر رمضان. هنا كل التفاصيل تتسارع في الذاكرة والرغبة برؤية من نحب في الحياة يحضر في القلب ، شعور عميق جدا لايمكن أن يحس به إلا المغترب عن موطنه وأهله. وهكذا هم المبتعثون.. حكايات حنين، وتفاصيل كثيرة يحتفظون بها بداخلهم، فيحاولون «لم» الشتات بالقرب من بعضهم، ونقل الأجواء الرمضانية إلى بلد الاغتراب، فكيف هي أجواء رمضان لمن تغرب؟، وكيف يقضي عباداته وصيامه وصلاته؟، ثم ماهي أخبار السفرة الرمضانية لدى بلاد الغرب؟. إفطار جماعي تقول «وجدان كلكتاوي» -طالبة مبتعثة-: رمضان شهر كريم، ويمتاز بروحانيته، ولكن بالنسبة لنا لا زلنا نحس بألم الغربة هنا، ولكن بفضل الله أصبح تكاتف وتلاحم المبتعثين والمبتعثات السعوديين الملاذ الذي يخفف عنا شعورنا، وبجهود إدارة النادي السعودي، حيث قاموا بوضع جدول لأماكن الإفطار الجماعي لكافة السعوديين مع مختلف بقية الجاليات الإسلامية، بحيث يقام هذا الفطور بمشاركة الأخوان المسلمين، وتقوم كل عائلة بإحضار طبق تتشارك فيه مع غيرها، موضحة أنه خلال قضائي لرمضان هنا لمدة ثلاث سنوات متتالية؛ فكل سنة يقوم بعض الأخوة بجمع التبرعات لبعض الأسر المحتاجة لإحضار احتياجاتهم الرمضانية. وآخر يحضّر إفطاره بعيداً عن الأهل صوت المئذنة غائب أما «عماد نجيم» -طالب مبتعث-، فيقول: من وجهة نظري أرى انه من الطبيعي وجود صعوبة في الصوم خارج بلاد الحرمين؛ نظراً لضيق الوقت بين الفطور والسحور، مبرراً غياب وجود الروحانية لانعدام أصوات الأذان، بالإضافه إلى افتقاد الأهل والأحباب حول مائدة الإفطار أو السحور. حنين دائم إلى ذلك أرجعت «منال الهذلي» -طالبة مبتعثة- تجدد الإحساس بالغربة إلى الحنين للأهل الذين ينتابهم من وقت الإفطار إلى نهاية اليوم، لكنها أكدت أن ما يخفف ذلك وجود عدد كبير من أبناء وبنات الوطن وبعض الجاليات العربية والمسلمة ووجود المساجد والمراكز الإسلامية، إضافة إلى ذلك ما تجود به التقنيات الحديثة من نقل الأجواء الأسرية والروحانية صوتاً وصورة. تجمع المبتعثين يخفف من ضغوط الغربة الطبخة احترقت! أما «عبدالعزيز الدوسري» فلا يجد بديلا عن الإفطار بمفرده حين يقول: لقد تعودت حياة الغربة والبعد عن الأهل؛ فمنذ ثلاث سنوات وأنا بعيد عن أسرتي، حيث أعيش بمفردي، وقد علمتني هذه الحياة كيف أعتمد على نفسي وأعد طعامي بمفردي؛ لذلك فقد تعلمت كثيراً من فنون الطبخ، واستطعت طهي بعض الأكلات، كما أنه ليس بإمكاني تغيير هذه الظروف اللهم الا بالتعجيل بالزواج، مشيراً إلى أنه قام بإعداد الإفطار، وعند تسخينه احترق عند اقتراب موعد الإفطار؛ فاضطر أن يفطر لدى أقرب مطعم. صداقة حقيقية وقالت «مرام محمد علي» -طالبة مبتعثة في لندن- إن وجود الطالبة مع إحدى أفراد أسرتها كمحرم لا يخفف من وجع غياب البقية من أسرتها، مشيرة إلى أن الصداقة والاخوة الحقيقية للسعوديات فيما بينهن تخفف عنهن هذا الشعور؛ لأن كل فتاة بطبيعتها تعلم ما هو واجبها في مهمة إعداد الإفطار. وجود المساجد ويشعر «ياسر محمد الغريبي» -طالب مبتعث للدكتوراه- بعجزه عن وصف أحاسيسه؛ لأنها تجربة جديدة افتقد خلالها والده ووالدته وأخوته وأقرباءه وأصوات مآذن مدينته الطائف، مشيراً إلى أن فترة الصيام تتجاوز التسع عشرة ساعة في مدينة مانشستر ببريطانيا. وقال نبدأ الصيام الساعة الواحدة وأربعين دقيقة ليلاً ونفطر الساعة التاسعة وعشر دقائق، ويتخلل هذه الفترة من النهار الدراسة في الجامعة وقراءة القرآن وتلبية احتياجات الأسرة، وحين يحين وقت الإفطار أجتمع أنا وأسرتي على مائدة الإفطار مع ما هو موجود في قلوبنا من تعلق بأرض الوطن؛ فنتناول طعام الإفطار وبعد ذلك بفترة بسيطة أخرج بصحبة أبنائي عمار ومحمد مصطحباً مجموعة من أصدقائي المبتعثين لصلاة العشاء والتراويح في أحد المساجد الموجودة والمنتشرة ولله الحمد في هذه المدينة، حيث تبدأ الصلاة الساعة العاشرة والنصف وتستمر حتى الساعة الثانية عشرة والربع تقريباً، حيث أدهشني ولفت نظري العدد الكبير للمصلين بجنسيات مختلفة. 19 ساعة عمل وأكد المبتعث «خالد الحربي» على أن الصيام في بريطانيا له جوانب جيدة، مشيراً إلى أن من الجوانب الجيدة للصيام في الفترة الحالية اعتدال الجو إذ انه بالرغم من طول وقت الصوم الذي يصل إلى 19 ساعة باليوم. وقال إنه -بحمد الله- يعمهم إحساس بالراحة وعدم الجوع وقال من الأشياء التي فقدتها في بريطانيا بشكل عام وفي رمضان بشكل خاص ارتفاع أصوات الأذان في الشوارع واجتماع العائلة على مائدة الإفطار والسحور وصعوبة أداء العمرة، خصوصاً مع ضغط الدراسة وتشديد قوانين التواجد في البلد حيث ان كثرة الغياب تؤثر على الحصول على الفيزا الخاصة بالدراسة لمن هم في مرحلة اللغة.