حذر وزير الخارجية الاميركي جون كيري امس من ان مفاوضات السلام الفلسطينية - الاسرائيلية تمر «بلحظة حرجة»، في وقت تحول لقاء ثلاثي أميركي - اسرائيلي - فلسطيني عقد ليل الاربعاء - الخميس في القدس الى «معركة ضارية» تبادل خلال الفلسطينيون والاسرائيليون التهديدات. رغم ذلك، اكدت تقارير صحافية إسرائيلية أن الحكومة تعتبر أن الأزمة التي بلغتها جهود كيري للتوصل إلى «صفقة» لتمديد المفاوضات عاماً إضافياً، قابلة للحل. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن كيري قوله للصحافيين في الجزائر في مستهل رحلة الى شمال افريقيا ستقوده الى المغرب ايضاً، ان «المفاوضين الفلسطينيين والاسرائيليين والاميركيين حققوا تقدماً خلال لقاء في القدس استمر حتى الساعة الرابعة فجراً (الواحدة بتوقيت غرينتش)، لكن «هناك هوة يجب ردمها بسرعة». واضاف: «نحن بوضوح في لحظة حرجة»، مؤكداً في الوقت نفسه ان «الحوار يبقى مفتوحاً». واعتبر انها ستكون «مأساة» أن يضيع الفلسطينيون والإسرائيليون فرصة «التعامل مع القضايا الحقيقية المتصلة بخلافات اتفاق الوضع النهائي». واكد انه سيجري اتصالات بعد ظهر امس مع كل من الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، علماً ان كيري اتصل مساء الاربعاء هاتفياً مع كل من نتانياهو وعباس. ورأى كيري ان الوقت مناسب لينتهز الفلسطينيون والاسرائيليون فرصة صنع السلام بينما تمر المفاوضات بأزمة جديدة. وقال: «يمكن تسهيل الامر والدفع والمساعدة، لكن الطرفين هما من يجب ان يتخذا قرارات حاسمة من اجل التوصل الى تسوية». واضاف: «على القادة التوجيه الى الطريق، ويجب ان يكونوا قادرين على انتهاز الفرصة عندما تتوافر»، مشيرا الى حكمة تقول: «يمكن قيادة حصان الى نبع المياه، لكن لا يمكن إجباره على الشرب». وتابع: «الآن هي لحظة الشرب، وعلى القادة معرفة ذلك». واكد ان بلاده تبقى ملتزمة عملية السلام، مشيرا الى ان الاجتماعات الثلاثية مستمرة لانقاذ المفاوضات. وكان لقاء ثلاثي عقد ليل الاربعاء - الخميس في القدس شارك فيه المبعوث الاميركي مارتن انديك وزيرة القضاء الاسرائيلية، المسؤولة عن ملف المفاوضات تسيبي ليفني، وكبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات. ولم يتحدث اي مسؤول بعد الاجتماع، لكن الموقع الاخباري الاسرائيلي الالكتروني «واللا» نقل عن مصدر قريب من الملف ان فرص نجاح هذه الجهود «ضئيلة جداً». يذكر ان مفاوضات السلام التي يرعاها كيري وصلت الى مرحلة الخطر عندما رفضت اسرائيل الافراج عن آخر دفعة من الاسرى الفلسطينيين في 29 من اذار (مارس) الماضي، ثم اعلانها مشروع وحدات استيطانية جديدة في القدسالشرقيةالمحتلة. وردت السلطة الفلسطينية على ذلك باستئناف مساعيها للانضمام الى منظمات الاممالمتحدة ومعاهداتها. وعبر الناطق المساعد باسم وزارة الخارجية الاميركية جوش ارنست في وقت متقدم من ليل الاربعاء - الخميس عن خيبة أمل واشنطن عندما وصف الاجراءات التي اتخذها الطرفان في الايام الاخيرة بأنها «غير بناءة واحادية الجانب». وقال ان الاجراءات ردود انتقامية غير مجدية، مؤكدا مع ذلك انه لا تزال هناك فرصة امام المساعي الديبلوماسية. وأوضح: «برأينا، هناك سبيل للتوصل ديبلوماسياً الى طريقة توجد فيها دولة اسرائيل الى جانب دولة فلسطينية». وذكرت زميلته في وزارة الخارجية ماري هارف بأن على اسرائيل والفلسطينيين ان يتخذا «قرارات صعبة»، مضيفة: «لا يمكننا ان نفعل ذلك بدلاً منهما. هما من عليهما القيام بذلك»، مؤكدة مع ذلك ان عملية السلام ليست في طور الاحتضار. اسرائيلياً وفي اسرائيل، اكد زعيم المعارضة، رئيس حزب «العمل» اسحق هرتزوغ أمس ان الطرفين يتصرفان كأنهما «روضة اطفال»، محذراً من مغبة انسحاب واشنطن من رعاية عملية السلام عقب لقاء جمعه بالسفير الاميركي في اسرائيل دان شابيرو. وقال لاذاعة الجيش الاسرائيلي: «هناك ملل عميق من الاميركيين الذين يرغبون بالقول: ايها الاصدقاء، افعلوا ما تريدون واتصلوا بنا عندما تنتهون». من جانبه، كرر وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان القول إن «إسرائيل بذلت كل ما في وسعها للتوصل إلى تسوية مع الفلسطيني»، وان الكرة باتت حالياً في ملعبهم»، مضيفاً أن «إسرائيل تملك خيارات أخرى، مثل توثيق العلاقات مع الدول العربية المعتدلة»، مكرراً موقفه الرافض الإفراج عن أسرى من «العرب الإسرائيليين». في الوقت نفسه، نقلت وسائل الاعلام عن نائب وزير الخارجية الاسرائيلية زئيف الكين من حزب «ليكود» الذي يتزعمه نتانياهو قوله ان «هذا اللقاء (الثلاثي) بعد مطلب الفلسطينيين لدى الاممالمتحدة هو إهانة لدولة إسرائيل». أما ليفني، فقالت للإذاعة الإسرائيلية إن «قرار الفلسطينيين التوجه الى منظمات الأممالمتحدة ليس مشجعاً، لكن يجب عدم الاستسلام». 9 ساعات في لقاء ثلاثي وأفادت مصادر سياسية إسرائيلية أن الاجتماع الثلاثي الذي عقد ليل الأربعاء - الخميس لم يسجل «انفراجة» في الطريق المسدود الذي آلت إليه محاولات كيري. ونقلت وسائل الإعلام العبرية عن مسؤولين فلسطينيين ضالعين في مضمون الاجتماع الذي استمر تسع ساعات، قولهم إن الاجتماع كان أشبه ب «ساحة معركة سياسية» تخللته تهديدات إسرائيلية وفلسطينية متبادلة. رغم ذلك، أضافوا أن الأميركيين لا يرون أن توقيع الرئيس محمود عباس على طلبات انضمام السلطة إلى 15 معاهدة ومؤسسة دولية تابعة للأمم المتحدة، يسدل الستار بعد على محاولات تضييق الهوة بين الجانبين. ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مسؤول فلسطيني قوله إن عملية السلام تبدو كأنها تقهقرت أكثر من عشر سنوات إلى الوراء في «أعقاب المعركة الضارية» التي دارت في اجتماع ليفني – عريقات – انديك. وأضافت أن الجانب الفلسطيني رفض الخوض في المسائل الفنية العالقة، وطالب بتناول قضايا الصراع الرئيسة «لا الرزم أو الصفقات،» كما قال عريقات في الاجتماع. وتابع المسؤول أن الجدل الساخن الذي شهده الاجتماع «رفع منسوب التوتر بين الجانبين، إذ تحدث الإسرائيليون بنبرة الأسياد الذين يريدون أن يجعلوا من الاحتلال انتداباً ينظر إلى الفلسطينيين كمقاول تنفيذ». ورفض الفلسطينيون طلب ليفني ومرافقها مستشار رئيس الحكومة اسحق مولخو البحث في مسألة الدفعة الرابعة من الأسرى «وتسهيلات أخرى» تقترحها إسرائيل في مقابل تمديد المفاوضات عاماً اضافياً. وبرروا الرفض بأن المسألة سبق التفاهم عليها مع الأميركيين عشية استئناف المفاوضات الصيف الماضي، «وإسرائيل هي التي لا تفي التزامها في هذا الصدد». وردت ليفني بتهديد الفلسطينيين بعقوبات على توجههم للانضمام الى هيئات دولية، فردّ عليها عريقات بتهديد إسرائيل بالتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي «في حال صعّدتم الأوضاع ضدنا، إذ سنلاحقكم كمجرمي حرب في كل المحافل الدولية». اتهام أريئل بعرقلة الاتفاق إلى ذلك، اتهمت أوساط اميركية وزير البناء والإسكان الإسرائيلي أوري أريئل بعرقلة إبرام الصفقة عمداً من خلال إعلانه في أوج الاتصالات لإبرام الصفقة الثلثاء الماضي بناء 700 وحدة سكنية جديدة في الحي الاستيطاني «غيلو» جنوبالقدس. وكانت أوساط سياسية إسرائيلية وجهت التهمة ذاتها الى أريئل، الرجل الثاني في حزب المستوطنين «البيت اليهودي» الذي لم يتردد في إعلان معارضته مقايضة الإفراج عن أسرى فلسطينيين بالإفراج عن الجاسوس الأميركي اليهودي جوناثان بولارد. ولاحقاً، دعا أريئل رئيس حكومته بنيامين نتانياهو إلى الإعلان عن إلغاء اتفاقات اوسلو رداً على توجه الفلسطينيين للأمم المتحدة. ثمن الاتفاق أو عدمه وتابعت وسائل الإعلام العبرية باهتمام كبير الأزمة في المفاوضات، وذكرت صحيفة «يسرائيل هيوم» اليمينية أن التقدير السائد لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية هو أن وقف المفاوضات ليس في مصلحة الفلسطينيين في الوقت الحاضر، وأنه تم تمرير هذه الرسالة للفلسطينيين. مع ذلك، أضاف المعلق العسكري في الصحيفة أن مسؤولين كباراً في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية يتحدثون في ما بينهم عن الانعكاسات المحتملة على مصالح إسرائيل الأمنية في حال انهارت المفاوضات تماماً، وأنها ستكون أفدح من الثمن المطلوب من إسرائيل دفعه في مقابل الموافقة على تمديد المفاوضات. وأضاف أن «الجيش يخشى اتساع العنف في الضفة الغربية، وعلى صعيد أوسع المس بشرعية إسرائيل وصولاً إلى اتخاذ خطوات تحد من قدرتها على العمل». واعتبر استاذ القانون الدولي ايال غروس طلب الفلسطينيين الانضمام إلى 15 معاهدة ومؤسسة دولية «خطوة نحو الاستقلال، وتلميحاً قوياً الى أن الفلسطينيين قد يتوجهون إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، لكن ليس قبل أن يطلبوا الانضمام إلى «معاهدة روما» التي أقامت هذه المحكمة للبت في دعاوى الجرائم الدولية.