أكد وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لشؤون المساجد الدكتور توفيق السديري أن ما تشهده الوزارة من برامج تطويرية لأئمة المساجد والدعاة لديها يأتي في ظل حركة الإصلاح التي يقودها خادم الحرمين الشريفين ولم تكن نتيجة لضغوطات خارجية على المناشط الدعوية والخيرية في المملكة. وأضاف في حوار مع «الحياة» أن الوقت غير مناسب حالياً لمراقبة المساجد إلكترونياً. ودافع عن نظام جمع التبرعات النقدية الذي تتبعه الوزارة، مؤكداً أنه نظام حاسم يخضع للمراقبة بنسبة 100 في المئة. وشدد على أن هيلة القصير التي ألقت الجهات الأمنية القبض عليها بتهمة الإرهاب، ليست لها علاقة من قريب أو بعيد بنشاطات الوزارة وغير مؤهلة تأهيلاً شرعياً. وبخصوص ما تردد عن أنها كانت تجمع التبرعات في المساجد والنشاطات الدعوية النسائية، أكد أن غالبية التجمعات النسائية خارجة عن نطاق إشراف وزارة الشؤون الإسلامية ولم يصرح لها بشكل رسمي، معتبراً أن هذه إشكالية، تؤدي إلى خلل في جمع التبرعات أو ترويج بعض الأفكار. وقال إن نسبة من أبعدتهم الوزارة من الأئمة الذين يحملون أفكاراً خاطئة قليلة جداً، لافتاً إلى أن مشروع الأمن الفكري الذي أطلقته وزارة الشؤون الإسلامية أخيراً جاء بعدما لاحظت الوزارة جنوح بعض منسوبيها لأفكار خاطئة بعيدة عن الوسطية، مشيراً إلى أنها ستستمر في المشروع دون توقف حتى تعاد الأمور إلى طبيعتها. واعتبر السديري أن الانتقادات التي توجه إلى أئمة ودعاة المملكة من جهات خارجية ليست جديدة وسهاماً طائشة لم يسلم منها حكام البلاد ولا العلماء منذ قديم الزمن، وعزاها إلى كون المملكة قامة كبيرة في خدمة الإسلام والمسلمين ولها أعداء على ذلك. وفي ما يأتي نص الحوار: نود أن نعرف في البداية دور وزارة الشؤون الإسلامية في إطلاق مشروع «الأمن الفكري» لأئمتها ودعاتها أخيراً؟ - وزارة الشؤون الإسلامية بحكم مسؤوليتها عن القطاع الدعوي والإرشادي في المملكة لها دور فاعل ومؤثر في تحقيق الأمن الفكري، ومن هذا المنطلق بدأت منذ أعوام عدة بالعمل من خلال خطب الجمعة والندوات والمحاضرات والإصدارات المطبوعة والمسموعة وتنظيم البرامج الإعلامية في موضوع ترسيخ «الأمن الفكري»، وفي الفترة الأخيرة عمدت الوزارة إلى تنظيم برامج ضخمة لتأهيل آلاف من منسوبي الوزارة كي يقوموا بدورهم بالشكل المطلوب في ترسيخ الأمن الفكري في المملكة، ومن دون شك فإن المسجد والمدرسة ووسيلة الإعلام هي المسارات الثلاثة التي يعول عليها كثيراً في تحقيق «الأمن الفكري» في المجتمع وإشاعة ثقافة الوسطية والتسامح والقيم الإسلامية المتعلقة بهذا الأمر. ونحن في فترة من الفترات وجدنا بعض شبابنا - مع الآسف - اختطف وغابت عنهم هذه الثقافة «الوسطية» وهذا الوعي خصوصاً، واتجهوا نحو التطرف الفكري انطلاقاً من ثقافة متشددة غالية، والحقيقة أن الجهات الأمنية قامت بدورها في المجال الأمني ومحاربة هذا الفكر والخارجين عن النظام والمجتمع بشكل فاعل وحققت ضربات استباقية كبيرة وبقي الدور الآن على الأجهزة المعنية بالنشاطات الاجتماعية والفكرية والثقافية ومنها الشؤون الإسلامية والتربية والتعليم والجامعات ووسائل الإعلام لمواجهة الفكر الضال ومحاصرته من جذوره. هل هناك مدة زمنية محددة للانتهاء من ترسيخ هذا المشروع؟ - بدأنا هذا المشروع الفكري عبر مسارات عدة منها التركيز والتأكيد على أن تعالج خطب الجمعة والمحاضرات وما يقدم من برامج هذا الموضوع بشكل فاعل ومؤثر، والمسار الثاني تطوير قدرات الخطباء والدعاة وتأهيلهم في جميع مناطق المملكة ليكونوا قادرين على العلاج بفعالية، وبدأ هذا البرنامج الشهر الماضي، إذ تقام ندوة فكرية شهرية في كل منطقة إدارية من مناطق المملكة ال 13، يتم التحضير لها مسبقاً يحضرها الدعاة والخطباء حول موضوع مختار من مواضيع الأمن الفكري وتتكرر في كل شهر والمدة الزمنية ليست محددة. ولكن هناك من ينظر إلى أن هذه البرامج الفكرية أتت نتيجة ضغوطات سياسية خارجية عليكم لإعادة صياغة الخطاب الدعوي في المملكة من جديد؟ - أبداً لا أعتقد أن هناك ضغوطات خارجية، وبالأصح ليس لها أي تأثير علينا إن وجدت، والمملكة حالياً تشهد حركة إصلاحية متعددة المسارات يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ولا يمكن لأحد أن يزايد على المملكة في مجال حمل راية الإسلام والحفاظ على العقيدة، ودائماً تؤكد قيادتها أن العقيدة والوطن لا يمكن لأحد أن يساوم عليها وبالتالي ما يحدث من «مناشط» في الوزارة من برامج علمية وفكرية وتوجيهية أمر طبيعي يسير في هذا النسق وتعديل لأوضاع معينة ليكون هناك انسجام مع الوضع الطبيعي للمملكة وما قامت عليه هذه الدولة من منهج إسلامي شرعي قائم على الكتاب والسنة الصحيحة وتنقية ما أصاب بعض أبنائنا من انحراف عن هذا المنهج في فترة من الزمن. وبكل تأكيد فهذه العملية تحتاج إلى وقت كاف لتحقيق الهدف منها ولا يمكن تحقيقه بين عشية وضحاها وأقصد بذلك أن إحلال الأفكار الصحيحة وترسيخ الوسطية في أذهان الناشئة وبمن هو متأثر بهذه الأفكار المتطرفة والغالية يحتاج إلى وقت، فالبناء دائماً يحتاج لوقت أكبر من الوقت الذي يحتاجه الهدم. كيف كان تعاملكم مع أئمة المساجد الذين انجروا خلف أفكار خاطئة؟ - بصراحة فإن عدد من تأثروا من الأئمة بهذه الأفكار محدود جداً مقارنة بعدد الأئمة والخطباء، ويتم علاج ذلك من خلال مستويات عدة أولها المناصحة والمناقشة، ثم يتم الانتقال إلى مرحلة العقاب التي قد تصل إلى حد الإبعاد التام إن لم تفلح المحاولات الأخرى، ومن جرى إبعادهم لهذا السبب محدود جداً حتى الآن. هناك توجه لديكم للتشديد على أن يكون أئمة المساجد أكاديميين؟ - نعمل على ذلك منذ أعوام عدة، إذ تحرص الوزارة على المؤهلين علمياً، بحيث يكون من يقوم بإمامة المسجد خريج كلية شرعية ولا يتم تعيين خطباء الجمعة حالياً إلا ممن يحملون مؤهلاً شرعياً، وهذا شرط أساسي، وأؤكد لك أننا لا نواجه مشكلة في هذا الجانب نظراً إلى كثرة الخريجين، ولله الحمد. هل تعتبر إمامة الأجانب في بعض المساجد مخالفة؟ من دون شك هذه مخالفة صريحة لأن الأصل نظاماً هو أن يكون إمام المسجد أو الخطيب سعودي الجنسية ولكن في حالات معينة وخشية أن تتعطل بعض المساجد لعدم تقدم سعوديين لها يتم اللجوء إلى تعيين إمام ومؤذن غير سعودي، وغالباً هذا يحدث في الأحياء التي يكون غالبية سكانها غير سعوديين، أو لا يكون هناك سكن متوفر للإمام أو المؤذن علماً بأن الوظيفة التي يشغلها غير السعودي تعتبر شاغرة، ومتى ما وجد السعودي الكفء يعين عليها مباشرة. ما تعليقكم على الانتقادات الخارجية التي توجه لحلقات تحفيظ القرآن في المملكة وتصفها بأنها حلقات «مشبوهة»؟ - هذا الكلام فيه تجن وتعميم خاطئ، لأن حلقات القرآن الكريم أوجدت لحفظ الناشئة من الانحراف، وربطهم بكتاب الله الكريم دراسة وحفظاً وتدبراً، ولا يعني ذلك أننا ننفي وجود ملاحظات عليها لأن الملاحظات موجودة في كل مكان في المدرسة أو الجامعة أو المنزل ولكن نسبتها قليلة، والتعميم المشبوه الذي يطلق على حلقات القرآن الكريم حكم غير صحيح وليس مبنياً على أرقام أو حقائق ملموسة. تردد أخيراً أن وزارة الشؤون الإسلامية تستعد لمراقبة المساجد إلكترونياً؟ - الحقيقة أن موضوع الرقابة له أكثر من مسار في الوزارة سواء كان عن طرق المراقبين أم الفرق الميدانية أم مما يردنا من ملاحظات من المواطنين أو وسائل الإعلام، وكانت هناك فكرة حول هذا المشروع وتمت تجربتها ولكن الوقت غير مناسب حالياً لتطبيقها، مع ملاحظة أن عدد المساجد في المملكة يصل إلى 75 ألف مسجد و15 ألف جامع، فكم من الإمكانات البشرية والمالية التي تحتاج إليها الرقابة على هذه المساجد. وماذا عن إيجاد شاشات عرض للترجمة للجاليات في المساجد؟ - هذا معمول به في بعض المساجد بعد صلاة الجمعة في المساجد التي تكثر فيها الجاليات غير الناطقة بالعربية، وهذا الأمر مرتبط بما يرد من فتوى من هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للفتوى، كما أن الترجمة بلغة الصم والبكم (الإشارة) مطبقة أيضاً في بعض المساجد وفق الفتوى الشرعية. قبضت السلطات الأمنية أخيراً على هيلة القصير المتورطة في قضايا إرهابية، ما صحة ما تردد عن أنها كانت تجمع التبرعات في المساجد والمناشط الدعوية النسائية؟ - أولاً: لا بد من الإيضاح أن القصير لم تكن داعية في الوزارة وليست لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بمناشط الوزارة وأصلاً هي غير مؤهلة تأهيلاً شرعياً والوزارة لا تسمح لأحد بالقيام بواجب الدعوة مالم يكن مؤهلاً تأهيلاً شرعياً ومنهجياً وفكرياً ولديه القدرة على القيام بهذا العمل المهم كونه واجباً عظيماً وخطراً. - ثانياً: بالنسبة إلى التبرعات النقدية فنحن لدينا نظام حاسم بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة في مراقبة التبرعات ويمكن القول إننا وصلنا إلى نسبة 100 في المئة من مراقبة هذه التبرعات التي كانت موجودة في السابق ولكن المشكلة الآن في أن كثيراً من الناس يخلط بين المناشط الدعوية المصرح لها وبعض التجمعات وبالذات النسائية غير المصرحة، وأكون صادقاً معك أكثر فإن غالبية التجمعات النسائية خارجة عن نطاق إشراف وزارة الشؤون الإسلامية وغير خاضعة لرقابتها، ولم يصرح لها بشكل رسمي، وهي تقام في استراحات وقاعات على سبيل المثال وهذه إشكالية وهنا يكون الخلل في جمع التبرعات أو ترويج بعض الأفكار. ولكن المناشط الدعوية التي تعقد حالياً من دون تصريح رسمي كثيرة؟ - هذه خارج عن النطاق الإشرافي للوزارة وتسأل عنها جهات أخرى. وماذا عن بعض الدعاة من خارج السعودية الذين تقام لهم برامج دعوية؟ - الوزارة لا تصرح إلا للدعاة السعوديين وفق آلية معينة معتمدة. إلى أين وصلتم في مشروع تطوير قدرات ومهارات الأئمة من ناحية الخطابة؟ - نحن مهتمون به جداً منذ أعوام عدة لتطوير قدرات الأئمة وذلك بالتعاون مع بعض المعاهد والجامعات في المملكة لتطوير هذا الجانب لدى الأئمة والخطباء والدعاة، إذ توجد برامج في مهارات الإلقاء والتواصل وغيرها. ما تعليقك على من يردد أن دعاة المملكة وخطباءها مجرد أئمة مأجورين يخدمون مصالح معينة؟ - على كل حال هذا ليس بجديد لأن المملكة مستهدفة دوماً وتوجيه مثل هذه الاتهامات يعود لكونها قامة كبيرة في خدمة الإسلام والمسلمين وقضاياهم على مختلف الصعد، ولا بد أن يكون لها أعداء وحساد، فبالتالي لم يسلم حكام هذه البلاد ولا علماؤها ولا مواطنوها ولا منهجها من هذه السهام الطائشة وهذه تعودنا عليها عبر أجيال كثيرة، والمملكة لا تلتفت لهذا الأمر لأنها واثقة من خطاها ومتأكدة من سلامة منهجها وتسير وفق ما كان عليه سلف الأمة الصالح، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهم أفضل البشر لم يسلموا من الاتهامات الباطلة مرة بالجنون وأخرى بالسحر أو الكذب أو غيرها، والمملكة هذه الدولة الكبيرة الراسخة الجذور وعلى مدى ما يقرب من 300 عام تواجه مثل هذه الاتهامات من أعدائها ولكن لأنها مع الحق وعلى الحق ظلت صامدة وأثبتت لكل ذي عقل تهافت هذه الادعاءات والدعاوى الباطلة كما أثبتت أن القافلة تسير وسهام الحاسدين تتساقط مثل تساقط ورق الشجر في فصل الخريف.