على رغم الاختلافات التي واجهها تعريف مصطلح «المسؤولية الاجتماعية»، إلا أنها تعد مطلباً أخلاقياً للمجتمع سواء أكان من منظماته الأهلية أم من الأفراد، إذ يقع على عاتقهم العمل لمصلحة المجتمع ككل. اكتسب مفهوم «المسؤولية الاجتماعية» أهميته وقيمته، ليس بوصفه موضوعاً اقتصادياً يهم أصحاب الأعمال فحسب، ولكن لما له من مضامين اجتماعية وأخلاقية أصبحت بديلاً مقنعاً وحلاً مرضياً وقيمة مضافة تسهم في تحسين الواقع الاجتماعي والمعيشي للمواطنين. كما أن الأعمال الاجتماعية، بمعانيها المختلفة، تهدف إلى استقرار وتنمية المجتمع وتكوين ثقافة خاصة بهذا النوع من العمل الاجتماعي المستمر، الذي ينقل عبر التنشئة الاجتماعية للأجيال اللاحقة. جاءت «رؤية السعودية 2030» لترسخ مفهوم تحمل المسؤولية في المجتمع، لما للمملكة من دور مؤثر ومساهمات كبيرة في العمل الخيري محلياً وإقليمياً وعالمياً، ما يوحي بأن قيم العطاء والتراحم والتعاون والتعاطف راسخة الجذور، غير أن هذه المجهودات تحتاج إلى تطوير إطارها المؤسسي والتركيز على تعظيم النتائج ومضاعفة الأثر. وأشارت الرؤية إلى الدور الكبير للمسؤولية الاجتماعية من خلال العمل غير الربحي، وأضافت: «لدينا اليوم أقل من ألف مؤسسة وجمعية غير ربحية، ولتوسيع نطاق أثر هذا القطاع، سنواصل تطوير الأنظمة واللوائح اللازمة لتمكين مؤسسات المجتمع المدني، وسنوجه الدعم الحكومي إلى البرامج ذات الأثر الاجتماعي، وسنعمل على تدريب العاملين في القطاع غير الربحي، وتشجيع المتطوعين فيه، وسنواصل تشجيع الأوقاف لتمكين هذا القطاع من الحصول على مصادر تمويل مستدامة، ونراجع الأنظمة واللوائح المتعلقة بذلك. كما سنعمل على تسهيل تأسيس منظمات غير ربحية للميسورين والشركات الرائدة لتفعيل دورها في المسؤولية الاجتماعية وتوسيع نطاق عمل القطاع غير الربحي، وسيتم تمكين المؤسسات والجمعيات غير الربحية من استقطاب أفضل الكفاءات القادرة على نقل المعرفة وتطبيق أفضل الممارسات الإدارية. وسنعمل على أن يكون للقطاع غير الربحي فاعلية أكبر في قطاعات الصحة والتعليم والإسكان والأبحاث والبرامج الاجتماعية والفعاليات الثقافية». ولتعظيم الأثر الاجتماعي أولت الرؤية اهتماماً كبيراً للمشاريع الخيرية، إذ لا تتجاوز مساهمة القطاع غير الربحي 0.3 في المئة من الناتج المحلي، وتعد هذه المساهمة متواضعةً مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ 6 في المئة. في الوقت الراهن، تبلغ نسبة المشاريع الخيرية التي لها أثر اجتماعي أو التي تتواءم مع أهداف التنمية الوطنية طويلة الأمد 7 في المئة فقط، وتستهدف الرؤية لتصل إلى أكثر من 33 في المئة بحلول العام 1442ه الموافق 2020م. وحسب أهداف الرؤية سيسهم نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية ونظام الهيئة العامة للأوقاف (اللذان تم إقرارهما أخيراً) في تمكين القطاع غير الربحي من التحوّل نحو المؤسسية، وتعزيز ذلك بدعم المشاريع والبرامج ذات الأثر الاجتماعي، وتسهيل تأسيس منظمات غير ربحية للأسر وأصحاب الثروة بما يسهم في نمو القطاع غير الربحي بشكل سريع، والعمل على تهيئة البيئة التقنية المساندة، ومواصلة العمل على تعزيز التعاون بين مؤسسات القطاع غير الربحي والأجهزة الحكومية. وفي مجال بناء القدرات، يدعم القطاع غير الربحي تطبيق معايير الحوكمة الرشيدة، وتسهيل عملية استقطاب الكفاءات وتدريبها، والعمل كذلك على غرس ثقافة التطوع لدى أفراد المجتمع. وأكدت رؤية 2030 أن «بناء الوطن الذي ننشده لا يكتمل إلا بتكامل أدوارنا، فلدينا جميعاً أدوار نؤديها سواء أكنا عاملين في القطاع الحكومي أم الخاص أم غير الربحي. وهناك مسؤوليات عدة تجاه وطننا ومجتمعنا وأسرنا وتجاه أنفسنا كذلك في الوطن الذي ننشده، سنعمل باستمرار من أجل تحقيق آمالنا وتطلعاتنا، وسنسعى إلى تحقيق المنجزات والمكتسبات التي لن تأتي إلا بتحمّل كل منا مسؤولياته من مواطنين وقطاع أعمال وقطاع غير ربحي». أبرز الأزمات السابقة خلط المفهوم منذ بداية انتشار مصطلح «المسؤولية الاجتماعية» لوحظ الخلط بينها وبين العمل التطوعي والتسويق والعلاقات العامة، إضافة إلى أنها تأخذ أحياناً على شكل تبرعات أو أعمال خيرية من دون التوجه بفعالية إلى برامج المسؤولية الاجتماعية الهادفة إلى التنمية المستدامة، كما أن مصطلح «المسؤولية الاجتماعية» لا يزال حديثاً، فما زالت المؤسسات تخلط في تطبيق أداء المسؤولية الاجتماعية بين البرامج التنموية المستهدفة وفقاً للمفهوم وبين التبرعات وتعتبرهما شيئاً واحداً ، وأرجع مختصون ذلك إلى ضعف التوعية بثقافة المسؤولية الاجتماعية ومبادئها الصحيحة وبطء انتشار ثقافتها. غياب الدعم تحظى مبادرات المسؤولية الاجتماعية، بدعم مادي كبير من القطاعات الخاصة وذات العلاقة، إلا أنها تفتقر إلى الدعم المعنوي والانتشار، ويعد ذلك أحد الأزمات التي لا تزال المسؤولية الاجتماعية تعاني منها، منها قلة الحوافز المجزية من الجهات الحكومية للمنشآت المتفوقة في أداء المسؤولية الاجتماعية مثل الإعفاءات الجمركية والأولوية في المناقصات وغيرها من التيسيرات، إضافة إلى الرقي بجوائز المسؤولية الاجتماعية التي تمنح للمميزين بما لا يقل عن الجوائز وأوسمة التقدير الأخرى عالية المستوى دولياً ومحلياً. انعدام التخطيط يعاني قطاع المسؤولية الاجتماعية من غياب الشكل التنظيمي، الذي يوضح هيكلة أداء المسؤولية الاجتماعية وآليات العمل المرتبطة بها، إضافة إلى ضعف توافر الاستراتيجيات، وعدم جاهزية القطاع المتلقي الرئيس (مؤسسات المجتمع المدني) للاستفادة من الإمكانات التي توفرها المنشآت، وعدم توافر كوادر ووحدات إدارية متخصصة ومؤهلة لتخطيط وتنفيذ برامج المسؤولية الاجتماعية، إذ يناط بها غالباً لإدارات العلاقات العامة أو التسويق، وعدم توافر معايير أو مؤشرات يتم بها تقويم أداء المسؤولية الاجتماعية أسوة بالمعايير والمؤشرات التي تقيم بها نتائج الأعمال الاقتصادية. محدودية الأنشطة تركز أنشطة المسؤولية الاجتماعية في الجهات المعنية، على المسائل الاجتماعية عادة في تقديم المبادرات والبرامج، إذ تحتل مسائل التعليم والتوظيف والتبرعات وعمل المرأة صدارة الأولويات، وذلك كونها محور تركيز إعلامي واجتماعي، في الوقت ذاته يتم تجاهل بعض المسائل التي لا تقل عن السابقة أهمية، كالبيئة، والتدريب، وبرامج الدعم. لبناء مجتمع متماسك واقتصاد متوازن من خلال دعم وتشجيع العمل الاجتماعي أخذت الرؤية الشراكة مع القطاع الخاص كركيزة أساسية لتحقيق أهداف الرؤية من أمن وطمأنينة.