«على الجامعات ومؤسسات البحث العلمي المتخصصة في مجال الدراسات الجغرافية ربط مناهجها وأبحاثها بما جاء في القران الكريم». هذه ليست تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي بل توصية رئيسية تضمنتها أطروحة جامعية حصل معدها على درجة الماجستير من جامعة يمنية مصرح لها. وعلى رغم مرور أكثر من 4 عقود على التعليم الجامعي في اليمن وارتفاع أعداد الجامعات من اثنتين حكوميتين مطلع سبعينيات القرن العشرين إلى 45 جامعة ما بين حكومية وخاصة، وفق بيانات 2013، إلا أن التعليم الجامعي ما زال يتسم بالتخلف والتقليدية، وما زال تأثيره في المجتمع ضعيفاً جداً وفق تأكيد تقارير محلية ودولية، بينها البنك الدولي والمجلس الأعلى لتخطيط التعليم. وتُظهر الوقائع والوثائق أن الجامعة اليمنية تمارس دوراً سلبياً لا يقف عند تخريج عاطلين من العمل بسبب ضعف المهارات وعدم مواءمتها متطلبات السوق المحلية والإقليمية والدولية وحسب، بل تشكل بيئة مولدة للتطرف والإرهاب. حتى باتت الجامعة «فقاسة آمنة» لإنتاج الفكر المتطرف المعادي لقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان. وإضافة إلى «جامعة الإيمان» التي اشتهرت بتخريج متشددين دينياً، بينهم منفذون لعمليات إرهابية، مثال فاروق عبد المطلب المتهم بمحاولة تفجير طائرة ركاب أميركية وعلي السعواني المدان بقتل الزعيم الاشتراكي جار الله عمر، هناك العشرات من الجامعات الخاصة والحكومية التي تساهم بشكل مباشر وغير مباشر في ترسيخ بيئة فكرية قد تؤدي أو تحفز على التطرف. وتؤكد دراسات منشورة تعاضد المنهج وطرق التدريس والمدرس الجامعي والإدارة والنظام السياسي في تكريس التفكير اللاعقلاني وضرب الدور التنويري للجامعة وإبقائها أداة مطواعة بيد السلطة الحاكمة والجماعات الدينية والسياسية على اختلاف توجهاتها. وفشلت نقابة هيئة التدريس في جامعتي صنعاء وعمران في إلزام جميع منتسبيها بتنفيذ إضراب عن العمل دعت إليه مطلع الشهر الجاري احتجاجاً على استبدال ميليشيا الحوثيين (حركة أنصار الله ) الانقلابية قيادة الجامعة والكليات بموالين لها. وهذه ليست المرة الأولى التي تفشل فيها النقابات الجامعية في إلزام منتسبيها بتنفيذ إضرابات تدعو إليها. وباستثناء تلك المتعلقة بتحسين الأجور التي غالباً ما تحصل على إجماع، تواجه الدعوات إلى دمقرطة الحرم الأكاديمي، على ندرتها، بالإخفاق وعدم تفاعل الأساتذة والطلاب على السواء. تدخلات ميليشيا الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في الشأن الجامعي والتي وصلت إلى درجة الاعتداء على أساتذة وطلاب واعتقال بعضهم، لا تعد نشازاً، بل ترتكز على موروث من التبعية الطوعية والقسرية أنتجته البيئة الجامعية على مدى عقود. فعلى رغم مرور أكثر من ربع قرن على تبني اليمن النظام الديموقراطي التعددي غير أن المجتمع الجامعي لم ينتهز هذه الفرصة ليفرض استقلاليته، ومنها إقرار مبدأ انتخاب رؤساء الجامعات وعمداء الكليات. وتظهر الوثائق أن تبني التفكير الموصوف بالغيبي واللاعلمي لا يقتصر على مناهج الليسانس والبكالوريوس بل ويشمل الدراسات العليا. وتكشف 4 أطروحات جامعية فحصتها «الحياة»، افتقار رسائل ماجستير ودكتوراه ناقشتها وأجازتها جامعات مرخصة، إلى أدنى المعايير العلمية. وعلى سبيل المثال، تركز جهد الباحث في رسالة جامعية على نفي السببية الطبيعية في حدوث بعض الظواهر الفلكية والطبيعية وهو ما يتنافى مع الحقائق العلمية المتعارف عليها على نطاق واسع ويقول بها علماء مسلمون. ومنذ اندلاع الحرب الأهلية الأولى صيف 1994، نظمت عشرات المؤتمرات والندوات ناقشت مشكلة عدم الاستقرار السياسي والأمني في اليمن ونادرة جداً الأنشطة التي تناولت دور الجامعة في إعاقة الديموقراطية والتنمية. وينخرط مدرسون جامعيون من الجنسين في تأييد العنف السياسي والديني. ومعظم أساتذة جامعتي صنعاء وعمران الذين لم يستجيبوا لدعوة الإضراب، هم مؤيدون للانقلاب المسلح الذي تنفذه منذ 21 أيلول (سبتمبر) 2014 ميليشيا الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. والمفارقة أن تجد بين الجامعيين المؤيدين للانقلابات المسلحة مدرسين لمادة الفلسفة التي توصف بأنها أداة تثوير للعقل والمجتمع. ويتهم المدرس الجامعي بهشاشة ثقافته وضعف ضميره العلمي، ما جعل الجامعة «ثكنة أمنية» حيناً، أو «حوزة دينية» حيناً آخر، وفق تعبير طالبة الدراسات العليا منى عبد الرحيم. وكشفت دراسة ميدانية أعدها أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز الدكتور منذر إسحاق، عن وجود استجابة لدى المثقف للتواؤم مع السلطة والعيش في كنفها. ووفق الدراسة التي حملت عنوان «العلاقة الجدلية بين المثقف والسلطة في اليمن»، تبين أن محاولات النقد القليلة التي يبديها بعض المثقفين للسلطة الحاكمة تهدف إلى تحسين ظروفهم وأوضاعهم المادية ولا تنم عن موقف مبدئي. وبعد 5 سنوات على تفجر ما يسمى بثورات الربيع العربي، بات واضحاً افتقار هذه الثورات لثقافة تغييرية متينة تنهض على تمثيل حقيقي لمبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان. ويقدر أن نحو 5 في المئة من شباب ساحات الثورة والتغيير في اليمن، ومنهم الحوثيون، صاروا مشاركين رئيسيين في الثورة المضادة وغطاء للانقلاب المسلح. ولا يعني هذا أن المناوئين للانقلاب ديموقراطيون في العمق، فباستثناء عدد قليل ممن عارضوا الانقلاب انطلاقاً من رفض مبدئي للعنف، يعارض كثيرون الانقلاب من زاوية الخصومة السياسية أو المذهبية.