تلقي الحرب الأهلية في اليمن بظلالها على سير العملية التعليمية ما أدى إلى توقف الدراسة خلال الفصل الثاني وتأجيل اختبارات الثانوية العامة والاساسية الى منتصف آب (أغسطس) المقبل، في وقت تبدو اختبارات هذا العام اختباراً لمدى قدرة اليمنيين على مغادرة كهف الصراعات الدامية والوقوف على عتبة الزمن المعاصر. ويتهم نظام التعليم في اليمن بإعادة انتاج التخلف والحفاظ على بنية المجتمع التقليدي. واعتبر بعضهم انقلاب 21 أيلول (سبتمبر) الماضي نكسة ثقافية وأخلاقية بقدر ما هو نكسة سياسية. ويقول الخريج حامد عبدالرحيم: «لم يكن مستغرباً أن يقود الرئيس السابق والحوثيون انقلاباً مسلحاً، لكن المستغرب والصادم أن يحمل الانقلاب طابعاً طائفياً وأن يلقى تأييداً من نخب ثقافية وسياسية طالما تشدقت بالديموقراطية». واعتبر حامد انخراط طلاب ومعلمين، وقيادات تربوية وثقافية في «الانقلاب الطائفي المسلح» الذي تقوده منذ الصيف الماضي ميليشيا الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، دليل على تخلف التعليم وعجزه عن تغيير الثقافة التقليدية. وقوض الانقلاب الاستقرار الهش الذي شهدته البلاد منذ توقيع المبادرة الخليجية نهاية 2011، كما تسبب في انهيار مؤسسات الدولة. وتتهم الأممالمتحدة والاحزاب اليمنية بالافتقار للصدقية الديموقراطية، ويستند أصحاب هذه الانتقادات الى السماح لجماعة الحوثيين المسلحة والمدعومة من ايران بالمشاركة في جولات الحوار السياسي المختلفة في الوقت الذي كانت الجماعة تمارس العنف وتسقط المدن وتهجر السكان. وخلال إسقاطها للمدن اليمنية الواحدة تلو الأخرى، فجرت الميليشيا الانقلابية عشرات المدارس واستخدمت مدارس اخرى ثكنات ومخازن للسلاح. وفي وقت يستمر القتال في عدن وتعز والضالع ما أدى الى شل الحياة ونزوح جزء كبير من السكان، أعلنت وزارة التربية والتعليم التي تسيطر عليها الميليشيا الانقلابية تأجيل اختبارات الثانوية العامة والاساسية الى منتصف آب المقبل مع اعطاء دروس تعويضية عن الفترة التي توقفت خلالها الدراسة من دون توضيح كيفية إجراء ذلك في ظل استمرار القتال ونزوح آلاف العائلات وبعضها لجأ الى دول مجاورة مثل جيبوتي. وينظر الى حصول الجماعات الدينية المتشددة مثل «القاعدة» والحوثيين (حركة أنصار الله) على حواضن اجتماعية على انه دليل على خواء وفساد التعليم. ولئن اعتبر تنيظما «القاعدة» و «الحوثيون» الأكثر تطرفاً في المذهبين السني والشيعي بيد أن هذا لا يعني أن استخدام العنف محصور بهما. ويرشح من تأييد نخب سياسية وثقافية للانقلاب المسلح مدى فشل مؤسسات التعليم في ترسيخ ثقافة التعايش الوطني ناهيك بقيم الديموقراطية وحقوق الانسان. وترجع طالبة الدراسات العليا في جامعة صنعاء منى شكري ضعف قيم التعايش في المجتمع اليمني الى فصام النظام الحاكم، وتقول: «على رغم أن النظام السياسي اليمني جمهوري ديموقراطي تعددي لكنه على صعيد الممارسة قبائلي شمولي وطائفي أيضاً». وكان الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الذي أجبر في 2011 على التنحي تحت ضغط انتفاضة شعبية، وظف خلال فترة حكمه الذي استمر 33 عاماً تناقضات المجتمع التقليدي للحفاظ على السلطة. ويتهم صالح بدعم جماعات سنية وشيعية متشددة، وخلال عقود مضت شكلت المدارس الدينية بشقيها السني والشيعي حاضنة تأهيل ايديولوجي وقتالي لمعظم العناصر التي تكون منها تنظيم «القاعدة» وحركة «انصار الله» (الحوثيون). جبل العاهات وبحسب منى شكري فإن الرئيس المخلوع لم يحز القوة الخارقة ليصنع كل هذا التشوه بل وجد في ضعف الاحزاب السياسية وفسادها بيئة ملائمة لبناء سلطة عائلية، مشيرة الى عوامل عدة شكلت وما زالت بؤراً محفزة على التخلف والعنف ما جعل الروافع الاجتماعية للتحديث في انحسار دائم. وما أنفك عمق المجتمع اليمني تقليدياً تحكم تفكيره وسلوكه الغيبيات. وإضافة الى الطابع القبائلي العشائري وانتشار حمل السلاح، تتسم المؤسسات الحديثة بالهشاشة وتتهم بالافتقار الى الثقافة المدنية القادرة على الصمود. وتتماهى مؤسسات التعليم العام الجامعي مع المجتمع في شكل سلبي. وتؤكد دراسات مختلفة تضافر المعلم والمنهج والسياسة التعليمية في تكريس ثقافة غيبية وولاءات تقليدية فيما الوقائع على الارض تؤشر الى استمرار تصدر الولاء للقبيلة والمذهب على بقية الولاءات. وما انفك النظام الابوي يلقي بظلاله على مختلف طبقات المجتمع. وعلى رغم انصرام نصف قرن على انتهاج اليمن النظام الديموقراطي التعددي، ما زالت المؤسسات الحزبية تربي منتسبيها على الولاء والطاعة العمياء للقائد والزعيم الفرد والعداء للآخر. ويصطدم الفرد الديموقراطي، على ندرته في اليمن، بجبل من العاهات الاجتماعية والسياسية والثقافية فيجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يهوي في مستنقع التشوه أو أن يواجه بالعزل والمضايقة.