على مدى عقود، ظلّت ثانوية الكويت في صنعاء توصف بأنها «مدرسة مشاغبين» بامتياز. المعلمون يتجنبون التعيين فيها، وبعض الآباء يخجلون أن يكون أبناؤهم من تلامذتها، لكن هذه الصورة السلبية للمدرسة تغيرت أخيراً، بعدما تمرّد طلابها الأسبوع الماضي، على سلطة الميليشيا الانقلابية، ورشقوا رئيس لجنتها الثورية محمد علي الحوثي بالحجارة، في حادثة اعتُبرت كسراً للقبضة الحديد التي يفرضها الحوثيون والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح على صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرتهم. وفي وقت صارت الصرخة الخمينية «الموت لأميركا... الموت لإسرائيل... اللعنة على اليهود... النصر للإسلام»، الشعار السائد الذي تفرضه الميليشيا الانقلابية على مختلف مناحي الحياة الرسمية والشعبية، هتف الجزء الأعظم من طلاب مدرسة الكويت بالنشيد الوطني و «بالروح بالدم نفديك يا يمن»، ثم أخذ بعضهم برشق الحوثي بالحجارة، وبينهم من صرخ «سوق عنس»، في إشارة الى سوق بيع القات الشهير وإشاعة مفادها أن الحوثي كان مجرد بائع قات. وكانت إدارة المدرسة أخرجت الطلاب من القاعات الى فناء المدرسة للاستماع الى كلمة للحوثي، الذي زار المدرسة فجأة، لكن الطلاب فاجأوه في المقابل، وفق بعض الروايات. وتظهر مقاطع فيديو تداولها ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع إخبارية إلكترونية، طلاب المدرسة وهم يقاطعون الرئيس التنفيذي للميليشيا بالصراخ والصفير ورشقه بالحجارة، فيما راح معلم يضربهم بالعصا محاولاً إسكاتهم. وسجلت مقاطع الفيديو على «يوتيوب» حوالى 50 ألف مشاهدة خلال يومين. وانتشرت على «فايسبوك» و «تويتر» وسوم مثل «طلاب_ مدرسة_ الكويت» و «أبطال_ مدرسة_ الكويت»، تعكس مدى الاهتمام بالحادثة وتشيد بفعل الطلاب الذي ذهب بعضهم الى وصفه ب «الثورة»، و «نسخة يمنية «من ثورة الحجارة. وتكمن أهمية الحادثة في كونها تأتي في وقت تمكّنت الميليشيا الانقلابية من قمع الصوت الآخر واجتثاث المعارضين لانقلابها، حتى كادت أن تمحو تماماً تاريخ الحركة الوطنية اليمنية على غرار ما فعلت الخمينية في إيران، وفق ما يقول المعلم الثانوي عدنان عبدالحميد، مشيراً الى أوجه شبه بين حركة أنصار الله (الحوثيون) والخمينية، ومنها إضافة شعار الصرخة، وضربهما التعدد الثقافي والمذهبي، ما تسبّب بتمزيق النسيج الاجتماعي. وانطوى تمرّد طلاب مدرسة الكويت على إدانة عفوية لسلوك التخاذل والخنوع الذي يسود الأوساط التعليمية والثقافية والنخبة السياسية، خصوصاً تلك الأحزاب التي أيدت الانقلاب المسلّح على الديموقراطية ونتائج مؤتمر الحوار الوطني. وتلفت الناشطة ليلى عبده، الى «لوثة فكرية وسياسية» بدأت تتجلى بوضوح مع انقلاب 21 أيلول (سبتمبر) 2014. وتقول أن حزب المؤتمر الشعبي العام (الحاكم سابقاً) ليس وحده من استخدم جماعة مسلّحة مثل الحوثيين غطاءً للانقلاب على السلطة الشرعية وممارسة العنف، بل ثمة قوى أخرى شاركته صراحة أو إضماراً. وتستغرب ليلى من أن يتحوّل قادة تربويون وحزبيون ومثقفون الى «سماسرة» يروّجون ويبرّرون للميليشيا الانقلابية. وتفرض الميليشيا الانقلابية أيديولوجية قائمة على الولاء والطاعة للإمام، ويُقصد به زعيم الحركة عبدالملك الحوثي، الذي يعتقد أنه كان يخطط لشغل منصب المرشد مقابل شغل نجل الرئيس السابق علي عبدالله صالح منصب رئاسة الجمهورية، بيد أن عدم الاعتراف الدولي بالانقلاب وتشكُّل تحالف عربي بقيادة السعودية داعم للشرعية، أحبطا مساعي صالح وحركة أنصار الله المدعومة من إيران. وتقول ليلى عبده أنها لا تدافع عن شخص الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي، «لأنه جزء من ترسانة النظام القديم، بل أدافع عن فكرة الدولة وقواعد الديموقراطية باعتبارها مدماك العقد الاجتماعي». وعلى رغم تواضع تصرُّف طلاب ثانوية الكويت وعفويته، إلا أنه ترك ارتياحاً كبيراً بين أوساط الرافضين للانقلاب. وبدا أنه يحيي دور الحركة الطالبية اليمنية التي شكلت بؤرة حركات التغيير، ويذكّر آباء بعض طلاب مدرسة الكويت بأن أبناءهم عادوا بمعنويات مرتفعة واعتزاز بالنفس. ويقول يحيى، وهو موظف حكومي، أن نجله الطالب في الصف الأول الثانوي، عاد مبتهجاً وكأنه أسقط فعلاً سلطة الميليشيا، موضحاً أن أهمية فعل طلاب ثانوية الكويت تكمن في أنها لقّنت الميليشيا درساً مفاده أنها غير شرعية ومرفوضة حتى من صغار السن. وتنشر الميليشيا شعارها المعروف بالصرخة، في المؤسسات الحكومية والمدارس والحدائق، وينظر الى تمرّد طلاب الثانوية وترديدهم النشيد الجمهوري بدلاً من الصرخة إسقاطاً للشعارات التي يحاول الحوثيون فرضها على الطلاب والمعسكرات. وتحمل المدرسة اسم دولة الكويت، وتعدّ أحد مئات المشاريع التعليمية والطبية التي موّلتها دولة الكويت، ومنها جامعة صنعاء. وعلى مدى 6 عقود، ظلّت حكومة الكويت أبرز الداعمين لليمن، لكنها أوقفت دعمها هذا مطلع تسعينات القرن العشرين، على خلفية تأييد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح الغزو العراقي للكويت.