لا أحبذ إطلاقاً عقد مقارنات بين نقيضين، لكني وجدت هذه المقارنة فرضت نفسها علي في لحظة دهشة من جماعة تُحرم كل شيء، ثم في لحظة تُبيح كل شيء حين تستحكمها المصلحة. هل هو فقه جديد يعتمد تقديم جلب المصالح على درء المفاسد؟ كيف يريدون المرأة حبيسة البيت ثم حين تفرغ جيوبها وخلاياهم النائمة، يطلقونها خارجه كما يطلقون الكلاب من أقفاصها، أعتذر عن التشبيه الذي لم أجد ألطف منه. ففي الوقت الذي تنتفض فيه تلك الجماعة القاعدة في اليمن على اعتقال «هيلة القصير»، ينتفض العالم على اعتقال سفينة «ريتشل كوري» بعد مجزرة سفينة «الحرية». سميت السفينة باسم فتاة أميركية ناشطة في حقل السلام تخليداً لذكراها الطيبة من طيب أعمالها. «ريتشل» ليست مسلمة لكنها مسالمة ترفض قتل الأبرياء وهدم منازلهم، تركت رفاهية الحياة الأميركية لتذهب لفلسطين دفاعاً عن منازل الفلسطينيين من الهدم بجرافات إسرائيلية الملكية أميركية الصنع. وكان قدر ريتشل أن تقتل عام 2003 تحت جرافة إسرائيلية دفاعاً عن أحد المنازل الفلسطينية في قطاع غزة. هذا عن «ريتشل»، أما عن «هيلة القصير»، المسلمة التي لم يغادر الإسلام حنجرتها الخاضعة للتحريض على الكراهية، وجمع الأموال تحت أكذوبة تبرعات خيرية لمساجد وآبار باليمن، لتحولها لرصاص وقنابل تقتل حياة سعوديين مسلمين، ترى هيلة ومن وراءها أن البدلة العسكرية تجردهم من الإسلام. إنها سخرت ما أتاها الله من علم قليل بكتاب كريم لتجرد المسلمين من سلامهم وإسلامهم، فلن ينضم للقاعدة إلا كاره للسلطة والحكومة. والكره يأتي بعد التكفير لأنهم ما زالوا يحفظون قول نبي الأمة عليه الصلاة والسلام: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». سمعت يوماً امرأة تقول «الليبراليون والعلمانيون كلهم كفرة»، فلما سألتها كيف؟ قالت: «أخي يقول ذلك»، هذا الأخ كما عرفت منها لا يملك من العلم الشرعي ما يخوله إصدار الحكم بالتكفير، وتسليمها بكلامه لأنه ملتحٍ ولا يسبل ثوبه. في وقت صدمة المجتمع السعودي والمسلم ب «هيلة»، جاءت «سنان وسندس وهيا ومنى ونجوى» لتزيل عنا آثار هذه الصدمة، فهن نساء كويتيات لم يعرفن فقه جلب المصالح «القاعدي»، بل ذهبن لدرء مفسدة الحصار على غزة بمساعدات إنسانية في سفينة الحرية بمشاركة جنسيات عالمية، إيماناً منهن بعالمية الدين الإسلامي. على رغم سعادتي حين قرأت عن «هيلة القصير» بقدرة المرأة السعودية على الإصرار والتحدي ومجابهة الصعاب والوصول للصفوف الأولى في جماعة منظمة، إلا أن هذه السعادة خطفها حزني على أبناء فقدتهم أمهاتهم وأهاليهم برصاص وتفجيرات هذه الفئة. بصيص من الأمل عاد لسعادتي حين قرأت أن هيلة استجابت للجنة المناصحة وشَعرتْ بندمها، إن كان الأمر حقاً وليس مداهنة للخروج، كما فعل الهاربون لليمن، فإني أتمنى على هيلة ومثيلاتها ممن لم يُكتشفن بعد، أن تسخر طاقتها هذه في الخير كما سخرتها للشر. والمساحة مفتوحة أمامها في مجتمع مدينتي بريدة والقصيم كله بل في السعودية كلها، فتأثير هيلة، كما أُعلن في الصحف، وصل للجنوب حين أقنعت «وفاء الشهري» - المرأة الأولى في الظهور علناً من نساء القاعدة - بالهروب لليمن. باب التوبة لله لا يُغلق أبداً، لكن تحجبه العزة بالإثم، نسأل الله الهداية لضال المسلمين. * كاتبة سعودية.