بدأت ظاهرة الإسلام السياسي مع مولد جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر عام 1928، فمن رحم تلك الجماعة توالدت جماعات شتى متحوّلة عبر أطوارها المتعددة يميناً ويساراً. فهل سقطت أسطورة الإسلام السياسي عقب سقوط الجماعة الأم (الإخوان) في مصر وبعد مؤشرات عدة إلى سقوط «داعش» والحركة الحوثية في اليمن؟ هناك عوامل عدة ساهمت في سقوط الإخوان عام 2013، وستساهم في سقوط أسطورة الإسلام السياسي في مصر والمنطقة العربية: أولها، أنه للمرة الأولى خضعت المقولات الأيديولوجية الخاصة بالإسلاميين للحوار العام عبر وسائل الإعلام، وتمَّ خلع رداء القداسة عن تلك الأفكار والتنظيمات، وأهمها قضايا الاحتكام إلى الشريعة أو مبادئها أو أحكامها، بما فى ذلك مسألة تطبيق الحدود. وظهرت إلى العلن الحقائق سواء على صعيد الأيديولوجيا أو الحركة، وتأكد للشعوب العربية والإسلامية أن تجربة حكم الإخوان في تونس ومصر، وتجربتهم الطويلة في السودان وأفغانستان، وتجربة تنظيمي «القاعدة» و «داعش»، ألحقت الضرر بتلك البلدان وبالإسلام أكثر ممّا أضرّت به أعتى العلمانيات وأشدها عداءً للدين. وكأن الحكمة الإلهية شاءت أن يصل الإسلاميون إلى السلطة ليدرك الناس بشرية أفكارهم وبرامجهم وسلوكياتهم، بعد أن ظنّوا لعقود طويلة أنهم أقرب إلى الأولياء الصالحين. فقد شكّل الإخوان المسلمون بمختلف تنظيماتهم وتجاربهم وجماعاتهم، طيلة العقود التسعة الماضية، حاجزاً عرقل تطوّر الفكر الإسلامي في الاتجاه الصحيح، وستكون من نتائج سقوط تلك التنظيمات المدوّي استعادة عامّة المسلمين للإسلام ديناً خالصاً وعقيدة روحية صافية، بعد أن قامت تلك التنظيمات باختطافه وتشويه معانيه وتحريف وظائفه. ثانيها، انكشاف العلاقات الإخوانية الأميركية ودور الإخوان في المشروع الأميركي للشرق الأوسط الكبير وتقسيم مصر والدول العربية. فالعلاقات بين أميركا والتنظيم الإخواني قديمة، قِدَم التنظيم نفسه، منذ بدأت على يد سعيد رمضان، زوج ابنة حسن البنا وعميل الاستخبارات الأميركية والبريطانية والسويسرية. كما أن الاجتماعات التي تمت بين الإخوان وواشنطن منذ عام 2005، بوساطة مدير «مركز ابن خلدون» في القاهرة سعد الدين إبراهيم، كانت لوضع اللمسات الأخيرة وأخذ الضمانات للبدء في تنفيذ خطة استيلاء الإخوان على الحكم في الشرق الأوسط. كما انكشف للرأي العام تحالف الإخوان مع ما يُسمى ب «الطابور الخامس»، الذي يقود «مؤامرة لتخريب مصر والمنطقة العربية». وانكشف دور دول عدة، منها الولاياتالمتحدة الأميركية وقطر وتركيا وبعض الدول الأوروبية حالياً، كحلقة وصل بين هؤلاء وقيادات التنظيم الدولي للإخوان لتنفيذ ما تمَّ الاتفاق عليه في اجتماعات اسطنبول ولندن وعمَّان ولاهور. وهؤلاء حصلوا على تمويل كبير من الإخوان لنشر حالة الفوضى والإرهاب في البلاد والعمل على تقويض أركان الدولة وتخريبها في صورة سرية من الداخل بكل الوسائل، لمصلحة ليس فقط الإخوان وإنما من يموّلهم للانقضاض على الحكم وحيازة السلطة إلى الأبد. ثالثها، انكشاف الإخوان وجماعات الإسلام السياسي الأخرى كجماعات إرهابية. فهذه التنظيمات التي تمتلك ذراعاً مسلحة، تعتبر أن الدولة العربية ومؤسساتها، بخاصة الجيش والشرطة، كافرة، ولم تتبرأ يوماً من جرائمها الإرهابية منذ الأربعينات وحتى الآن. كما أنها لم تدن يوماً العمليات الإرهابية لتنظيم الجهاد أو الجماعة الإسلامية أو «القاعدة» أو «داعش»، وكانت تعتبر أسامة بن لادن أحد الأبطال المجاهدين. وتم كشف حقيقة العلاقة ثلاثية الأطراف بين تنظيم القاعدة والتنظيمات التكفيرية والإرهابية في سيناء وليبيا والعراق وسورية والدول الخليجية وجماعة الإخوان. رابعها، ما جرى في مصر وتونس وليبيا من أحداث وتطورات، كشف عجز الإخوان عن انتهاج سياسة جامعة وطنية وتوافقية، فانقلبت قيادة الإخوان على سائر الأطراف السياسية التي تعاهدت معها على بناء نظام تعددي، واستقوت بالدعم الأميركي والقطري والتركي لتقيم ديكتاتورية جديدة ضد الجميع وضد كل الأطياف عدا جماعتهم وعشيرتهم، ومارست كل سياسات الإقصاء للمعارضين وسحل المتظاهرين واغتيال رموز الحركة الثورية وإرهاب الرافضين سياسات الإخوان على أوسع نطاق. كما فشل الإخوان في إدارة الأزمة السياسية، وتبنوا سياسة شيطنة المعارضين وعدم الاعتراف بمطالبهم، فانكشفوا أمام الشعب العربي عندما فشلت تجربتهم في تحقيق طموحاته بسبب غبائهم السياسي وجهلهم بطبيعته، فانطلقوا بخطوات هستيرية لأخونة الدولة والسيطرة على مفاصلها، وإقصاء كل من ليس منهم. كان هذا الغباء هو المنقذ لمصر وتونس والشعوب العربية الأخرى التي اكتشفت الخدعة الكبرى، وهي أن هؤلاء لا يمتّون بصلة الى الدين أو السياسة. وخامسها، أدت ممارسات التنظيمات الإسلامية على تنوّعها إلى حالة كراهية غير مسبوقة للإسلاميين عموماً وللإخوان بخاصة في أوساط الشعوب العربية، بسبب ممارساتهم العنيفة التي رسَّخت لدى المواطن انهيار الانطباعات بالصدق والكفاءة النسبية والنزاهة التي بنوها عن أنفسهم بعد وجودهم في السلطة وتكريسهم لها لخدمة تمكين التنظيم. كما رسخت ممارساتهم فكرة إرهاب الجماعة التي تحالفت مع العديد من التنظيمات الإرهابية في الداخل والخارج وممارستهم العنف والإرهاب، ما يجعل الأجواء السياسية والرأي العام حالياً مناهضين لوجود هذه الجماعات. وهذا ما دفع ملايين المصريين إلى الخروج في 30 حزيران (يونيو) 2013، ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين. وهو ما تكرر في تونس من خلال صناديق الانتخابات، وما يتكرر اليوم في ليبيا واليمن وسورية. وأدت هذه التطورت إلى مزيد من الانشقاقات والتشرذم في صفوف هذه الجماعات الإرهابية والتكفيرية. فضلاً عن حالة الكراهية والسخرية متعددة الصور التي تتعرض لها هذه الجماعات من المواطنين، في وسائل الإعلام والتجمّعات العامة. وفي ظل هذا الوضع، فإن شعبية الإخوان والتيارات الإسلامية عموماً، مرشحة لمزيد من التآكل أسرع مما توقع كثر. * كاتب مصري