اللقاء الرابع بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والكوبي راوول كاسترو، حدث في مكان لم يتوقّعه الرجلان. ففي قصر الثورة في هافانا حيث شكّل الزعيم الكوبي فيدل كاسترو رأس حربة ضد «إمبريالية» الولاياتالمتحدة، انحنى الرئيس الأميركي أمام «كاسترو الصغير» واجتمعا بعدما فاجآ العالم أواخر العام 2014، باتفاق تاريخي لتطبيع العلاقات بين خصمَي الحرب الباردة. وقبل أشهر من تنحّيه، بعد ولايتين رئاسيتين، يسعى أوباما إلى ترسيخ مسار تصالحي مع الجزيرة المتمردة، لكنه يواجه توجّساً لدى الجمهوريين وجزء من الجالية الكوبية النافذة في الولاياتالمتحدة. ويأمل الرئيس الأميركي بإقناع نظيره الكوبي بتعزيز إصلاحات سياسية واقتصادية، وتحرير السجناء السياسيين. لكن الأخير يتطلّع إلى رفع كامل للحصار الذي تفرضه الولاياتالمتحدة على كوبا منذ عام 1962، واستعادة قاعدة غوانتانامو التي تحتلها واشنطن منذ عام 1903. وقف أوباما وكاسترو فيما عزفت فرقة عسكرية كوبية النشيدين الوطنيّين الكوبي والأميركي. ثم تصافحا بحرارة، واستعرضا حرس الشرف قبل إجرائهما محادثات تطرّقت إلى ملفات شائكة. لكن كاسترو لم يستقبل أوباما في المطار الأحد، كما خلا الاستقبال من استعراض حرس الشرف الا أن الجانبين استعرضاً ثلة من الحرس في قصر الرئاسة. وبدا أن البيت الأبيض فشل في نيل موافقة الرئيس الكوبي على عقد مؤتمر صحافي مشترك مع أوباما الذي بات أول رئيس أميركي يزور الجزيرة خلال عهده، منذ 88 سنة. وبدأ أوباما يومه أمس بوضع إكليل من زهور على نصب خوسيه مارتي، بطل استقلال كوبا، في ساحة الثورة. ووصف الأمر بأنه «لحظة تاريخية»، وكتب في سجل الزوار: «إنه لشرف عظيم أن أكرّم خوسيه مارتي الذي ضحّى بحياته من أجل استقلال وطنه. إن شغفه بالتحرّر، والحرية، وتقرير المصير يحيا لدى الشعب الكوبي اليوم». وكان أوباما قال بعد وصوله إلى هافانا: «إنها زيارة تاريخية ومناسبة تاريخية». وسأل على موقع «تويتر»: «كيف الحال يا كوبا؟»، وأمام قصر الرئاسة في ساحة الثورة، وقف أوباما لالتقاط صورة أمام جدارية عملاقة لأسطورة الثورة الكوبية إرنستو «تشي» غيفارا. وصرخ كوبي «يسقط الحصار» خلال جولة أوباما في هافانا القديمة، وعلّق الأخير رافعاً يده اليمنى. وقبل ساعات من وصول أوباما، فضّت الشرطة الكوبية مسيرة لحركة «سيدات بالأبيض» المعارضة، واحتجزت عشرات منهنّ، ثم أطلقت غالبيتهنّ. وقد يعكس ذلك إصرار كاسترو على ألا تمسّ الإصلاحات التي ينفذها النظامَ الشيوعي في الجزيرة ولا قيوداً صارمة على التجمّع وحرية التعبير وحرية الإعلام. موقف الرئيس الكوبي يشدّد ضغوطاً على أوباما في الولاياتالمتحدة، خصوصاً أن الكونغرس يرفض رفع الحصار عن الجزيرة. ودفع ذلك الرئيس الأميركي، الذي اصطحب معه إلى هافانا مسؤولين منتخبين من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، إلى استخدام سلطاته التنفيذية في تخفيف قيود على التجارة والسفر إلى الجزيرة. لكن السيناتور تيد كروز، وهو من أصل كوبي ويسعى إلى الفوز بترشيح الحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية، اعتبر أن «الحرية يمكنها أن تتحقّق في كوبا، ولكن ليس من خلال إثراء الديكتاتورية وتمكينها». وأعلن أوباما قبل لقائه كاسترو، أن شركة «غوغل» أبرمت اتفاقاً لتوسيع خدمة ال «واي فاي» والإنترنت ذات النطاق العريض في كوبا التي تبعد 90 ميلاً من ولاية فلوريدا. كما أعلن وزير الزراعة الأميركي توم فيلساك أن الولاياتالمتحدةوكوبا ستتبادلان بحوثاً وأفكاراً في قطاع الزراعة. وقال أوباما لشبكة «آي بي سي» الأميركية: «كنا نعتزم دوماً إحداث دينامية، مع إدراكنا أن التغيير لا يحصل بين ليلة وضحاها. وإنْ بقيت خلافاتنا العميقة حول حقوق الإنسان والحريات الفردية في كوبا، اعتبرنا دوماً أن المجيء إلى هنا سيكون أفضل وسيلة للتشجيع على مزيد من التغيير، خصوصاً أن الشعب الكوبي رحّب بذلك مع شعبية هائلة».