كشف مسؤول يمني رفيع أن التقديرات الأولية لمشروع إعادة إعمار اليمن تتجاوز 100 بليون دولار، مبيناً أن هذا المبلغ من شأنه فقط أن يعيد وضع المواطن اليمني لمرحلة ما قبل اندلاع الحرب في أواخر العام 2014. وكشف وزير التخطيط والتعاون الدولي الدكتور محمد عبد الواحد الميتمي في حوار مع «الحياة» عن ترتيبات لإنشاء هيئة مستقلة مالياً وإدارياً (جهاز الإعمار)، ستقود عملية الإعمار تحت الاستراتيجية الشاملة التي تضعها الحكومة، وتكون بمثابة القاطرة التي تجر عربات القطار إلى محطته النهائية. الوزير الميتمي شدد على أن مشروع إعادة الإعمار سيكون شفافاً ونزيهاً بعيداً عن الفساد، مشيراً إلى أن هذا الأمر سيكون محط انتباه خاص في مشروع بناء الدولة الجديدة، ووضعت مسألة الحكم الرشيد في قلب مشروع الدولة الاتحادية الفيدرالية الجديدة، ما يجعل المساءلة والشفافية أمرين مركزيين في قضية إعادة الإعمار والتنمية في اليمن. وقال وزير التخطيط والتعاون الدولي إن دعوته إلى انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي تأتي من المنظور الاستراتيجي وليست عاطفية، لكنه اعترف أن الأمر يحتاج إلى تأهيل لهذا البلد الجريح الذي طحنته الصراعات والحروب خلال الفترة الماضية على حد تعبيره. وأكد الدكتور محمد الميتمي أن نحو 6 ملايين يمني انزلقوا لبراثن الفقر خلال أقل من ثمانية أشهر فقط بسبب الحرب، وأن عدد الفقراء في اليمن ارتفع في غضون عام إلى 22 مليون إنسان، فإلى الحوار: بدأتم التحضير لمؤتمر إعادة إعمار اليمن تنفيذاً لقرار المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في ديسمبر الماضي، أين وصلتم؟ - موضوع إعادة الإعمار كما يقولون السهل الممتنع، أو البسيط المعقد، الحكومة اليمنية منذ فترة مبكرة وهي تعد لمشروع إعادة الإعمار والتعافي الوطني الشامل، وبالتالي تحت هذه اليافطة الكبيرة الفهم والمقاربة لموضوع الإعمار يتجاوز ما يفهمه الناس عادة من أن إعادة الإعمار تعني إعادة بناء المدارس والجسور والمستشفيات والمباني والهياكل المادية كافة التي دمرت أثناء الحرب، الإعمار بعد الحرب يعني السلام بمعناه الشامل، وهو إعادة تطبيب النسيج الاجتماعي الذي هتكته الحرب البغيضة، وإعادة بناء المؤسسات، وهذا عمل يمتد لعقود طويلة من الزمن، ومن هذا المنظور كانت الحكومة شرعت في إعداد مشروع وثيقة إعادة الإعمار والتنمية، وشكلت لجنة عليا لها من مجموعة من الوزراء برئاسة وزير التخطيط والتعاون الدولي، وأعدت هذه الوثيقة وعرضتها على شركائها في دول الخليج والشركاء الإقليميين والدوليين، وهي الآن في إطار اللمسات النهائية لتصبح دليلاً منهجياً لإعادة الإعمار والتنمية في اليمن. ما أبرز ملامح هذه الوثيقة؟ - الوثيقة التي ستكون بوصلة مشروع الإعمار في اليمن تضع هذه المهمة طويلة الأجل وتوزعها على ثلاث مراحل، مرحلة قصيرة ويطلق عليها الاستجابة العاجلة أو الطارئة، والمرحلة الثانية متوسطة الأجل ويطلق عليها مرحلة التحول، أما المرحلة الثالثة فهي النمو المستدام والمقصود بها الاستقرار والسلام الدائم في اليمن والتنمية الشاملة، وجعل ثقافة وقواعد بناء الدولة الجديدة مسألة راسخة في المجتمع، بعيداً عن الارتداد للوراء بصورة نهائية، بالنسبة للمرحلة العاجلة وقصيرة الأجل التي بدأ العمل بها الآن هي سرعة تأمين المتطلبات الأساسية للمواطنين اليمنيين في أي مكان تستطيع الحكومة الشرعية الوصول إليه، وتتمثل في برامج الإغاثة الإنسانية العاجلة لملايين من اليمنيين الذين حرمتهم الحرب أبسط متطلبات الحياة، ووضعتهم في حال من المأساة والدراما الإنسانية التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ اليمن على امتداد 7 آلاف سنة، نحن أمام ملايين اليمنيين الذين يفتقرون الغذاء والأمن الغذائي، وكذلك تأمين أبسط الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والطاقة والصرف الصحي وغيرها، في هذه المرحلة بدأت الحكومة بالشراكة مع الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي والأصدقاء على المستوى العالمي، ونؤكد هنا أن مركز الملك سلمان والهلال الأحمر الإماراتي يعتبران رأسي حربة في هذه المهمة العاجلة وقصيرة الأجل. النقطة الثانية هي الأسس والمرجعيات التي ينطلق إليها مشروع إعادة الإعمار والتعافي الوطني الشامل، وهذا المشروع يتحقق عندما تبدأ مهمة السلام، وهناك مبادئ ومرجعيات أساسية في هذه المرحلة لكي يصبح مشروع إعادة الإعمار مشروعاً للتنمية الشاملة، ومن أهم هذه المبادئ الملكية الوطنية لإعادة الإعمار والتعافي الوطني تحت المسمى التي تعمل فيه لجنة الإعمار والتنمية في اليمن، بمعنى اليمنيون ينبغي أن تكون لديهم رؤية وطنية واضحة وهم من دون غيرهم يسهمون في إعادة إعمار وطنهم على مستوى شامل، المبدأ الثاني هو المشاركة المجتمعية الشاملة، فأحد أسباب الصراعات والحروب في اليمن هو الإقصاء والتهميش، فكل جماعة تستأثر بمصادر القوة تلغي الجماعات الأخرى في المجتمع ويخيل لها أنها تسلمت زمام الصيرورة التاريخية إلى ما لا نهاية، وهذا يدخل المجتمع في أزمات وصراعات متلاحقة، ومشروع إدارة الإعمار ينطلق من مبدأ مهم وهو إشراك جميع اليمنيين على مختلف تياراتهم وانتماءاتهم الثقافية والسياسية فيه، المبدأ الثالث هو الشراكة على المستوى المحلي بين الحكومة والقطاع لخاص والمجتمع المدني، وكذلك الشراكة الكاملة مع الشركاء الإقليميين والمجتمع الدولي، والعدالة في توزيع الثروة والسلطة، والشفافية والنزاهة، ونحن في اليمن لدينا تميز عن البلدان التي خاضت صراعات مشابهة بوجود خريطة طريق واضحة إلى حد كبير تتمثل في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي أسس لمشروع الدولة اليمنية الاتحادية الفيديرالية الجديدة، التي شارك في صياغتها جميع الأطياف السياسية، وهي مهمة جداً للغاية وستكون مرجعية أساسية في إعادة الإعمار في اليمن. ماذا عن تقديرات كلفة إعادة الإعمار في اليمن بحسب المعلومات المتوافرة لديكم والمسوحات التي قمتم وتقومون بها؟ - لا يمكن لمشروع إعادة الإعمار أن يتم من دون وضع تقديرات لكلفة الإعمار، والحقيقة أن الكلفة لإعادة الإعمار المباشرة وغير المباشرة مهمة ليست سهلة، الحكومة اليمنية بدأت مع شركاء إقليميين ودوليين في تقدير الأضرار المادية المباشرة، إذ بدأت منذ آذار (مارس) الماضي بالشراكة مع البنك الدولي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والبنك الإسلامي مشروعاً لتقييم الأضرار وتكاليف الإعمار والتنمية، من خلال استخدام وسائل وتقنيات حديثة مثل الأقمار الاصطناعية، والتصوير الجوي، وهذا المشروع في بداياته، ومستمر لأنه مشروع ديناميكي متواصل، وبالتالي من الصعب تحديد رقم في الوقت الراهن لأن الحرب ما زالت رحاها تدور، ولكن أستطيع القول إن الكلفة مهولة جداً وتقدر بعشرات البلايين من الدولارات، هذا إذا أخذنا في الاعتبار فقط تكاليف البنية الأساسية التي دمرتها هذه الحرب، من جسور وطرق ومباني ومستشفيات ومدارس وغيرها، لكن لا ننسى أن التكاليف غير المباشرة المتمثلة في إعادة البناء المؤسسي للمجتمع وتطبيب النسيج الاجتماعي لها تكاليف باهظة وغير منظورة حتى الآن، وسيتم تقديرها في وقتها عندما يحين موعد مؤتمر المانحين الذي سبق وأن أعلن قادة الخليج الدعوة إليه. لكنكم أشرتم في تصريحات سابقة لأرقام تقديرات لإعادة الإعمار، هل ما صرحتم به هي أرقام مبدئية؟ - في الواقع أطلقت رقمين واحد قبل حوالى ثمانية أشهر، ومنذ شهر أطلقت تقديرات أخرى عن حاجة اليمن من الموارد المالية في حدود 100 بليون دولار، وذلك في إطار الضرر الكبير الذي أصاب الاقتصاد والمجتمع اليمني، وللتوضيح وهل تطلق الأرقام جزافاً، حينما ذكرت هذا الرقم كان مبنياً على مجموعة من المعادلات الاقتصادية، من ضمنها أنه قبل اندلاع الحرب الأخيرة في أيلول (سبتمبر) 2014 كان عدد اليمنيين تحت خط الفقر في حدود 54 في المئة من إجمالي السكان، وفي غضون أقل من عام وبسبب الحرب ارتفع عدد الفقراء إلى 22 مليون إنسان، بمعنى آخر 6 مليون يمني انزلقوا لبراثن الفقر خلال ثمانية أشهر فقط، ومن أجل أن نعيد هؤلاء إلى ما قبل العام 2014 نحتاج إلى نحو 50 بليون دولار لتأمين نمو اقتصادي لا يقل عن 7 في المئة، ونحتاج إلى معامل استثمار لا يقل عن 35 في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي الراهن في اليمن، وهو الأمر الذي يقودنا إلى استخلاص أن استعادة هذه الشريحة فقط ستكلف الاقتصاد حوالى 50 بليون دولار، أما إذا أخذنا في الاعتبار ترميم وإصلاح البنية الأساسية فإن الرقم سيتضاعف، وفي جميع الأحوال الرقم الأقرب للدقة ستحدده المسوحات وبرامج تقييم الأضرار، الذي تعمل عليه الحكومة حالياً. مثل هذه المشاريع عادة ما يصاحبها مخاوف من عمليات فساد وسوء إدارة، كيف يمكنكم طمأنة المانحين وحتى الشعب اليمني بأن يكون مشروع إعادة الإعمار شفافاً ونزيهاً؟ - هذه نقطة مهمة جداً، أولاً الشفافية والنزاهة أحد المبادئ الرئيسة في وثيقة إعادة الإعمار والتنمية، ولا يقتصر الأمر على ذلك، ففي إطار العمل والإعداد والتحضير لإعادة الإعمار الشامل، يجري العمل على تكوين هيئة مستقلة تماماً مالياً وإدارياً للقيام بمهمة الإعمار، وحتى الآن لا توجد تسمية دقيقة، ولكن قد يكون (جهاز الإعمار)، مثل جهاز الإعمار في لبنان على سبيل المثال، وهذه الهيئة هي من ستقود عملية الإعمار تحت الاستراتيجية الشاملة التي تضعها الحكومة، وسيكون هذا الجهاز بمثابة القاطرة التي تجر عربات القطار إلى محطته النهائية، نحن نعرف أن الحكومات متغيرة لأسباب عدة، مثل الانتخابات وغيرها، لكن موضوع الإعمار لا بد أن يظل ثابتاً، ومن هنا جاء التأكيد والتركيز على إنشاء هذه الهيئة، أما الفساد الذي أصاب المؤسسات اليمنية في الماضي فكان نتيجة لغياب إرادة سياسية للاستقرار والتنمية، وهذا الأمر سيكون محط انتباه خاص في مشروع بناء الدولة الجديدة، ونعلم جيداً أن وثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل وضعت مسألة الحكم الرشيد في قلب مشروع الدولة الاتحادية الفيدرالية الجديدة، ما يجعل المساءلة والشفافية أمرين مركزيين في قضية إعادة الإعمار والتنمية في اليمن. طالبتم أخيراً بضم فوري لليمن في منظومة دول الخليج، هل تعتقدون أن اليمن جاهزة للانضمام بشكل فوري في الوقت الراهن؟ - أعتقد أن هذا السؤال ذو طابع استراتيجي، ومن المهم أن يجري الحديث بشأنه بقدر من التفصيل، وننطلق من النقطة المركزية الراهنة، هذه الحرب التي وقعت في اليمن كانت وراءها قوى إقليمية وتحديداً إيران، فهي (إيران) تريد أن تضع لها موطئ قدم للإضرار باستقرار وأمن وسلامة المنطقة من خلال جعل اليمن محطة لمشاريعها الإقليمية، وبالتالي فالمنظور الاستراتيجي للدعوة إلى ضم اليمن لمجلس التعاون ليست عاطفية بحتة، بل في إطار المصير الاستراتيجي المشترك لأمن ومنطقة الجزيرة والخليج العربي، وما «عاصفة الحزم والأمل» التي انطلقت في آذار (مارس) العام الماضي إلا تعبير رمزي مكثف لهذه الاستراتيجية والمصير المشترك، وللمعلومية بعد الحرب العالمية الثانية التي كلفت أوروبا ملايين الضحايا والدمار الشامل، قامت الولاياتالمتحدة الأميركية وهي على بعد آلاف الأميال من أوروبا ويفصل بينهما محيط عملاق، قامت بوضع استراتيجية ومشروع مارشال في حينه يهدف للحيلولة دون وقوع أوروبا في مخالب الشيوعية، فضخت أكثر من 17 مليون طن من الأغذية مدة عام كامل، وحوالى 5 في المئة من ناتجها القومي على مدار خمس سنوات، لإعادة إعمار أوروبا وتحققت النتيجة بأن حالت هذه المشاريع دون وقوع أوروبا الغربية وجزء من أوروبا الوسطى بيد الشيوعية، المنطقة تقوم على منطق مختلف، فهناك تلاحم جغرافي وثقافي، وروابط دينية وتاريخية مشتركة، الرابط الجغرافي مهم جداً، لأن أي إضرار بأمن قومي لأي بلد يمثل تهديداً مباشراً لدول الإقليم والمنطقة مجتمعة، ومن هذا المنطق يأتي المفهوم الاستراتيجي للدعوة إلى ضم اليمن لعضوية مجلس التعاون، وهي مصلحة مشتركة لجميع دول الخليج والجزيرة العربية، طبعاً هناك أسس وآليات، فالدعوة إلى الانضمام لا تعني العضوية الكاملة، لا بد من تأهيل هذا البلد الجريح الذي طحنته الصراعات والحروب خلال الفترة الماضية، لكي يصبح بمؤسساته القانونية والتشريعية ومختلف الأنساق عضواً كاملاً وفاعلاً في مجلس التعاون الخليجي، ولكن المبدأ يقوم على هذه الرؤية الاستراتيجية لدول المنطقة بما فيها اليمن. كيف تنظرون للدور السعودي والخليجي خلال فترة ما بعد الحرب؟ - أولاً دعني أستغل الفرصة لأشكر أشقاءنا في الخليج، وفي مقدمهم السعودية التي أطلقت وقادت هذا التحالف الذي لولاه لغرقت اليمن في فوضى مطلقة، وربما خرجت عن الصيرورة التاريخية لدهر من الزمن، وقد تكبدت دول التحالف وفي مقدمهم دول الخليج خسائر بشرية ومادية، وسكبت الدماء الطاهرة الذكية للجنود الأبطال من دول الخليج على الأراضي اليمنية، هذه تمثل رمزية عالية للتلاحم الاستراتيجي بين دول المنطقة وموقفها من القضية اليمنية، ولهذا أؤكد أن الدور السعودي والخليجي سيكون دوراً جوهرياً ورئيساً في إعادة الاستقرار والتنمية في اليمن في المراحل المقبلة، ولا ننسى اليوم أن السعودية هي الدولة الأكبر التي تستضيف أكبر عدد من اليمنيين على أراضيها فنحو 3 ملايين مغترب هم من يمد أسس الحياة لعائلاتهم في اليمن، نحن نتحدث عن 6 ملايين يمني تنتظم حياتهم الاجتماعية والاقتصادية بفعل هؤلاء المغتربين في المملكة، وبالتالي على المستوى قصير الأجل وطويل الأجل دور أشقائنا في المملكة في تأمين الاستقرار والنمو الاقتصادي هو مركزي ورئيس، وهناك مصلحة مشتركة لأشقائنا في المملكة، قبل الأحداث كان التبادل التجاري بين البلدين هو الأعلى، أكثر من 60 في المئة من المبادلات التجارية لليمن مع السعودية لمصلحة المملكة، والأمن القومي السعودي ومثله لدول الخليج والجزيرة العربية من دون أن يكون جاره اليمن بلداًً مستقراً وآمناً سيؤثر في مستقبل الأمن، وهذا ما لاحظناه في هذه الحرب، بعد أن سعت دول للنيل من استقرار المنطقة عبر الإضرار باليمن، وجعله محطة للنيل من استقرار المنطقة.