تعجّ الصحافة السعودية بقضايا الشأن المحلي، اخبار عن الخدمات البلدية والمرور والصحة والتعليم والضمان الاجتماعي والاسكان والكهرباء وغيرها. ورغم ان هذه الاخبار تنشر لنقل تفاعل المجتمع وعلاقات الناس ببعضهم بعضاً، تكاد الصحف تخلو من صور الناس العاديين، فهي تحشد كل صباح صور وزراء الخدمات، ووكلاء وزارات ومديري ادارات. ويأتي هذا على حساب التفاصيل اليومية البسيطة للبشر، حتى كدنا نصوغ تعريفاً جديدا للخبر يقول «الخبر هو معلومات او كلام صادر عن الحكومة او متصل بها». هذه «الاخبار» هي في الأساس «تعاميم» صادرة عن الادارات الحكومية، وبشيء من التحوير تصنفها الصحف في خانة «الاخبار»، فصدور قرار بتوسيع ممر في احدى الوزارات هو خبر في عرف الصحف، وسبق يجري نشره على مساحة معتبرة. لا أريد هنا ان اكتب مقالاً عن تحرير الاخبار، والقيم الاخبارية في العالم الثالث، لكن متابعة لهذه القطع التي تغص بها أعمدة الصحافة السعودية يومياً تشير الى ان الصحافة السعودية تتصرف على اعتبار انها جزء من الجهاز البيروقراطي للحكومة، وملزمة بنقل تفاصيل عمله بطريقة لا تعني احداً. والأمر الآخر ان الجيل الجديد من الصحافيين السعوديين استبدل الاستسهال، بالنزول الى الميدان، ونقل نبض حركة المجتمع، وأصبح الموضوع لا يستهويه الا اذا كان مصاباً بعدوى العمل البيروقراطي. لكن الأهم من هذا وذاك، هو ان المتتبع للقطع المنشورة عن الشأن المحلي يجد ان «الاخبار» والمقالات التي تهتم بخدمات الهاتف اختفت من اعمدة الصحف او تكاد، رغم انها كانت، قبل تخصيص هذه الخدمة، شغل الصحف الشاغل. ولو تأمّل القارئ الخدمات الحكومية التي تنشغل بها الصحافة سيجد ان بعضها أقل شأنا من الخدمات الهاتفية، ومع هذا تتمسك الحكومة بإداراتها، رغم انها تدار في شكل متواضع، وتشغل الجهاز الحكومي بلا مقابل سياسي او مادي. هذه المفارقة تجعلنا نعاود طرح سؤال الخصخصة التي كانت قبل سنوات قضية القضايا في اروقة الحكومة. ترى ماذا حلّ بها؟ وإلى متى ستبقى الحكومة متمسكة بإدارة الخدمات رغم تجربتها الناجحة في تخصيص خدمات الهاتف. ان الخاسر الوحيد من هذه الخطوة هي الصحف، فهي لن تجد «تعاميم» تعيد نشرها وتسميها اخباراً.