حضّ رئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني مختلف القوى العراقية على احترام الدستور لأنه المخرج الوحيد من الأزمة الصعبة التي نشأت بفعل نتائج الانتخابات، لكنه بدا غير واثق من قدرة الدكتور اياد علاوي على تشكيل الحكومة، معرباً عن قلقه على مستقبل العراق اذا لم يسارع العراقيون الى حل المشاكل الرئيسية بينهم قبل انسحاب القوات الأميركية من هذا البلد. وكان بارزاني يتحدث الى «الحياة» التي زارته في مكتبه في رئاسة الإقليم، وسألته عن أبرز المسائل المطروحة حالياً في العراق، وعلاقات الإقليم بدول الجوار والمنطقة. ودعا رئيس إقليم كردستان العراق الى استخلاص العِبَر من الانتخابات الأخيرة، والتعامل مع الحقائق ولو كانت مُرّة، مؤكداً تمسك ائتلاف الكتل الكردستانية بولاية جديدة للرئيس جلال طالباني في رئاسة الجمهورية العراقية. واعترف بارزاني بأن العراق تحول ساحة للقوى الإقليمية والدولية، مشيراً الى ان الدور الأميركي في العراق اصبح «ثانوياً» ومقراً بأن «القرار العراقي شبه ضائع والقرار الإقليمي يقرر مصير العراق». وهنا نص الحوار الذي شارك فيه الزميل مشرق عباس مدير مكتب «الحياة» في بغداد: واضح ان الانتخابات في العراق لم تحل المشكلة وربما أوجدت مشكلة اعمق. هل نحن في خضم أزمة طويلة ومفتوحة؟ - الانتخابات كانت في صورة عامة جيدة، ولكن دخلنا بعد انتهائها في أزمة يبدو من الصعب تجاوزها الآن. ننتظر نتائج الدعوة التي وجهها سيادة الرئيس جلال طالباني الى القوى السياسية للاجتماع، دعوة ملاطفة او مصالحة، سمّها ما شئت، لكن المهم ان نلتزم الدستور ونطبقه... اعتقد عندها بالإمكان تجاوز الأزمة. الحل باحترام الدستور. هل هي أزمة تطبيق دستور، أم أن العلاقات بين المكونات العراقية تفككت اكثر مما هو متوقع؟ - تفكك العلاقات بين المكونات هو ما قاد الى إعطاء تفسيرات مختلفة للدستور او تطبيقه بحسب المزاج... لو تم الالتزام بالدستور وتطبيقه كما هو، لأمكن تجاوز المشاكل وحلها. هل تعتقد أن بغداد ستعيش اضطراباً طويلاً؟ - نأمل بأن لا يكون ذلك، في الحقيقة انا خائف. خائف من أن تطول الأزمة وتتعقد. هل تخشى عودة العنف المذهبي؟ - هذا ما يخيفني، هذا الأخطر، أدعو الله ان لا يعود العنف المذهبي. هل هناك صيغة للحل؟ - مرة أخرى أقول ان تطبيق الدستور هو الحل. الدستور حدد حقوقاً وواجبات على كل طرف وكل مكون، ويجب الالتزام به. هل يستطيع الدكتور اياد علاوي تشكيل الحكومة؟ - الآن، قائمة “العراقية” التي يتزعمها الأخ اياد علاوي هي القائمة الفائزة، والمفروض ان يكلف تشكيل الوزارة سواء نجح في تشكيلها ام لا. الدستور يعطيه الحق وهذا استحقاق انتخابي، على الأكثر لن يتمكن من تشكيل الحكومة، ولكن على الأقل تنتهي الحجة. اذاً احترام الدستور يمر عبر تكليف اياد علاوي، واذا تعذر التشكيل تنتفي الحجة؟ - طبعاً. ما الذي يريده الأكراد من الحكومة الجديدة؟ - نريد منها الالتزام بالدستور والعملية الديموقراطية واحترام الآخر، الاستماع الى رأيه. ما نريد هو الاتفاق على برنامج واضح وآليات لعمل الحكومة وألا يتفرد أي شخص باتخاذ القرارات في الحكومة المقبلة. هناك أمور عالقة بين إقليم كردستان والحكومة في بغداد. هناك مثلاً مسألة كركوك والمناطق المتنازع عليها... هل تطرحون هذه المسائل خلال مفاوضات تشكيل الحكومة، وتطالبون بسقف زمني للتطبيق؟ - أبدينا مرونة كبيرة في قضية كركوك منذ ايام مجلس الحكم حتى اليوم... اكثر من هذا غير ممكن. هناك حل دستوري هو تطبيع وإحصاء واستفتاء. هذا لا يعني ان كركوك ستنفصل عن العراق بل ستبقى مدينة عراقية شأن اربيل والسليمانية والأنبار والبصرة، لكن ذلك سيساعد على حل مشكلة مزمنة وإزالة عقبة امام تقدم العراق. هذا الموضوع سيكون مطروحاً في مفاوضات الحكومة... يجب ان تكون كل المسائل الخاصة بتطبيق المادة 140 حول كركوك والمناطق المتنازع عليها واضحة، وواضح كيف سيتم التعامل معها وحلها ضمن الدستور. نحن لا نطالب بأي حل خارج الإطار الدستوري. وإذا عرض عليكم نوع من التقاسم لكركوك؟ - ليس لدينا اي مانع في إبداء أقصى درجات المرونة بتقسيم المناصب الإدارية، لكن هوية كركوك يجب ان يقررها أبناء كركوك. في صورة عامة الهوية عراقية، لكن حقائق تاريخية وجغرافية تؤكد ان كركوك جزء من اقليم كردستان. على الهوية لا يمكننا المساومة. اذا طالت هذه الأزمة، هل تستمر حكومة الرئيس نوري المالكي في إدارة العراق؟ - (مقاطعاً) الى متى؟ يمكن لفترة قصيرة ولكن اذا طال الأمر فهذا عمل غير دستوري. يفترض ان ينعقد البرلمان؟ - المفروض ان يعقد البرلمان وتأتي الخطوات الأخرى بعد انعقاده... منها انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان واختيار رئيس الوزراء. هذه خطوات يجب ان تتخذ مع انعقاد البرلمان. يقال ان العقدة في ان الكتل السياسية تريد صفقة كاملة بين رئاسة الجمهورية والبرلمان والوزراء؟ - في الحكومة السابقة طُبّق ذلك، ويفترض في هذه المرحلة ان يكون هناك شيء من هذا القبيل. الأكراد والرئاسة هل يتمسك الأكراد برئاسة الجمهورية؟ - في هذه المرحلة نعم. اصبح مطلباً معنوياً بالنسبة الى الكرد، كانت هناك حملة تحاول إظهار الأكراد وكأنهم تراجعوا وأصبح لهم دور ليس ذا شأن، وانهم لا يستحقون هذا المنصب، لأن العراق بلد عربي ويجب ان يمثله وجه عربي. العراق بلد متعدد القوميات والمذاهب والأديان، والعرب فيه جزء من الأمة العربية ونقدر ذلك ونعترف به، ولكن لا يمكن فرض الهوية العربية على غير العرب في العراق. اذا كانت الهوية عراقية فكلنا عراقيون، اما ان تُفرض هوية عربية على غير العرب فذلك ليس من مصلحة العراق ولا من مصلحة الأمة العربية. يجب ان نحترم الهويات الأخرى. إذاً الأكراد يصرون على رئاسة الجمهورية؟ - لتبديد المخاوف وعدم السماح بتثبيت مفهوم خاطئ في العراق. هذا يعني ان رئيس الوزراء سيكون شيعياً، ورئاسة مجلس النواب للعرب السنّة؟ - ليس هناك اي نص دستوري يحدد اي منصب يكون لمن، ولكن حدث شبه عرف في المرحلة السابقة وهذه المرحلة، ولا نعرف ماذا ستكون الحال في المرحلة المقبلة. القائمة او الكتلة الأكبر هي التي تُكلف تشكيل الوزارة، وليس بالضرورة ان يكون المنصب لشيعي او كردي او سنّي، ولكن اصبح تقريباً عرفاً في هذه المرحلة وكرَّس ان رئيس الوزراء شيعي ورئيس البرلمان سنّي. هذا يعني ان وزارة الخارجية لن تكون من حصة الأكراد؟ - وزير الخارجية وإن كان كردياً فإنه خدم الديبلوماسية العراقية اكثر من اي وزير آخر عربي. هذا يعني ترشيح طالباني لمنصب رئاسة الجمهورية؟ - بالطبع طالباني مرشحنا للمنصب. الأكراد والقرار العراقي هل أسفرت الانتخابات الأخيرة عن تراجع ثقل الأكراد في القرار العراقي؟ - لا، ابداً. الثقل الكردي في العراق ليس في عدد المقاعد في البرلمان، بل لأنهم القومية الرئيسية الثانية في العراق، ويتم التعامل معهم على هذا الأساس. مع ذلك، قانون الانتخابات كان مجحفاً بحق الكرد، فعدد المقترعين في كردستان كان بحدود 2.6 مليون مقترع حصلنا منها على 60 مقعداً، و «العراقية» و «دولة القانون» حصلتا على عدد مقارب من الأصوات ولكن على 91 و 89 مقعداً... سعر المقعد في إقليم كردستان كان إضعاف سعره في الوسط والجنوب، ولو كانت الانتخابات نسبية (دائرة انتخابية واحدة) لحصلنا على المرتبة الأولى ربما. هل أسفرت الانتخابات عن تغيير في ميزان القوى داخل إقليم كردستان، بمعنى ان الحزب الديموقراطي صار القوة الكبرى، فيما الاتحاد الوطني يعيش صعوبات؟ هل هناك مشكلة أحجام في كردستان؟ - الانتخابات أفرزت نتائج جديدة، لكننا متفقون على ان يكون البيت الكردي موحداً، والوفد الكردي موحداً. في المسائل الاستراتيجية والقومية سيكون موقف الكرد موحداً سواء اتفقنا ام اختلفنا في المسائل الداخلية. وهل أثّرت التطورات الأخيرة وبعض الانتقادات والحملات ضدكم على العلاقات داخل البيت الكردي؟ - لا، هذه ظاهرة طبيعية من حق اي شخص وأي حزب وأي صحيفة ان ينتقد، وأن يكون له موقف، المهم ان يكون الموقف الكردي موحداً إزاء القضايا الأساسية. هذا يشمل كل الأطراف؟ - كل الأطراف. هذا ما اتفقت عليه كل الأطراف في ائتلاف الكتل الكردستانية. استمعنا الى مواقف مختلفة حول حكاية الطالب الذي قتِل أخيراً (سردشت عثمان). ما هي الحقيقة؟ - مؤسف جداً. أنا مسؤول بالدرجة الأساسية عن حياة كل مواطن في الإقليم. وأنا فخور لأننا ناضلنا لتحقيق الحرية لهذا الشعب وحققناها. وما تراه اليوم في إقليم كردستان، هو ثمرة نضال سنوات. استُغل الحادث في شكل خبيث وبعيد عن الأخلاق. هناك قضية قتل، ويجب إعطاء الفرصة للتحقيقات، فإذا جاءت بنتائج تثبت او حتى تشكك بأي شخص، فلن يكون هناك من هو فوق القانون وسيمثل أمام القضاء. لكن الحادثة استغِلت وصدرت أحكام مسبقة باتهام هذا الطرف او هذا الشخص او ذاك. هناك مؤشرات كثيرة إلى الهدف هو إضاعة الحقيقة. المغدور طالب جامعي وليس صحافياً، عثر على جثته في الموصل، كيف وصل الى الموصل، هناك نقاط تفتيش مشتركة أميركية – عراقية - كردية تحيط بالموصل، فكيف وصل إليها؟ بعض الأطراف يعتبر نفسه معارضة وصحافة حرة استغل الحادث ولم يعط فرصة للتحقيق بالموضوع... أنا حريص جداً على ان نتوصل الى الحقيقة. لن نسمح لأحد باستغلال أحداث من هذا النوع لأغراض حزبية ضيقة او لتوجيه اتهامات من دون دليل. طلبت ان يبادر من لديه مستمسكات وأدلة إلى تسليمها الى لجنة التحقيق. علينا ان نتعاون وصولاً الى الحقيقة وليس طمسها. هل أنت مطمئن إلى أمن إقليم كردستان؟ - أمن إقليم كردستان مضمون. بالطبع، ليس هناك امن كامل في اي دولة في العالم. ربما يحدث اختراق من عصابة او مجرم او انتحاري، لكن ليس بإمكان الإرهابيين ان يقيموا قاعدة في إقليم كردستان او ان يستقروا في الإقليم... قياساً الى كثير من المناطق في العالم، الأمن في إقليم كردستان موضع اعتزاز وافتخار. واضح ان نشاط تنظيم «القاعدة» تراجع في إقليم كردستان... - حاولوا مرات وفشلوا... تم القضاء على العمليات قبل تنفيذها. هل اكتشفتَ انهم كانوا يخططون لاغتيالك مثلاً؟ - انا شخصياً لا. لكنهم بالتأكيد لن يتورعوا عن تنفيذ العملية لو تمكنوا... هذه من اكبر أمنياتهم. كيف تصف العلاقات التركية مع إقليم كردستان؟ سألت وزير خارجية تركيا احمد داود اوغلو عن شعوره وهو يصافحك في اربيل، فقال ان شعوره كان طبيعياً. الآن ما شعورك أنت في تلك اللحظة؟ - شعوري أيضاً كان طبيعياً، وكانت خطوة إيجابية قدّرناها ونقدّرها الآن، ساعدت في تطوير العلاقة بين الإقليم وتركيا. هذه العلاقة تسير في الاتجاه الصحيح وفي تطور مستمر، وقريباً أزور تركيا أيضاً. لديك دعوة لزيارة تركيا بصفتك رئيس إقليم كردستان؟ - بالطبع، إذا لم تكن الدعوة بهذه الصفة لا اذهب. هذا تغيير كبير؟ - بالطبع، وهو تغيير إيجابي وواقعي. اوغلو ارفع مسؤول تركي يزور إقليم كردستان؟ - نعم، وزيرا الداخلية والتجارة أيضاً زارا الإقليم. هل هذا التغيير في السياسة التركية سهّل لإقليم كردستان ان يستقر؟ - هي خطوة إيجابية، اعلنا دعمنا الكامل للانفتاح الذي أعلنته تركيا. هذا يساعد في تحقيق الأمن في المنطقة ولكن يجب ان نكون واقعيين، فالعملية ليست سهلة والتحديات كثيرة. هناك إرادة مشتركة في المعالجة؟ - نعم، طالما كان الخيار سلمياً سنقوم بكل ما يلزم لإنجاح الجهد التركي. ولكن، ما زالت هناك ملفات من نوع «حزب العمال الكردستاني» وسواها؟ - الحل السلمي هو الحل الوحيد لمشكلة حزب العمال الكردستاني. الحل العسكري لن يؤدي الى نتيجة، لذلك كان التركيز على الحل السلمي والإصلاحات لحل المشكلة. كيف ترى العلاقات مع إيران؟ - إيران بلد جار. يجب ان نقر بأننا محاطون بمجموعة من الجيران يجب ان نتعامل معهم في صورة طبيعية، على رغم اننا نواجه أحياناً مشاكل مثل قصف الحدود من الجانبين الإيراني والتركي. هذا يزعجنا كثيراً. لا نقبل بهذه العمليات. يقولون ان هناك تسللاً عبر الحدود لكن هذا ليس مبرراً على الإطلاق لقصف مناطق داخل الإقليم، مع ذلك هناك تبادل تجاري مع تركيا وإيران ونسعى الى علاقات طبيعية. ومع سورية؟ - مع سورية بعد سقوط النظام العراقي، تجمدت العلاقات. كانت لديك علاقات قوية مع سورية؟ - كانت علاقات قوية جداً، وسأبقى الى الأبد اقدّر ما قام به الرئيس الراحل حافظ الأسد من تقديم الدعم والاهتمام بنا. لا يمكن ان أنسى هذا، ولكن بعد سقوط النظام (العراقي)، يبدو ان الأولويات تغيرت، أصبحنا في طريقين مختلفين. منذ متى لم تزر سورية؟ - منذ العام 2003. هل السبب أنكم اعتبرتم جزءاً من البرنامج الأميركي لإسقاط صدام حسين؟ - لا... هم وجهوا إليّ دعوات مرات، لكنهم يريدون أن ازور سورية بصفة رئيس حزب وليس رئيس إقليم كردستان، وهذا بالنسبة إليّ مرفوض. وكأنما هناك تحسن مع تركيا في مقابل صعوبة مع العرب في تقبل فكرة الإقليم؟ - لا... خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبد الله بن عبدالعزيز استقبلني كرئيس للإقليم، زرت الكويت وقطر وليبيا ولبنان كرئيس للإقليم. الانسحاب الأميركي لنتحدث عن الأميركيين. هل هناك قرار أميركي قاطع بالانسحاب من العراق؟ - انا سألت الرئيس اوباما... قلت له ان هناك سؤالاً كبيراً لدى كل عراقي: هل تسحبون اهتمامكم مع سحب قواتكم ام هو فقط سحب قوات قتالية؟ قال لي: ابداً سيبقى اهتمامنا قائماً، ونوطد العلاقات مع العراق وإقليم كردستان ونوسعها. سنسحب القوات وفق الاتفاق، لكن ذلك لا يعني ان علاقاتنا ستنتهي، بل سنعززها وندعمها في شكل كبير. هل لديكم خوف من ان انسحاب القوات الأميركية يعطي العراقيين فرصة الغرق مجدداً في الاشتباك؟ - قبل انسحاب الأميركيين يجب ان تحل المشاكل «العقدية» بين مختلف الفئات والمكونات. بلا شك اذا انسحب الأميركيون من دون حل هذه المشاكل، لا أتوقع مستقبلاً هادئاً. بين العرب والأكراد؟ - بين العرب والكرد والعرب والعرب، أتحدث عن حالة من الفوضى، ومع حدوث الفراغ فإن الدول الإقليمية ستحاول ملء هذا الفراغ، وهذا سيفاقم المشكلة. هذا يعني ان الوقت المتاح لحل المشاكل العراقية تقريباً سنة ونصف السنّة، وإلا سنشهد عراقاً مضطرباً لفترة طويلة؟ - هذا المتوقع... لا نتمنى ذلك، لكنه المتوقع. هل تحول العراق ساحة للقوى الإقليمية والدولية؟ - للأسف نعم. هل نستطيع القول بوجود قرار عراقي اذاً، ام ان للخارج حضوراً كبيراً في القرار؟ - كنت أتمنى ان أقول ان ليس هناك أي تأثير للنفوذ الأجنبي والإقليمي، لكن الحقيقة، أن القرار العراقي يكاد ان «يتيه»... يضيع، والقرار الإقليمي هو من يقرر مصير العراق، وهذا مؤسف. دعني أصوغ عبارة « القرار العراقي شبه ضائع والقرار الإقليمي يقرر مصير العراق» هل بإمكاننا قول ذلك؟ - أكاد أقول نعم... وصل الوضع الى هذه المرحلة. مَنْ اللاعب الخارجي الأكثر تأثيراً على الساحة العراقية. - هناك عدة لاعبين... بعض الدول العربية وإيران وتركيا، أميركا والدول الأوروبية اصبح دورها ثانوياً تقريباً. الدور الأميركي في العراق اصبح ثانوياً؟ - تقريباً... وهل فشل الأميركيون في العراق؟ - لم يفشلوا... هذا غبن بحقهم، لكنهم اخطأوا، وفروا الفرصة للعراقيين لإقامة نظام ديموقراطي، وفروا الحرية، وهنا العتب على العراقيين الذين لم يتمكنوا من استغلال هذه الفرصة. في المقابل ارتكب الأميركيون أخطاء كبيرة، والخطأ الأكبر عندما وافقوا على إصدار القرار 1483 الذي حوّلهم الى دولة احتلال. وحل الجيش؟ - الخطأ أعقبته أخطاء بالطبع... لم يكن هناك جيش ليحل، كان المفروض أن يقال «إعادة بناء الجيش». هل تعتقد أن الأميركيين جاؤوا على أمل إقامة طويلة لعشرات السنين في العراق؟ - بلا شك هم يرغبون في علاقات طويلة الأمد مع العراق، وهذا من مصلحته أيضاً، ولكن ان تكون لهم قوات كمحتلين، لا اعتقد أنهم بسطاء لهذه الدرجة. هل طلبوا وجوداً عسكرياً بعد 2011 في إقليم كردستان؟ - ابداً، كل ما بُحث حول هذا الموضوع مرتبط باتفاق شامل بين الحكومة الفيديرالية وأميركا، وفي حال كانت ضمن هذا الاتفاق قاعدة للقوات الأميركية في كردستان، فإن الإقليم لن يعارض ذلك... ولكن لن يكون هناك اتفاق ثنائي بين الإقليم وأميركا من دون ان يكون هناك اتفاق شامل لكل العراق. جئت الى هنا عام 2002 وكنت قلقاً من تبعات سقوط النظام. هل أنت قلق من اقتراب موعد مغادرة القوات الأميركية؟ - مغادرة القوات أعتبرها أمراً طبيعياً، في النهاية لا بد ان تغادر، وليست هناك حاجة لبقاء هذا الحجم الكبير للقوات في العراق، لكن تبقى قوات للتدريب ومساعدة الجيش والشرطة العراقيين... بصراحة انا قلق اذا لم يتدارك العراقيون الوضع العراقي قبل مغادرة القوات الأميركية... نعم، اشعر بقلق كبير. هل يمكن ان نشهد تفككاً عراقياً اكبر؟ - معنى التفكك أن يكون لكل مكوّن وضعه الخاص. الآن هذا هو الواقع. حتى الانتخابات الأخيرة أثبتت ان العراق يمكن ان يتوحد شكلياً ولكن في المحتوى، الشيعة صوتوا للشيعة والسنّة للسنّة والكرد للكرد. هذه الحقيقة ، حين تقولها يعاتبك الآخرون، لكنها واقع العراق. اجلب لي شيعياً واحداً فاز في المناطق السنية وبالعكس. لم يحصل ذلك؟ - بحسب علمي لا... في بغداد الموضوع مختلف. اعطني شيعياً فاز في الأنبار او سنّياً في العمارة او كردياً فاز في المنطقة العربية او عربياً فاز في المنطقة الكردية. هذا هو الواقع. يقال ان الناس يحبون النوم في المناطق التي تشبههم، الشيعي في منطقة شيعية والسنّي في منطقة سنّية؟ - هذا هو الحال... هذا هو الواقع؟ - هذا هو الواقع. كخلاصة من الانتخابات، هل يمكن القول ان هناك ثلاث مجموعات، الكرد والسنة والشيعة، وإعادة بناء الوحدة العراقية بالتلاقي الفوقي مقابل التعايش بين المجموعات؟ - ممكن. هناك مجال واسع للتعايش والتعاون وتعزيز الأخوة والمحبة، لكن هذا الاتحاد يجب ان يكون اختيارياً... في رأيي الفيديرالية هي الحل الأمثل، قلت سابقاً ثلاثة أقاليم او أربعة او خمسة، يمكن السنّة ان يكون لديهم اكثر من إقليم والشيعة كذلك، ولكن يجب ان يعطى للسنّة هامش كبير من الحرية مثل إقليم كردستان. يجب ان نتفق ان بغداد عاصمة الجميع، بهذه الطريقة نحمي وحدة العراق، اما اذا فُرض نظام شمولي مركزي قوي او نظام طائفي او عرقي، حينها سيتفكك العراق. تدعو الى إعطاء المكوّنات الأخرى ما أُعطي للأكراد؟ - نعم، على ان نتفق ان هويتنا الوطنية عراقية والمسائل السيادية تكون خاضعة للحكومة الفيديرالية، لكن المسائل الأخرى يجب ان تترك لابن المنطقة، في اختيار نمط حياته، شرط ان يحافظ على وحدة العراق وسيادته. مرتاح الى التحسن الاقتصادي في الإقليم؟ - الى حد كبير، ولكن بقي الكثير. سمعنا ان كركوك ليست مسألة نفط بالنسبة الى الأكراد، وأنه تم العثور على النفط والغاز في كردستان. - نعم وبكميات هائلة. موضوع كركوك لا يتعلق بالنفط، أصبحت رمزاً للاضطهاد الذي مورس ضد الكرد... أصبحت ربما عقدة نفسية ووجدانية. هل ما زالت المشاكل حول عقود النفط مع الحكومة مستمرة؟ - لا اعتقد أن هناك مشاكل في هذا الشأن اليوم. هل لديك شعور بأن الكردي في إقليم كردستان، مرتاح للمرة الأولى منذ عقود؟ - هذه المرة الأولى التي يحصل الكردي فيها على جزء من الحرية ليدير أموره في المنطقة... هذه أول مرة في التاريخ. هل يخطر على بالك ان من الممكن أن تعود الى الجبل لقيادة مقاتلين؟ - ضد مَن؟ اذا ظهر صدام آخر في بغداد؟ - لن يظهر صدام آخر في بغداد... بغداد لنا حصة فيها، وأؤمن بأننا لن نصعد الى الجبل ضد حكم في بغداد، ولكن اذا كان هناك اي خطر على العراق فأنا مستعد للدفاع عن اي نقطة في العراق. ما هو الأصعب، ان تكون قائد الحركة الكردية ام رئيس إقليم كردستان؟ - الآن الأمور اصعب. إدارة البلد اصعب من ان تقاوم النظام من اجل التحرر. نحن الآن في المرحلة الأصعب. هل لديك شعور بأنك حققت ما لم يحققه والدك الملا مصطفى بارزاني؟ - هو وضع الحجر الأساس، وكل ما نقوم به هو ان نضيف إلى ما بناه. لو طُلب منك الآن تقديم تقرير في صورة رمزية الى الملا مصطفى بارزاني إجابة عن سؤال: كيف حال أكراد العراق اليوم، ماذا تقول؟ - أقول الحمد لله انهم يتمتعون باستقلال ذاتي كبير ويديرون بلدهم بحرية. وضعهم الاقتصادي افضل، لكن هناك تحديات كبيرة. هل تراودك رغبات «ديكتاتورية» كحاكم؟ - انا مؤمن بالديموقراطية. كنت وعدت الجمهور بانتخابات، وحق تقرير المصير، دعوتهم الى التصويت لمن يريدون كي يكون القرار لهم. هل علاقاتك صعبة مع بعض السياسيين العراقيين؟ - ليست لدي مشكلة شخصية مع احد، احترمهم جميعاً وأعتبر الجميع إخواني. هل لديكم مشكلة إذا أفضت المشاورات الى تولي المالكي رئاسة الحكومة؟ - اذا صوّتت له الكتل الأخرى ليست لديّ مشكلة. وعلاقتك مع التيار الصدري؟ - جيدة، هناك لقاءات مستمرة. ليست لدينا عداوات شخصية ولا نضع فيتو على أحد.