تتجه المدن العراقية المحررة من «داعش» نحو واقع سياسي جديد يتمثل في صعود قوى محلية فرضت نفسها على الأرض من خلال مشاركتها في المعارك وأفول قوى تقليدية تواجه اتهامات بالفشل. وتتصاعد حدة الصراع بين الطرفين مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية مطلع العام المقبل. وعلى رغم استمرار المعارك في محافظة الأنبار، حيث ما زال «داعش» يسيطر على الجزء الأكبر منها، والمشاكل الاجتماعية والأمنية التي تضرب محافظة صلاح الدين بعد تحريرها، فإن هذه الأزمات باتت ساحة للصراع على النفوذ. في الأنبار تلوح بوادر صراع بين ثلاث جبهات وهي: «الحزب الإسلامي» (الإخوان المسلمون) الذي في يده مقاليد الإدارة، وائتلاف «الوطنية» بزعامة إياد علاوي، الساعي الى تعويض خسارته في الانتخابات السابقة، ومجلس العشائر الذي يشارك مقاتلوه في المعارك جنباً الى جنب مع الجيش ويطرح نفسه مخلصاً للمحافظة. وقال أحمد الفهداوي، وهو أحد القادة الميدانيين لمقاتلي العشائر في الرمادي ل «الحياة»، إن «الأحزاب في الأنبار اثبتت فشلها في الإدارة خلال عشر سنوات من الحكم، ولم تجلب لسكان المحافظة سوى الدمار والتشريد». وأضاف أن «بعض الأحزاب النافذة في مجلس المحافظة يسعى إلى مصادرة تضحيات مقاتلي العشائر الذين تحالفوا في مجلس لمناهضة الإرهاب، وقدموا مئات الشهداء والجرحى، وواجهوا داعش بأسلحتهم الخاصة ولم نحصل على دعم الحكومة الاتحادية والمحلية». وأكد أن «الانتخابات المقبلة ستشهد تغييراً كبيراً، وسيتم إبعاد هذه الأحزاب». وشكلت عشائر «البوفهد» و «البونمر» و «الجغايفة» و «البوعلوان» و «البوريشة» و «البوعيسى» المتصدية ل «داعش» العام الماضي مجلساً بزعامة رافع الفهداوي بتأييد من شيخ عموم عشائر الدليم رعد السليمان، وللمجلس علاقات وثيقة مع الحكومة الاتحادية. من جهة ثانية، يسعى رئيس الوزراء السابق إياد علاوي إلى تعويض الخسارة التي تعرض لها في الأنبار، خلال الانتخابات المحلية السابقة، وكان من حصته منصب المحافظ وخمس أعضاء في المجلس الذي يتألف من 15 عضواً، فأعلن قبل أسابيع تشكيل كتلة باسم «وطنية الأنبار» تضم وزير الكهرباء قاسم الفهداوي، إضافة إلى أربعة أعضاء في مجلس المحافظة، وتبنت الكتلة موقفاً ضد «الحزب الإسلامي» واتهمته بالفشل، وأكدت مصادر محلية ل «الحياة»، أن الفهداوي يجري مفاوضات لتغيير الحكومة المحلية. وبعد التطورات الأمنية التي شهدتها الأنبار خلال العامين الماضيين، والمعارك العسكرية وتحرير الرمادي أخيراً، انحسرت القاعدة الشعبية ل «الحزب الإسلامي» ، لكن ما زال له تأثير، من خلال علاقاته مع الفصائل المسلحة. في صلاح الدين، التي تم تحرير غالبية مدنها منذ شهور، أفرزت المعارك صراعاً سياسياً بين فريقين، يضم الأول المحافظ السابق أحمد الجبوري المتحالف مع «الحزب الإسلامي»، ويضم الثاني المحافظ الحالي رائد الجبوري الذي تدعمه فصائل «الحشد الشعبي» الممسكة بالملف الأمني في المحافظة، على رغم صلة القرابة الوثيقة التي تجمع كلا المحافظين. ونجح أحمد الجبوري في إقالة ابن شقيقته من منصب المحافظ في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بعدما حشد أصواتاً كافية من أعضاء المجلس، ولكن المحافظ المقال حصل على دعم رئيس الوزراء حيدر العبادي وقادة الحشد. وتقول مصادر محلية في صلاح الدين إن هناك مخاوف لدى الأحزاب والقوى السياسية من أن يلعب «الحشد الشعبي» دوراً في الانتخابات المحلية المقبلة لصالح حلفائه من السياسيين والعشائر، خصوصاً أنه يمتلك النفوذ على الأرض ويدير المدن المحررة في تكريت وبيجي وسامراء والعلم.