وصف متخصصان في الشأن الأمني عملية مقتل الجندي بدر الرشيدي ب«الجبانة»، مشيرين إلى أن التنظيم الإرهابي يهدف منها لزعزعة الروح المعنوية لدى المجتمع ورجال الأمن. وقال الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة حمود الزيادي إن هذه الحادثة الإجرامية الإرهابية الجبانة والحوادث السابقة المشابهة يستهدف منها تنظيم داعش الإرهابي زعزعة الروح المعنوية لرجال الأمن والمجتمع في إطار استهدافه للأمن الوطني السعودي كأولى أولويات التنظيم. وأوضح الزيادي ل«الحياة» أن هذه العملية تأتي في إطار رؤية «النكاية والإنهاك» كما جاءت في كتاب «إدارة التوحش»، وهي تتخذ اليوم بعداً نفسياً معنوياً ضمن أدوات وأساليب «الحرب اللامتماثلة». مشيراً إلى أن تصوير الجريمة الإرهابية والطريقة المسرحية والمشهدية التي تمت من خلالها قصد منها بعداً تسويقياً تحريضياً من التنظيم ليس فقط للأتباع والمناصرين، بل حتى للمحايدين، لاستمالة جزء منهم بفعل التأثير المشهدي الذي يصور التنظيم قوة يمكنها فعل أي عملية في الزمان والمكان اللذين يريدهما، إضافة إلى أن سعيه وتمكنه من تجنيد حتى طبيب يفترض أن يكون الأبعد تأثراً بهذه الأفكار، ليقود خلية إرهابية تقتل أقرب الأقارب، يريد من ورائها رسم صورة إيجابية جاذبة عن التنظيم لدى المحايدين. وأفاد بأن هذه الحادثة وما سبقها تستدعي وتكشف أن هناك أزمة قيم في بعض المستويات الاجتماعية التي استلبها «خطابٌ» على مدى عقود «وأعني خطاب الصحوة» حتى فرغها من الموانع الأخلاقية الاجتماعية التي تأنف الغدر والخديعة وتمقتها، مؤكداً أن علاقة «داعش» والتنظيمات الإرهابية بهذا البعد هي استغلالها هذا الضعف والتهتك القيمي الأخلاقي لدى البعض وتوظيفه لتحقيق أغراضها الإجرامية. وأضاف: «نحن نقف على مشارف مشكلة قيمية أخلاقية تحتاج عملاً ضخماً وهائلاً من مؤسسات التنشئة الاجتماعية والخطاب الديني، حتى نرمم هذا التشظي القيمي الذي يتكشف لنا في زوايا المجتمع بطريقة مرعبة». أما الباحث والمستشار في الشؤون الأمنية والقضايا الفكرية ومكافحة الإرهاب محمد الهدلاء، فعدّ تصرفات التنظيم الإرهابي داعش من أخطر الظواهر في العصر الحديث، وقال ل«الحياة»: «إن سياسة التوحش التي يمارسها تنظيم داعش الإرهابي فاقت كل التصورات والتوقعات، إذ بدأ هذا التوحش بقطع الرؤوس، مروراً بعمليات الحرق التي بدأت بالشهيد الطيار الأردني معاذ الكساسبة، ثم حرق الأطفال في قفص، وانتهت بالجريمة البشعة التي قام بها التنظيم الإرهابي بإطعام أمٍ لحم ابنها بعد أن تعرض للذبح، ثم قتل الابن أباه في الزعتر في الشام». وأضاف الهدلاء: «كذلك في السعودية في محافظة خميس مشيط، عندما قتل الإرهابي محمد الغامدي والده وهو يكبّر، وأصاب اثنين من رجال الأمن، إضافة إلى الجريمة النكراء التي ارتكبها أحد المتعاطفين مع التنظيم، إذ قتل ابن عمه اليتيم الذي تربى معه في المنزل نفسه، فيما أخوه الثاني يصور المشهد، في جريمة لم يشهد مثلها المجتمع السعودي، وتم تداول «فيديو» لها على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، رافقتها دهشة واستغراب واستنكار. واستطرد: «ما حدث أخيراً من قتل رجل الأمن بدر الرشيدي على طريق القصيم من صديقه وقريبه الذي غدر به لا يستغربه من عرف فكر وأيديولوجية هؤلاء الخوارج وفكرهم المنحرف، الذي يقوم بدور العصابات باسم الدين وهو البعيد عن كل تعاليمه». وقال الهدلاء: «حتى يصل الإرهابي إلى تلك الدرجة من عدم الإنسانية، فإنه يمر بمراحل، منها تدمير أي علاقة أو صلة بينه وبين الآخر (بني أهله ووطنه)، وتدمير العلاقة بينه وبين الآخر (المختلف معه في الدين والثقافة واللغة)، والأهم تدمير الذات وتخليصها من أي مشاعر إنسانية». وتابع: «تلك الجماعات الإرهابية تتخذ من الأفكار التدميرية منهجاً لها»، مشيراً إلى أن أي إرهابي ينتمي إلى «داعش» مثلاً، فإنهم يعزلونه في المناطق الصحراوية، فالخلوة تجردهم من الهوية، ونسيان ما يدعى بالأب والأم والأخ وحتى الزوجة والأبناء، مؤكداً أن ذلك يشكل المرحلة الأولى التكوينية لأي إرهابي، ثم تأتي بعدها مرحلة التدريب القتالي، وتشويه الإنسان بداخله. وأكد أن الخلايا تستقطب صغار السن، وتقطع عليهم خط الرجعة بمختلف الأساليب ومنعه من الاتصال بالعالم الخارجي. وفي أجواء «العزل» هذه يسلم الشاب نفسه لهم. ويربط مصيره بمصيرهم. فلا وجود للعالم البشري المحسوس سوى أعضاء الخلايا. ولا عمل سوى عملها، ولا أهداف سوى أهدافها. ولا تشريعات ولا تنظيمات ولا أخلاقيات سوى تشريعاتها وتنظيماتها وأخلاقياتها، وتتم معاملة أعضاء الخلايا معاملة الأرقّاء الذين يفعلون ما يؤمرون ولا يحق لهم السؤال أو التدخل، بمعنى إلغاء كامل لآدمية الأعضاء غير القياديين وتعطيل لقوى التفكير والملاحظة، وتحويلهم إلى أدوات عمل، وهي في الواقع، أدوات جريمة. وكان تنظيم «داعش» الإرهابي دعا مطلع العام الميلادي الماضي المتعاطفين معه في المملكة إلى «البراءة من أهلهم وذويهم»، وذلك في إصدار مرئي للتنظيم ظهر أخيراً. وجاء في الإصدار الذي أنتجه ما يسمى «المكتب الإعلامي لولاية بركة»، محاضرة دعوية يرجح أن ملقيها سعودي الجنسية. تضمنت تحريضاً صريحاً على قتل الأقارب والأهل بدعوى «المعروف والنصرة، وتطبيقاً لشريعة الولاء والبراء».