بانتظار أن يزف الوقت الذي تحسم فيه حكومات العالم المتقدّم أمرها في شأن العلاقة بين حرية الإنترنت ومكافحة الإرهاب، فإنها تستمر في اتخاذ خطوات فعليّة لتقويض قوى «داعش» التوظيفيّة، من دون الإعلان عنها بالضرورة على الملأ، إذ أعلنت شركة «غوغل» (صار اسمها «آلفابيت» أخيراً) عن استخدام قدراتها التكنولوجية الفائقة في مجال الإعلانات العنكبوتيّة في محاربة «داعش» وأبناء عمومته. وأوضحت تلك الشركة أن برنامجها الجديد يمر حالياً بمرحلة الاختبار، وهو قادر على أن «يلتقط» المستخدمين ممن يبحثون عن مواقع ذات علاقة بالإرهاب، إضافة إلى أنه يوصل لأولئك المستخدمين إعلانات تصفها «غوغل» بأنها «مضادة للأصوليّة». ويشير البيان الصادر من «غوغل» قبل أيام بصدد تلك الإعلانات إلى «النارين» اللذين يتحدث عنهما إعلام الغرب صراحة أو تلميحاً. والحال أن الغرض من تلك الإعلانات حماية حريّة الإنترنت من جهة، وحماية مواطني العالم المستخدمين الشبكة العنكبوتيّة من «المحتوى السيئ» الذي ربما يحتويه بعض المواقع المتطرفة، من الناحية الثانية. ويضيف البيان أن الناس حين يشعرون بأنهم معزولون، يتوجهون إلى الإنترنت حيث يفترض أن يجدوا مجتمعاً من الأمل وليس مجتمعاً من الضرر. وتبيّن «غوغل» أنها تريد أن تقدم سرداً بديلاً يشفي غليل أولئك الباحثين عن معلومات حول التطرف والتشدّد. وفي انتظار ما ستسفر عنه الجهود الغربيّة لمواجهة التطرّف والتشدّد العنكبوتيّين اللذين يلقيان ظلالاً وخيمة على المجتمعات الغربيّة، ما زالت المجتمعات العربيّة غارقة حتى أذنيها في أصل منابع التطرف وأصول التشدّد على الشبكة وفي الشوارع وعبر الخطاب الرسمي تارة، والخطاب غير الرسمي تارة، والإنترنت دائماً ودائماً. وكذلك تبقى المحاولات العربيّة – التي يتصف بعضها بالتهور أو المبالغة - في مواجهة تلك الأخطار عبر المنع والتقييد، في صدارة اهتمام الغرب. وتستمر ازدواجيّة الدفاع الغربي عن حريّات مطلقة للإنترنت في الدول العربيّة المطحونة بحروب الإرهاب من جهة، وابتكار وسائل كبح الحريّة «المطلقة» على الإنترنت في الغرب، عندما تضربه العواقب الوخيمة الناجمة عن انفلات الإرهاب افتراضيّاً وفعليّاً. ففي تلك الحال الأخيرة وحدها، يزور مسؤولو الغرب «وادي السيليكون» ويتحادثون مع شركات المعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة حول قوانين «ديموقراطية» لمراقبة الشبكة ومستخدميها ومواجهة التطرف والمتطرفين، والإرهاب والإرهابيّين! مكيالين لحريّة الإنترنت؟ الأرجح أنها مكاييل لا حصر لها.