اكتسبت اليوغا في لبنان خلال السنوات القليلة الماضية شعبية كبيرة، وبات من النادر وجود منطقة خالية من مركز مخصص لمزاولتها مع عروض مميزة في أحيان كثيرة، ما يدفع اللبنانيين لتفضيلها على أي نشاطات أخرى مثل المشاركة في الصفوف ضمن نوادٍ رياضية. وتعكس هذه الشعبية المتوسعة التفتيش المضطرد للبنانيين عن وسائل عملية للاسترخاء والتحكّم بالضغط النفسي والتعامل مع الوضع غير المستقر في البلاد، في ظلّ الأزمات المتلاحقة. فمع المشكلات اليومية التي تفرض نفسها على يوميات اللبناني، يبحث عن طاقة أمل للشعور بالإيجابية في محيط سلبي. وتبدو اليوغا طريقة مثلى للشعور بالراحة الجسدية والنفسية. تفاوت في النوعية بما أنّ اليوغا باتت الصيحة الأكثر رواجاً في لبنان، يتوقع أن تتكاثر المراكز المخصصة بها، وأن تدخل ضمن صفوف إضافية في النوادي، وهذا ما يحصل فعلاً. فهناك أقلّه 10 مراكز في وسط بيروت ومحيطها القريب، وهذا التكاثر لا يقلّ عند الخروج من العاصمة بل هناك نمو ملحوظ لمراكز اليوغا في مدن أخرى عدة، وصولاً إلى بعض البلدات. وفي جولة ل «الحياة» على بعض هذه المراكز، يظهر واضحاً وجود تفاوت في نوعية الخدمات المقدّمة. فهناك مراكز ذات مرجعية دولية مع مدربين مختصّين، فيما ابتدعت مراكز اليوغا على الطريقة اللبنانية، ما يسيء في أحيان كثيرة إلى من يمارسها، خصوصاً أنّ تمارين اليوغا تتطلّب الدقة والمهارة. أما الأسباب التي تدفع باللبنانيين إلى ارتياد هذه المراكز ومزاولة اليوغا، فلا شك في أنها ترتبط بالضغط النفسي الذي يشعرون به. فكما يقول رجا الذي يزاول اليوغا منذ أكثر من خمس سنوات، أنّه كاد يشعر «بالانفجار النفسي» من ضغوط العمل وزحمة السير وعدم وجود أي تسهيلات للحصول على حياة كريمة. وكان يبحث عن ملاذ للشعور بالراحة والتأمل وإيجاد نفسه بين هذه الأمور كلها، ومن هنا بدأ باليوغا وتعلّق بها. ومن اللافت إقبال الرجال كما النساء على صفوف اليوغا، فيما تكون الأسعار غالباً نحو 60 دولاراً لأربع حصص في الشهر. وتتفاوت الأسعار وفق حجم المركز وأهمية المدربين فيه. ومع كل هذا الإقبال، لا يمكن التساؤل عن الفاعلية الحقيقية لليوغا، فهل تحسّن المزاج فعلاً وترفع من الحالة النفسية وتخلّص من الضغوط؟ فن الحياة عن تساؤلاتنا يجيب كريستيان متّى، المسؤول في «فن الحياة» (Art Of Living)، وهي منظمة إنسانية لا تبغي الربح بدأت أنشطتها في لبنان عام 2002، واستفاد أكثر من 1400 شخص من برامجها للتخلّص من التوتر. وتنشط هذه المنظمة في بيروت والمتن والشوف وطرابلس. وتتوافر في مراكز صفوف اليوغا وورشات عمل للتخلّص من الضغط النفسي لأشخاص من خلفيات فكرية متعددة ومن مختلف الأوساط الاجتماعية. ومن أهم المشاريع التي تقوم بها «فن الحياة»، برنامج السعادة الذي يعتمد على وسائل تنفّس عملية تصلح النمط الطبيعي للجسم والفكر في حياة ملايين حول العالم. ويشرح متّى، أنّه من خلال عمل المنظمة لسنوات طويلة والخبرات والأبحاث، ثبت تأثير اليوغا في التقليل من هرمون الكورتيزول والمساعدة على تحقيق التفكير الإيجابي وتعلّم طريقة التنفّس الصحيحة لتهدئة الجسم والتخفيف من العصبية. ويضيف أنّ ملايين الأشخاص حول العالم يبحثون عن طرق سليمة للتخفيف من الضغوط النفسية، وهنا يأتي دور اليوغا كوسيلة صحية جسدياً ونفسياً بدل الانجرار وراء تناول المهدئات وغيرها. ويركّز برنامج السعادة القائم على اليوغا ضمن المنظمة على 7 مستويات هي: الجسد، النَّفس، العقل التحليلي، الذاكرة، الأنا والروح. بالتالي، فإنّ المقاربة كلية بإشراف مدربين مختصّين لتعويد الأشخاص على نمط حياة جديد خالٍ من الإجهاد والتوتر، وهو ما نعيشه في لبنان. وما يلفت في هذا البرنامج ليس فاعليته على الأشخاص العاديين فقط، بل تم تعليم هذه التقنيات إضافة إلى صفوف اليوغا وورشات العمل في شكل مختصّ في سجن رومية، بهدف تخفيف الضغط النفسي والشعور بالغضب والانتقام، إضافة إلى المدمنين على المخدرات. ويصف متّى البرنامج بالتجربة العميقة التي يمكن أن تغيّر حياة الشخص، لأنّ طريقة تعامله مع المواقف تصبح أكثر إيجابية.