إن سألت أحداً أن يروي لك قصة فيلم لمحمد خان، لن يعطيك الإجابة التي تتوقعها. وذلك ببساطة لأن أفلام خان حالات سينمائية تُشاهد أكثر مما تُحكى، شأنه شأن مخرجي السينما العالمية الكبار. ففي فيلمه الأخيرة «فتاة المصنع»، على سبيل المثال، يروي هذا المخرج المبدع حكاية فتاة تقع في حب مهندس في المصنع وتحصل بينهما علاقة تسفر عن حملها منه، لكنه في النهاية يتزوج من غيرها. من الواضح ان سرد قصة الفيلم هكذا قد لا يعني شيئاً. لكن المهم هنا أسلوب خان السينمائي المعتمد على جودة التصوير والإنفراد تقريباً باللقطات المقربة وزوايا التصوير الموضوعة في مكانها السليم. ويعتمد أسلوبه أيضاً على اختيار طاقم العمل معه من أجود ما يكون من ديكور إلى موسيقى ومونتاج وتوظيفها بمقدرة في أفلامه. صحيح ان فيلم «فتاة المصنع» بسيط في تعبيره السينمائي. ففي إحدى اللقطات المقربة المحببة إلى خان ظهرت سلوى محمد علي (خالة البطلة) لتثبت أنها ممثلة جيدة اكتشفها خان من جديد. طبعاً ليست اللقطة وحدها من يثبت ذلك وانما الأداء الرائع الذي ماثل أداء الآخرين في الفيلم رغم أنهم ليسوا من نجوم السينما. أما الأهم من هذا فكان اختيار خان للشابة ياسمين رئيس من بين مئتي فتاة، لتلعب الدور الرئيسي. فأنت من المستحيل ان تشعر بأنها جديدة على الشاشة، بل يمكن القول إن الكاميرا أحبتها ما جعلها حقاً تتساوى في الأداء مع كبار الممثلين، هذا بالإضافة إلى ملامح وجهها التي برهنت على أنها قادرة على أداء أدوار أخرى مختلفة. ما يعتبر اكتشافاً جريئاً يسجل لمحمد خان. من ناحية أخرى ملأت الفيلم لقطات وأماكن قد لا يحبها المشاهد العادي مثل المباني الفقيرة الرثة والحارات القذرة وأسطح المنازل القديمة التي تغسل فيها الستات ملابسهن في «الطشت» لأنهن لا يمتلكن الغسالات الكهربائية. ويذكرنا هذا بصرصار خان في «أحلام هند وكاميليا» الذي يتذكره المشاهد العادي من دون ان يحبه، وجعل البعض في مصر يطلق على خان لقب «مخرج الصراصير». ومن الواضح ان نظرة هؤلاء الضيقة تنم عن اعتقادهم بأن هذه المشاهد الشعبية تضر بسمعة السينما وبمصر نفسها حال عرضها في الخارج (!). مهما يكن من المؤسف أن صالة العرض التي شاهدت فيها الفيلم لم يتعد عدد الجمهور فيها العشرين مشاهداً وربما لأن عنوان الفيلم نفسه غير تجاري أو غير جماهيري، هو أقرب إلى كونه متأثراً بالأسماء الأجنبية المترجمة. لكنها عودة حميدة لخان بعد سبع سنوات منذ «في شقة مصر الجديدة»، إذ يأتي الفيلم متواكباً مع حصوله أخيراً على الجنسية المصرية التي انتظرها طويلاً. وللمناسبة لا بد من أن نشير الى ان خان كان موفقاً في استخدام أغاني سعاد حسني للتعبير عن مشاهد الفيلم الذي أهداه الى روحها.