لا يتسنى العثور على مقعد واحد شاغر في قاعة مسرح «لا كوميدي فرانسيز» الفرنسي الوطني الذي يتسع ل 2000 مشاهد، حتى 16 نيسان (أبريل) المقبل، علماً أن فرصة الحجز ستتاح مجدداً اعتباراً من هذا التاريخ من أجل العروض المستقبلية إلى نهاية تموز (يوليو)، وهو الموعد المقرر لانتهاء مسرحية «روميو وجولييت» في حلتها الجديدة من إخراج إيريك روف، الرجل الذي تولى حديثاً إدارة فرقة «لا كوميدي فرانسيز» الوطنية والذي يقدم هنا أول عمل من إخراجه منذ تسلمه منصبه. ويعود سبب الإقبال المذكور إلى كون مسرحية «روميو وجولييت» لم تقدم في باريس منذ عام 1952، على الأقل فوق خشبة المسرح الوطني، غير أن إيريك روف حوّر في نص شكسبير من ناحية زمن الأحداث واضعاً إياها في فترة الأربعينات من القرن العشرين ومسلطاً الضوء في شكل مميز على روح الانتقام السائدة بين الرجال على حساب الحس المرهف والصبر والوفاق، وهي حسنات نسائية بحتة يرفضها الرجل خوفاً من أن تسيء إلى رجولته. وإضافة إلى ذلك ركز روف على المواقف الفكاهية النابعة من تصرفات فئة من الشخصيات الثانوية على عكس ما يحدث في «روميو وجولييت» عادة حيث يفضل المخرج البقاء في الجو الدرامي البحت ويمتنع عن التوغّل في الكوميديا التي يراها لا تناسب نص شكسبير. والواقع أن روف لم يغير كلمات شكسبير في حد ذاتها، ولكنه عدل طريقة إلقاء الممثلين، وهذا أمر يكفي لتحويل كلمات مسيلة للدموع إلى عبارة ساخرة في مجملها. ولتحقيق هذه المعادلة كان لا بد من العثور على فنانين لا يخشون كسر الروتين ولا إدهاش المشاهد مهما تطلب الأمر من شجاعة أو تهور أمام المجازفة. وقد أحسن المخرج الاختيار حين منح دور جولييت العاشقة إلى الممثلة سوليان إبراهيم العربية الجذور والتي لمعت طوال الموسم الفائت على خشبة المسرح ذاته في عمل «لوكريس بورجيا» متنكرة في شخصية رجل ومستحقة تقدير الجمهور والنقاد على السواء. وتقدم إبراهيم شخصية جولييت في أسلوب غير معتاد، فهي وإن كانت عاشقة إلى حد الجنون، تظل واعية تماماً أمام ضعف حبيبها روميو وخضوعه الكلي لقرارات عائلته ورغباتها، وتنتحر احتجاجاً على نظام اجتماعي يحكم على المرأة بالطاعة ورفضاً لقوانين هذا النظام بالتحديد. وتمزج إبراهيم في أدائها بين قوة الشخصية والحس المرهف، بين الثورة الكامنة في ذاتها وعشقها المطلق لروميو، بين حبها لعائلتها ورفضها في الوقت نفسه طغيان هذه العائلة. ونحن هنا أمام ممثلة جبارة إلى حد أن جيريمي لوبيز الذي يؤدي شخصية روميو، يبدو أمامها كأنه في حيرة من أمره، ولا يدرك المشاهد إذا كان روميو هو الذي يعاني من هذه الحالة أم الممثل لوبيز. وربما أن هذه الفجوة بين البطلين هي نقطة الضعف التي كان من الضروري تفاديها، وربما أن المخرج لم يعثر على فنان شاب في مستوى سوليان إبراهيم. ويبقى ذكر الأدوار الثانية وهي كلها ممتازة وعلى رأسها دور النجم السينمائي لوران لافيت. وتميزت الملابس التي صممها كريستيان لاكروا، والديكور الذي ابتدعه المخرج إيريك روف. ولا بد من أن نذكر المشهد الكلاسيكي الشهير في مسرحية «روميو وجولييت» الذي تقف فيه جولييت على شرفة بيتها بينما يعبر لها روميو من الشارع عن عشقه لها، وقد اختار المخرج أن تكون الفتاة مقيمة في الطابق الأخير، الأمر الذي يحتم على سوليان إبراهيم الوقوف على علو يصل تقريباً إلى سقف القاعة (وهي عالية جداً بما أنها تضم أربعة طوابق) مستحقة التصفيق الحاد في ختام المشهد، خصوصاً أن الشرفة مجردة من أي حاجز.