تسجل الذاكرة السياسية للمملكة نشاطاً ملاحَظاً هذا العام، منذ تسلّم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في البلاد، وأضحت الرياض العاصمة وجهة لقادة الدول المؤثرة في صناعة القرار العالمي، ويرى مراقبون أن المملكة ظلت محافظة على سياستها والتزاماتها تجاه قضاياها الإسلامية والعربية والدولية، وأنها قادت، من دون تردد، حرباً شاملة على الإرهاب ووقفت ضد مخططات الفتنة، وناصرت الشرعية في اليمن، وقدمت العون للشعب السوري الثائر على نظام الأسد، فيما سجلت زيارات خادم الحرمين في أول عام من حكمه ثلاث دول هي أميركا ومصر وتركيا. ونوّه مسؤولون بدور خادم الحرمين الشريفين في التعاطي مع الملفات الداخلية والخارجية، مؤكدين أن المملكة قدمت يد العون للدول العربية والإسلامية، وخصوصاً اليمن، بعد أن خصصت 274 مليون دولار لأعمال الإغاثة الإنسانية في هذا البلد، كما لفت المسؤولون إلى أن الملك سلمان «أولى اهتماماً كبيراً لتفعيل العمل الإسلامي المشترك وتوحيد قدرات الأمّة الجبّارة في خوض حربها ضد قوى التطرف والإرهاب، من دون انتظار القوى الدولية الأخرى». وقال باحثون يمنيون: «إن أمْر خادم الحرمين الشريفين بتخصيص 274 مليون دولار لأعمال الإغاثة الإنسانية في اليمن من خلال الأممالمتحدة، من المواقف الكبيرة التي يعتز بها الشعب اليمني من قيادة المملكة العربية السعودية التي عودت اليمن على مساندته في كل الظروف، وفتحت الباب أمام المجتمع الدولي ليحذو حذوها». وأوضحوا في تصريحات أخيراً أن الإغاثة العاجلة التي قدمتها المملكة جاءت في وقتها لتنقذ الشعب اليمني الذي يعيش الآن في أحلك الأوضاع الإنسانية، جرّاء اعتداءات ميليشيات الحوثي وأعوانهم ضد الأبرياء، من دون وجه حق. وأكد مختار الرحبي المستشار الصحافي في مكتب الرئيس اليمني أن المساعدة السعودية لليمن ليست بمستغربة من خادم الحرمين الشريفين، الذي يكنُّ له كل اليمنيين المودة والمحبة، نظير موقفه الحازم في إطلاق عملية «عاصفة الحزم»؛ من أجل إنقاذ شرعية اليمن والشعب اليمني من براثن الحوثيين. وأضاف أن الشعب اليمني في الوقت الراهن «يعاني أزمة نقص الغذاء والدواء، والمشتقات النفطية، والكهرباء، معرباً عن أمله في أن تصل المساعدات التي تشرف عليها الأممالمتحدة إلى الشعب اليمني في أسرع وقت، وتوزيعها على المتضررين في مختلف محافظات ومراكز اليمن»، وثمّن في هذا السياق الدور الذي تقوم به عملية «عاصفة الحزم»، موضحاً أنها حققت نجاحات كبيرة على أرض اليمن، وأنهت المشروع الإيراني في اليمن. وأفاد عضو التحالف القبلي لإقليم الجند عبدالسلام الخديري أن «فتح تقديم المساعدات الإنسانية على يد المملكة سيجعل المجتمع الدولي يلتفت بعقلانية إلى ما يجري في اليمن من أحداث مؤسفة راح ضحيتها الأبرياء، فيتقدموا بدعم اليمن سياسياً وإنسانياً وتنموياً». ومن جهته، أكد الباحث اليمني عبدالله النعيدي أن المواقف السعودية المشرفة مع اليمن لن ينساها الشعب اليمني قاطبة، ولا سيما في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها اليمن بسبب ثلة الشر التي أرادت الدمار لليمن وتسليمه لإيران التي تسعى لفرض هيمنتها على المنطقة من دون وجه حق، بغض النظر عما يخلفه هذا الطموح البغيض من دمار للإنسانية. وعبّر عن سعادته بالقرار الأممي رقم 2216، مشيراً إلى أنه أعطى عملية «عاصفة الحزم» الشرعية الدولية لمساعدة اليمن في محنته، وإعادة شرعيته المتمثلة في رئيس اليمن عبدربه منصور هادي، من أجل تحقيق الأمن والاستقرار على أرض اليمن، ونزع السلاح من الحوثيين ومن يعاونونهم الذين يمارسون بطشهم باليمنيين. هادي: لن ننسى الموقف البطولي وبعد مرور أشهر على نجاح «عاصفة الحزم» قال الرئيس اليمني عبدربه هادي: «إن مواقف وجهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز داعمة ومساندة للشعب اليمني في المرحلة الراهنة وفي مختلف الظروف». وقال في خطاب بمناسبة ذكرى استقلال بلاده أخيراً: «أبعث من عدن كلمة شكر واعتزاز وعرفان باسم الشعب اليمني إلى كل الأشقاء الأحرار الصادقين الذين شاركونا الهم والمصير في الوقوف معنا في محنتنا، وفي مقدمهم أخي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وحكومة وشعب المملكة الكرماء الأوفياء الصادقين والأسخياء بدمائهم وإمكاناتهم»، مؤكداً أن بلاده لن تنسى «الموقف البطولي الصادق الذي مثَّل منعطفاً تاريخياً عظيماً في مسيرة التعاضد والتكاتف العربي». قمة ال20 وعلى الصعيد السياسي لخادم الحرمين وزياراته الخارجية خلال العام الماضي، ترأس الملك سلمان وفد المملكة المشاركة في قمة ال20 في أنطاليا التركية، والتقى زعماء الدول ال20، كما عبر عن تضامنه مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي غاب عن القمة بسبب الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها باريس. وأكد الملك سلمان وقتها في اتصال هاتفي مع هولاند، وقوف المملكة الدائم مع فرنسا في مكافحة الإرهاب، واتفق الزعيمان على «العمل لمزيد من التنسيق والتعاون لمكافحة آفة الإرهاب بجميع أشكاله وصوره التي تستهدف الأمن والاستقرار في أرجاء المعمورة كافة». وباتت المملكة في عهده واحدة من مكونات المجتمع الدولي الرئيسة في مختلف القضايا والفعاليات، ولم تأت تلك المكانة إلا من خلال نجاحات المملكة المتوالية على مختلف الصعد بتوجيه وحنكة من قادتها، ودأب خادم الحرمين الشريفين على الاستمرار في مسيرة التطور والنمو والوصول بالمملكة إلى ريادة دولية في مختلف المجالات، من خلال لقاءاته وزياراته. القمة العربية في مصر وخلال ترؤسه وفد المملكة العربية السعودية المشارك في مؤتمر القمة العربية في دورته ال26 في شرم الشيخ أكد في كلمة ألقاها أمام القمة أن «الواقع المؤلم الذي تعيشه عدد من البلدان العربية، من إرهاب وصراعات داخلية وسفك للدماء هو نتيجة حتمية للتحالف بين الإرهاب والطائفية، الذي تقوده قوى إقليمية أدت تدخلاتها السافرة في المنطقة العربية إلى زعزعة الأمن والاستقرار في بعض الدول العربية». وقال: «في اليمن الشقيق أدى التدخل الخارجي إلى تمكين الميليشيات الحوثية -وهي فئة محدودة- من الانقلاب على السلطة الشرعية، واحتلال العاصمة صنعاء، وتعطيل استكمال تنفيذ المبادرة الخليجية التي تهدف للحفاظ على أمن اليمن ووحدته واستقراره». ولم ينس القضية الرئيسة للمملكة في محافلها الدولية دوماً، وقال في خطابه: «إن القضية الفلسطينية في مقدم اهتماماتنا، وموقف المملكة العربية السعودية يظل كما كان دائماً، مستنداً إلى ثوابت ومرتكزات، تهدف جميعها إلى تحقيق السلام الشامل والعادل في المنطقة على أساس استرداد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه المشروع في إنشاء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف». وأوضح أن الأزمة السورية ما زالت تراوح مكانها، ومع استمرارها تستمر معاناة وآلام الشعب السوري المنكوب بنظام يقصف القرى والمدن بالطائرات والغازات السامة والبراميل المتفجرة، ويرفض كل مساعي الحل السلمي الإقليمية والدولية، مشدداً على أن أي جهد لإنهاء المأساة السورية يجب أن يستند إلى إعلان مؤتمر جنيف الأول، وقال: «لا نستطيع تصور مشاركة من تلطخت أياديهم بدماء الشعب السوري في تحديد مستقبل سورية». لقاء واشنطن وفي 19 من شهر ذي القعدة لعام 1436ه وتأكيداً لروابط الصداقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، وبناء على الدعوة الموجهة من الرئيس باراك أوباما، قام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بزيارة رسمية إلى واشنطن، التقى خلالها أوباما وعدداً من المسؤولين، وبحث معهم العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها في المجالات كافة، كما بحث القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. وأشاد أوباما بدور المملكة القيادي في العالمين العربي والإسلامي، فيما أكد الجانبان أهمية تكثيف الجهود؛ للحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها، وخصوصاً في مواجهة نشاطات إيران الرامية لزعزعة الاستقرار، إذ عبَّر خادم الحرمين الشريفين في هذا السياق عن دعمه للاتفاق النووي الذي وقَّعته دول 5 + 1 مع إيران، وهو ما سيضمن حال تطبيقه عدم حصول إيران على سلاح نووي، ويعزز أمن المنطقة. وفي شهر صفر الماضي، استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز رئيس وفد المملكة لقمة مجموعة ال20. وجرى خلال الاستقبال بحث مواضيع مدرجة على جدول أعمال القمة، وكذلك العلاقات الثنائية بين البلدين، وعدد من الأمور ذات الاهتمام المشترك. الحرب على الإرهاب أكد خادم الحرمين في كلمته أمام مجموعة ال20 في أنطاليا التركية، أن المملكة عانت من الإرهاب، وأنها ستتصدى لداعميه، وقال: «لقد عانينا في المملكة من الإرهاب، وحرصنا -ومازلنا- على محاربته بكل صرامة وحزم، والتصدي لمنطلقاته الفكرية، ولاسيما تلك التي تتخذ من تعاليم الإسلام مبرراً لها، والإسلام منها بريء، ولا يخفى على كل منصف أنَّ الوسطية والسماحة هي منهج الإسلام، ونتعاون بكل قوة مع المجتمع الدولي؛ لمواجهة ظاهرة الإرهاب أمنياً وفكرياً وقانونياً، واقترحت المملكة إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب تحت مظلة الأممالمتحدة وتبرعت له ب110 ملايين دولار، ودعت الدول الأخرى للإسهام فيه ودعمه لجعله مركزاً دولياً لتبادل المعلومات وأبحاث الإرهاب». وطالب خادم الحرمين الشريفين المجتمع الدولي بالعمل على إيجاد حل عاجل للأزمة السورية وفقاً لمقررات «جنيف1»، وفي ما يتعلق بمشكلة اللاجئين السوريين قال: «لا يخفى على الجميع أنها نتاجٌ لمشكلة إقليمية ودولية هي الأزمة السورية، ونثمن الجهود الدولية، وخصوصاً جهود دول الجوار والدول الأخرى في تخفيف آلام المهاجرين السوريين ومعاناتهم، ومن المؤكد أنَّ معالجة المشكلة جذرياً تتطلب إيجاد حل سلمي للأزمة السورية، والوقوف مع حق الشعب السوري في العيش الكريم في وطنه، فمعاناة هذا الشعب تتفاقمُ بتراخي المجتمع الدولي لإيجاد هذا الحل. سياسة ضد المخططات أوضح أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء أحمد بن منصور أن «المملكة العربية السعودية شهدت في عهد خادم الحرمين الشريفين تحولات داخلية عدة، سواء أكانت متعلقة بضمان أمن واستقرار البلاد، أم مواصلة مسار نموها على مختلف الصعد». وأكد أن ما تعيشه المنطقة العربية والإسلامية من اضطرابات ومخططات دفع بالملك سلمان إلى نهج سياسة الحزم ضد هذه المخططات؛ للحفاظ على الأمن والاستقرار. ولفت إلى أن أحد تجليات هذه السياسة هي قيادة المملكة لتحالف دعم الشرعية في اليمن بمساندة مختلف دول العالم ضد السياسة العدوانية لإيران التي تنفذها ميليشيات الحوثي، مؤكداً صواب قرار المملكة بقطع العلاقات مع إيران، التي أبانت، من خلال اعتداءاتها على المقار الديبلوماسية للمملكة وتدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول الخليجية، نيتها في تفتيت وحدة شعوب المنطقة ونشر الفتنة الطائفية. وأبرز أن خادم الحرمين الشريفين أكد في مختلف مواقفه ومبادراته حرصه الشديد على الحفاظ على وحدة الشعوب العربية والإسلامية، وفي مقدمها الشعب الفلسطيني، والوقوف إلى جانب الشرعية الدولية في مختلف النزاعات، ولاسيما في ما يتعلق بمأساة الشعب السوري، ثم مناصرة مختلف قضايا الشعوب المستضعفة، ومساعدة العديد من دول العالم على تحقيق نمائها وتطورها.