على رغم مرور 87 سنة على تأسيسه، لا يزال مجمع اللغة العربية في القاهرة يبحث عن آلية لتنفيذ قراراته. هذا ما أكدته توصيات مؤتمر الدورة السادسة والسبعين للمجمع التي عقدت أخيراً على مدى أسبوعين تحت عنوان «اللغة العربية في الإعلام». وعكست هذه التوصيات عدم جدوى تعديل قانون هذا المجمع العريق والذي أقره مجلس الشعب (البرلمان) المصري قبل نحو عامين وقضى بضرورة عمل الجهات المعنية بقراراته وتوصياته. ونصت إحدى هذه التوصيات على ضرورة قيام المجمع الذي تأسس عام 1932 وبدأ نشاطه عام 1934 بالعمل على تفعيل قانونه الجديد، وسرعة إقامة الهيكل الإداري واللغوي المحقق لهذا التفعيل، والتواصل مع الجهات المعنية التي أشار إليها القانون وفي مقدمها وزارتا التعليم والإعلام وجمعيات المجتمع المدني. وفي إطار هذا التفعيل المفتقد منذ عشرات السنين دعا المؤتمر المسؤولين عن الإعلام في البلاد العربية إلى «التزام اللغة العربية الصحيحة، وعدم إفساح المجال – في الصحافة والإذاعة والتلفزيون والفضائيات – للعاميات، التي تؤدي إلى تفكيك المجتمعات العربية، وإضعاف اللغة العربية التي تمثّل الرابطة القومية بين هذه المجتمعات»، كما دعاهم إلى «العمل المشترك من أجل القضاء على التلوّث اللغوي القائم الآن». وأكدت التوصيات نفسها قدم المعاناة من جراء عمل يبدو وكأنه حرث في البحر، إذ طالب المؤتمر بتفعيل القانون الذي صدر في عام 1958 والذي يمنع ويجرّم كتابة أسماء المحال والمتاجر والمنشآت التعليمية والسياحية والتجارية ومرافق الدولة والقطاع الخاص بلغة أو حروف أجنبية، ويفرض كتابتها باللغة العربية، فإذا ما كانت موجهة إلى الأجانب، كتبت هذه التسميات بلغة أجنبية أصغر حجماً تحت الكتابة العربية! ودعا المؤتمر إلى منع نشر إعلانات في الصحف والتلفزيون والشوارع بلغة أو حروف أجنبية، «وإذا كان الإعلان موجَّهاً لجهة أجنبية تعمل في مصر أو أجانب يعيشون فيها، يكتب الإعلان باللغة العربية بحروف كبيرة ويُكتب تحته بحروف أجنبية بحجم أصغر». وقرر المجمع الذي كان عميد الأدب العربي طه حسين رئيساً له من 1963 وحتى وفاته في أواخر عام 1973 «التصدي بكل قوة وحزم للدعوات المشبوهة لنشر ما يسمى باللغة المصرية – وهي في حقيقتها اللهجة العامية – في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وكذلك من خلال شبكة المعلومات الدولية والأفلام السينمائية والأعمال المسرحية والدرامية»، محذراً من أن هذه الدعوات «تضرّ بالهوية القومية». وإذا كان الأمر كذلك فإنه يصعب النظر إلى توصيات مجمع اللغة العربية في القاهرة، وربما إلى قرارات المجامع اللغوية العربية الأخرى، سوى باعتبارها مجرد «حبر على ورق»، ومنها الدعوة إلى حشد الجهود «لمواجهة الهجمة الإسرائيلية الشرسة الهادفة إلى تغيير هوية القدس العربية والعبث بالمقدسات الإسلامية وطمس اللغة العربية في فلسطين وتغيير أسماء المدن والقرى الفلسطينية». لكن تبقى مع ذلك توصيات أخرى مهمة بالفعل ويمكن أن ترى النور بجهد أعضاء المجمع أنفسهم، ومنها «العمل على الانتهاء من مشاريع مجمع القاهرة الثلاثة الكبرى، وهي مشروع تحديث المعجم الوسيط، ومعجم لغة الشعر العربي، والمعجم الموضوعي المصور للغة الطفل». ومنها كذلك التوصية بسرعة إنجاز «الدليل اللغوي» الذي وعدت «لجنة اللغة العربية في الإعلام»، وهي إحدى لجان المجمع، بإنجازه «حتى يكون بين أيدي العاملين في الإعلام وغيرهم من المواطنين في أقرب وقت ممكن». وسبق لمجمع القاهرة أن تناول موضوع «اللغة العربية في وسائل الإعلام» خلال مؤتمره لعام 2001. وكرر المؤتمر الأخير دعوة القائمين على وسائل الإعلام (الصحافة والإذاعات المسموعة والمرئية) إلى ضرورة الاهتمام بتدريب العاملين فيها لغويّاً ورفع مستوى أدائهم، والقضاء على الانحرافات الموجودة على الألسنة والأقلام وأن يكون هذا التدريب ضمن خطة شاملة ومستمرة. وأكد مجمع اللغة العربية في القاهرة، الذي يشغل الشاعر المصري فاروق شوشة منصب أمينه العام حالياً، أنه وسائر المجامع اللغوية العربية على استعداد تام للمشاركة في برامج التدريب المقترحة للعاملين في الصحافة والإذاعات المسموعة والمرئية، إضافة إلى وضع الخطط وتقديم الخبرات التي تتطلبها العملية التدريبية. وأدان المؤتمر ما فشى من إعلانات في الصحافة وفي الإذاعات المسموعة والمرئية، باللهجات العامية والمحلية وباللغات الأجنبية أحياناً، ودعا المجامع العربية والهيئات المناظرة المسؤولة عن اللغة العربية إلى القيام بدور فعال في مواجهة هذه الظاهرة السلبية والقضاء عليها. وشددت التوصيات على ضرورة الاحتفال ب «يوم اللغة العربية» الذي قررته المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة، وهو الأول من آذار (مارس) من كل عام، وأن يكون مقروناً بالعمل على مناصرة هذه اللغة والحفاظ عليها والتوعية بما تواجهه من تحديَّات، والتصدي لكل ما يشيع في البيئات العربية من تلوّث لغوي. وعلى أية حال فإن السؤال عن جدوى قرارات مجمع اللغة العربية في القاهرة والذي يضم أعضاء عاملين ومراسلين من مختلف أنحاء العالم، سيظل قائماً حتى يجد آلية لوضعها في حيز التنفيذ.