في أطروحة علمية بديعة، وبحث في السنة النبوية نفيس، عشت أجمل لحظات حياتي، وأنا أتصفح رسالة أختي الفاضلة وصديقتي العزيزة الدكتورة منى القاسم «أسئلة الصحابيات للرسول صلى الله عليه وسلم في الأدب» والذي أفدت منه كثيراً في بحثي «حقوق المرأة في ضوء السنة النبوية»الفائز بجائزة الأمير نايف العالمية في السنة النبوية. لقد عكس هذا البحث قيمة المرأة في المجتمع النبوي، والفهم الصحيح لحياء المرأة الذي لم يمنعها من السؤال في أمور دينها، وتعلم أكابر الصحابة منها، حتى قال مسروق: «نحلف بالله لقد رأينا الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألون عائشة عن الفرائض». وعلقت الباحثة الكريمة: «هذا التفوق العلمي الذي بلغته أم المؤمنين عائشة وغيرها في بيت النبوة وضارعن به أفذاذ الرجال، كان ثمرة حب العلم واستشعار مسؤوليته، ولتمكين النبي صلى الله عليه وسلم من سماع الوحي ومدارسته واستفتائه ومراجعته»، فهل زوجة العالم الفذ اليوم تمكن من الاستفادة من علمه كتمكين رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة، أم أن أفقر الناس لعلمه أهل بيته؟ إنك حين تتصفح البحث يروقك فيه الأسلوب الأدبي الراقي الذي يجعلك تقرأ الحديث وكأنك أحد أفراده الذين عاشوا وقائعه، وشهدوا أحداثه، ولاسيما مبحث: «الآداب والضوابط الشرعية للسائلة والمفتي»، لقد امتازت هذه الرسالة بالطرح العصري المؤصل الذي تفتقده أبحاثنا هذه الأيام، القائمة على عملية القص واللزق واستجرار ما في الكتب السوابق في غالبها الكثير إلا من رحم الله. ويشدك للرسالة الانتقاءات المدروسة للحديث، ما يعكس العلمية المتينة للباحثة، والدراسة الحديثية الموسعة لها، وما ختمت به كل حديث من فوائد نفيسة، حتى تخال نفسك تقرأ لأحد العلماء في قرون الازدهار العلمي، لا لباحثة تعيش في زمن كثر فيه الكتاب وقل فيه الكاتب المحترف والباحث المخلص، ومن الملفت لنظر المتخصص ما فتحه الله على الباحثة من فرائد نفيسة وتأملات لا تجدها عند غيرها. إنني حين قرأت البحث تمنيت أن تعيش المرأة في مجتمع نبوي تنعم فيه بحقها المعنوي، فلا تتحرج حرم أكبر مسؤول أن تسأله وتراجعه القول، بل وترفع صوتها عليه لإدراكها وافر عقله وعظيم حلمه، فها هي عائشة تسأل زوجها رسول الله أن يدعو لها، ويراعي غيرتها حين كسرت صحفة الطعام التي أرسلتها إحدى أمهات المؤمنين في يومها في محضر الصحابة فرآها رسول الله فرصة لتعليم الرجال مراعاة فطرة النساء ومداراتهن، فما كان منه إلا أن اعتذر عنها بأوجز عبارة: «غارت أمكم»، ولا يتحرج رسول الله في أن يعلن في حديث يرويه أكابر العلماء عن حبه لخديجة في موقف إنساني نبيل من إنسان عظيم يحمل الوفاء لزوجة ميتة، فكيف بحية؟ حين قال لعائشة: «إني رزقت حبها». تقول الدكتورة منى: «وفي هذا التعبير وصف حبها بالرزق الذي تنعم به معها، ولم يقل: رزقت حبي، فكأنه هو الذي يتشرف بحبها، والقرب منها لا هي، إمعاناً في مودتها والشوق إليها». ويستوقفك البحث عند امرأة تذهب بابنها الذي احترقت يده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرقيه، فيفتح بيته ووقته لها، وعِلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم يفوق علم العلماء النفسيين بنفسية المرأة، وكيفية التعامل معها، حين يأذن بضرب الدف في بيته في يوم العيد، ليعلم الناس أن العيد موضوع للراحة وبسط النفس، ويشبع حاجة النفوس إلى الترويح والترفيه، وغير ذلك من الأمثلة القيمة التي تعكس إيجابية المرأة ونيلها حقوقها مع وافر حيائها وحشمتها. إن مساحة المقال لا تكفي لأن أوفي هذا البحث حقه، لكن أملي في الله أولاً ثم في أختي الفاضلة أن تسارع بطباعته ليقف القارئ على الشيء الكثير الذي لم أذكره عن هذا البحث القيم، وختاماً، هنيئاً للمكتبة الإسلامية بهذا البحث المميز، ولجامعة الأميرة نورة بالدكتورة منى. * داعية وأكاديمية سعودية. [email protected]