احتفلت الطوائف المسيحية في لبنان بعيد الميلاد أمس فعمت الصلوات والقداديس الأديرة والكنائس، وشددت الكلمات على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، وعلى الوحدة والتكاتف بين اللبنانيين. ورأى البطريرك الماروني بشارة الراعي خلال ترؤسه قداس الميلاد في كنيسة السيدة في المقر البطريركي في بكركي، في حضور الرئيس ميشال سليمان، النائبين مروان حمادة ونعمة الله أبي نصر، وحشد من الشخصيات المختلفة والفاعليات أن «واجب الكتل السياسية والنيابية مقاربة المبادرة الجديدة والفعلية الخاصة بانتخاب رئيس للجمهورية بموجب الدستور والممارسة الديموقراطية. فتلتقي هذه الكتل حول المبادرة الجدية المدعومة دولياً، لتدارسها والوصول إلى قرار وطني في شأنها، وإهداء البلاد رئيسها. فلا يمكن بعد اليوم قبول هذا الإهمال الذي لا يشرف أحداً. بل هو آخذ في هدم الدولة ومؤسساتها وقدراتها، وفي إفقار الشعب والتسبب بتهجيره، وفي وضع لبنان على هامش الحياة في الأسرة الدولية». وأشار إلى أنه «في عيد الميلاد تتجه أفكارنا إلى جميع المخطوفين وبخاصة العسكريين المأسورين لدى تنظيم داعش، وإلى مطراني حلب بولس يازجي وحنا إبراهيم وسواهم من كهنة ومدنيين وسائر الأسرى، كلهم يقضون العيد بغصة كبيرة ومرارة في القلب هم وأهلهم وعائلاتهم. ونصلي لإطلاق سراحهم وتحريرهم». وقال: «لا ننسى النازحين والمهجرين والتائهين على الدروب وحدود الدول، سائلين الله أن يظللهم برحمته ويفتح أمامهم أفق الطمأنينة والسلام، ويضع على دروبهم رسل خير ومحبة». وتناول الراعي، إهمال الواجب في المجتمع من قبل المسؤولين الإداريين والمواطنين، وإهمال الواجب الوطني والسياسي، داعياً إلى «احترام القانون والخير العام والحفاظ على البيت المشترك، إضافة إلى واجب السلطة السياسية وهو تأمين كل الظروف والأوضاع التشريعية والإجرائية والاقتصادية والإدارية والأمنية لكي يتأمن الخير العام لجميع المواطنين». تهنئة باسم بري وبعد القداس استقبل الراعي المهنئين بالأعياد فالتقى وفداً من حركة «أمل» برئاسة الشيخ حسن المصري قدم التهاني باسم الرئيس نبيه بري. وقال عن موقف «أمل» من كلام الراعي الداعم لمبادرة ترشيح النائب سليمان فرنجية: «الرئيس بري دعا منذ اليوم الأول وكان في حينها ميشال سليمان لا يزال رئيساً، وقال لدينا فرصة أن العالم ملته عنا فتعالوا ننتخب رئيساً للجمهورية صنع في لبنان ويكون قوياً لأن الرئيس الضعيف لا يبني وطناً ولا يحمي حدوداً». وعما إذا كان فرنجية صنع في لبنان، أجاب: «طبعاً صنع في لبنان. والرئيس بري قال سابقاً نحن مع الرئيس الذي يختاره البطريرك الراعي، وبعدها جمع غبطته الأقطاب الأربعة وتم الاتفاق على أن من يختار منهم يمثل كل لبنان».وقال: «نحن ضد الوسطية في الرئاسة، نحن مع رئيس قوي يبني الوطن لأن الرئيس الوسطي غير قادر على ذلك ونكون مددنا الأزمة». إلى ذلك ترأس رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر قداس الميلاد في كنيسة مار جرجس في وسط بيروت، وألقى عظة سأل فيها: «هل يمكن أن يستثنى لبنان من السعي إلى التفاهم بين مواطنيه، وإلى حل المشاكل العالقة فيه؟ فهل تبقى لنا كرامة ونحن الدولة الوحيدة في العالم التي ليس لها رئيس وذلك منذ ما يقارب السنتين إلى الآن؟ إن في هذا الأمر ضرباً لكل مصالحنا الحيوية». وقال: «ففي ضوء هذا الواقع المرير وبوحي من هذا العيد المجيد، ندعو جميع المسؤولين عندنا إلى يقظة ضمير وإلى التلاقي حول مصلحة بلادهم دون سواها، وهي فوق المصالح الشخصية كلها، فيتفاهموا على حل العقد التي تحول دون انتخاب رئيس وينقذوا سمعة البلاد ويعيدوا لها كرامتها ويبعدوا شبح الضائقة الاقتصادية عن شعبها ويثبتوا شبابها في أرضهم فلا يضطروا إلى الهجرة منها يأساً من حالهم ومن الوضع السياسي المزري الذي يكاد يغمرهم بالخيبة والمرارة». ورأى أن «من غير المسموح به أن نطيل هذا الزمن الضائع والخطير في آن، ولعل شهراً واحداً من الآن يكفي، ولا يجوز أن نقبل بأكثر من أجل وضع الأمور في نصابها الصحيح وانتخاب رئيس جديد للبلاد يعيد إليها الأمل بالمستقبل والقدرة على مواجهة الصعاب. فإن كنا مرتهنين إلى الخارج، وإلى حد المساس بقدس أقداس سيادتنا، فإننا نعلن بذلك إننا، عن قصد أو عن غير قصد، غير أهل لحمل مسؤولية وطن. وإن كانت هناك ارتهانات داخلية، فالأولى أن نقلع عنها وعن مثل هذا التخلف وإلا سبقنا الزمن أشواطاً بعيدة». بوجوده وقال راعي أبرشية طرابلس المارونية المطران جورج بوجوده، في عظة الميلاد: «نصلي كي نصل إلى السلام الحقيقي الذي نتمناه لأنفسنا ولبلدنا العزيز لبنان، في هذه الظروف الصعبة والقاسية التي يعيشها. ليت المسؤولين السياسيين عندنا، إلى أي فئة أو جماعة انتموا، يتذكرون أنهم مدعوون إلى خدمة الشعب وتأمين مصالحه الحيوية، وليس لاستعباده وتفقيره وإيصاله إلى شفير الهاوية، بفعل أنانيتهم وحبهم المفرط للذات وسعيهم الدؤوب لتأمين مصالحهم الشخصية وليس مصالح الشعب، وليتهم لا يستسلمون لإرادة الشيطان المجرب ويصنعون إرادته، لأنهم في النهاية سوف يكتشفون عريهم ومحدوديتهم وعقم تصرفاتهم التي توصل البلاد إلى الهلاك». عودة: للتخلي عن الأنا لمصلحة الجميع وانتخاب رئيس يلتف الجميع حوله قال متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة: «اننا نصلي من أجل أن يلهم الله جميع المسؤولين عن هذا البلد كي يعملوا على انتخاب رئيس للجمهورية يلتف حوله الجميع ويتكاتفون من أجل إعادة العمل إلى مؤسسات الدولة». ولفت عودة في عظة خلال ترؤسه قداس الميلاد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في وسط بيروت الى ان «مشكلة عالمنا أن الإنسان تخلى عن إنسانيته، واصبحنا نعيش في عالم تحكمه المادية وحب المال والسلطة، عالم ضاعت فيه القيم وأمحت الأخلاق وعم الفساد والانحرافات، وعوض المحبة التي تجمع تفشى الحقد والتطرف والتعصب ورفض الآخر المختلف ما أنتج إرهاباً يعم العالم وقد نلنا منه حظنا في لبنان. ولسوء الحظ بات الإرهاب آفة تهدد الأمن في العالم وتمحو معالم الحضارة الإنسانية حتى بات البعض يغتال الحرية باسم الدين أو يسيء استعمال الحرية والدين». ورأى ان «الإرهاب عدو الدين. يحصد أرواحاً بريئة ولا يستثني أحداً. ينشر الرعب بين البشر ويزرع الحقد. الإرهاب لا دين له ولا مذهب. هو جريمة بحق الدين والله وبحق الإنسان والقيم والأخلاق. لذا من واجبنا جميعاً، مسيحيين ومسلمين، رفض التطرف وإدانته لأن الإرهاب ثمرة التطرف كما علينا جميعاً الإعلان عالياً أن لا علاقة للتطرف والإرهاب بالدين بل هما يقضيان على الدين وعلى الإنسان»، معتبراً ان «التطرف الديني قتل للدين وإساءة كبيرة له كما أن تحميل الدين ما ليس فيه يفضي إلى عكس الغاية المرجوة منه». وقال: «المؤسف أنه باسم الدين يتم القضاء على البشر وعلى الحضارات والتاريخ. المتطرفون يريدون الله على شاكلتهم وعلى صورة أحقادهم وشهواتهم قاتلاً وعنيفاً لكن القتل إنكار لله لأن الله محبة». وأكد عودة ان «ما نحتاجه في لبنان أن يحب واحدنا الآخر وأن يقبله أخاً في الإنسانية وفي الوطن على رغم اختلاف الدين والرأي، وشريكاً حقيقياً في ورشة بناء الوطن. نحتاج إلى حوار صادق وتواصل بين فئات المجتمع بعيداً من المصالح والارتباطات لأن مصلحة الوطن تتقدم على كل المصالح». وسأل: «عندما ينشد اللبنانيون نشيدهم الوطني كلنا للوطن هل يشعرون فعلاً أنهم للوطن لا لأنفسهم أو لأحزابهم أو لانتماءاتهم وطوائفهم أو لمصالحهم... ألا يدرون أنها كلها زائلة إن زال الوطن؟». وقال: «نحن في حاجة إلى الخروج من تخلف العصبيات والمحسوبيات إلى أفق الوطن الواحد والولاء الوحيد للوطن واحترام الكرامة البشرية والحرية الفردية في ظل دولة قوية عادلة. نحن في حاجة إلى محاربة الجهل بالعلم والثقافة والتطور وإلى محاربة الفساد بالشفافية والمثابرة وإلى محاربة التطرف بالإيمان الحقيقي»، داعياً «الجميع إلى تخطي المصالح والأحقاد والإجتماع على حب لبنان وإعادة الحياة إليه». وتوجه الى الشباب قائلاً: «لا تقترفوا أخطاء من سبقكم. أنتم دعائم التغيير والتقدم، أنتم أمل الغد ورجال المستقبل. لا تكونوا خرافاً يقودونكم حيث يشاؤون بل اتعظوا من أخطاء الماضي لتبنوا مستقبلاً مشرقاً. إنه وقت العمل والتضحية وقت إنقاذ الوطن الذي يجمعنا جميعاً مسيحيين ومسلمين. لتكن هذه الأعياد المباركة مناسبة لنا للعودة إلى الضمير والقيام بالواجب تجاه وطننا. لبنان لنا جميعاً ومن واجبنا الحفاظ عليه لؤلؤة مضيئة في سماء هذا الشرق». وأشار الى ان «لبنان في حاجة إلى محبتنا له ولبعضنا البعض إلى تواضع كل منا والتخلي عن أناه لمصلحة الجميع وبذل كل الطاقات من أجل إعادة الحياة الديموقراطية إليه». بسترس: لقانون عادل للانتخاب ولفت راعي أبرشية بيروت وجبيل وتوابعهما للروم الملكيين الكاثوليك المتروبوليت كيرلس بسترس في قداس الميلاد في كنيسة المطرانية- طريق الشام، إلى أن «هذه السنة يقع عيد الميلاد الإلهي مع عيد المولد النبوي الشريف»، داعياً الى «تجديد تصميمنا على العيش الواحد بين المسيحيين والمسلمين في هذا الوطن الذي ليس مجرد وطن، إنما هو رسالة للشرق والغرب معاً، ونرجو أن يتحد اللبنانيون وعلى رأسهم المسؤولون في الدولة، لانتخاب رئيس للجمهورية ووضع قانون عادل للانتخابات النيابية». وأشار الى أن «مؤسسات الدولة، مع الأسف، مجمدة في معظمها ولم يبق لنا سوى الجيش اللبناني الواحد الرابض على الحدود والذي يحمي الوطن من هجمات المتطرفين الذين لا دين لهم ولا وطن. ونطلب الرحمة لشهدائه، ونؤيد خطواته وخطوات سائر القوى الأمنية وجميع المواطنين ذوي الإرادة الصالحة الذين لا يسعون إلى مصلحتهم الخاصة، بل ينظرون أولاً الى مصلحة الوطن ويتعلمون من طفل المغارة التواضع والتجرد وبذل الذات، من أجل بناء حضارة السلام والمحبة».