لا تستطيع الروائية اللبنانية نجوى بركات أن تخفي سعادتها بما حققه محترفها «كيف تكتب رواية؟» في باكورة نتائجه وهي أربع روايات لثلاث شباب لبنانيين هم الصحافية في جريدة «السفير» رشا الأطرش، والزميلة في «الحياة» رنا نجار، ومهندس اتصالات والكترونيك هلال شومان الذين سيتوّجون مساء اليوم روائيين في احتفال تقيمه «بيروت عاصمة عالمية للكتاب» و«دار الساقي» في رعاية وزارة الثقافة اللبنانية، في صالة «ميتروبوليس – سينما أمبير». وإذا كانت الدعوة الموجهة تتحدث عن إعلان الفائز في المحترف وتوقيع الرواية الفائزة، فإن من يتحدث إلى نجوى بركات مديرة المحترف يستشف أن الروايات الثلاث تعتبر فائزة، وأن «دار الساقي» ستتبنى نشرها. وتقول بركات ل «الحياة»: «في الحفلة سيعلن اسم أفضل رواية لكن مستوى الروايات الأخرى جيد جداً وهي ليست أقل مما ينشر». وتتحدث بركات عن تحقيقها «حلماً» بمساعدة شبان على كتابة رواية، وتقول: «لا تستطيع أن تصدّق كم أنا سعيدة... التجربة أنجزت مثلما تخيلتها من الألف إلى الياء، وتحقق عبرها أنني لم أكن مخطئة باقتراح عمل كهذا على مستويين: الأول هو امكان مساعدة أشخاص لديهم موهبة على كتابة رواية، وان هذا ليس كلاماً في الهواء، والثاني هو أن لدي إيماناً عميقاً بأننا يمكننا أن نصنع، وهناك ضرورة لإعادة التجربة وأتمنى ان أكررها». وتضيف: «هذه المرة توافرت الشروط لانجاح التجربة: جهة رسمية ممولة أي وزارة الثقافة وأتمنى أن تكرر التجربة، دار نشر وهي دار «الساقي» لديها استعداد ليس فقط لتبني كتّاب جدد بل أن تسهم في إيجادهم أيضاً، وكذلك المحترف... أتمنى أن تعاد التجربة بكل تأكيد». واللافت أن الذين تخرجوا في المحترف لا تقل سعادتهم عن سعادة بركات، وهم جاءهم هذا المشروع في «الوقت المناسب» لينفذوا مشاريع روائية راودتهم. تصف الزميلة في مكتب «الحياة» في بيروت رنا نجار، المحترف بأنه ك «الأم» التي تعلّم وليدها كيفية المشي ونقله من مرحلة الحبو (الدبدبة) الى الركض، خصوصاً أن نجوى بركات «كانت مشجّعة لنا وتبثّ فينا جرعات من التفاؤل قبل كل شيء. ما مكّننا من الاستمرارية والمثابرة». لطالما تساءلت رنا كيف ستبدأ الكتابة الأدبية وهو مشروع كانت تؤجّله دائماً «لكن مع هذا المحترف استطعت على الأقل أن أبدأ وأجرّب وأتمرّن تطبيقياً على كيفية بلورة الأفكار الكبيرة واستنباط الشخصيات وتقنية السرد والتدقيق في التفاصيل والبعد عن الحشو». وتتحدث عن عامل الثقة الذي «منحتنا إياه بركات، ما جعلنا نسلّم كل ما لدينا لها». وتقول: «الكاتب يكون عادة أنانياً ويستغّل كل ما من حوله لكتاباته. أما بركات التي بنت علاقة وثيقة معنا وصارت صديقة، كانت وفية لكل كلمة نكتبها ولكل فكرة نطرحها. ولم تنسَ أن توجّهنا من دون أن تتدخّل في المادة أو تفرض رأيها. لكن الأهم أننا خضنا التجربة، فلا تُخاض الحروب من البيوت. المهم أن نبدأ، وها نحن صرنا على خارطة الأدب وإن كانت تجربتنا متواضعة ومبتدئة». اختارت رنا أن تدخل في روايتها الى عالم المراهقين وعذاباتهم وأحلامهم ونظرتهم للأمور من منظار آخر، وهو موضوع قلّما طرحته الرواية العربية. فتسرد في روايتها ذكريات مراهقين هما ريم وجاد اللذين قرّر أبوهما إرسالهما الى مخيّم صفيّ، لتكشف وتعرّي التناقدات الاجتماعية والطبقية والطائفية في المجتمع اللبناني، بلغة الأطفال البسيطة والحادة في الوقت نفسه. وتشير رنا إلى أن المشكلة الوحيدة التي عانت منها هي الالتزام بالوقت. وتؤكد أن «الكتابة فعل مزاج، وتحتاج الى صفاء ذهني. وأحياناً لا يمكننا الالتزام بمهلة محدّدة، خصوصاً أنني أعمل في أكثر من مجال في الوقت نفسه. لذا لم أكمل روايتي التي وعدت دار الساقي بنشرها لاحقاً، ومازلت أعمل على الفصلين الأخيرين». أما رشا الأطرش فراودتها فكرة كتابة رواية طوال سنتين من دون ان تقدم على ذلك، ولكن حين أعلن عن المشروع رأت فيه «حافزاً» للانطلاق خصوصاً أن القائمين عليه هما: دار الساقي والروائية نجوى بركات. وتقول ل «الحياة» عن تجربتها: «اكتشفت من خلال الالتزام أن هناك شيئاً يمكن المرء أن يكتسبه، وأن المسألة لا تقتصر على الموهبة. هناك تقنيات ومهارات تكتسبها لأن الرواية كالبناء تحتاج إلى أساسات وأعمدة ثم ترصف الطوابق بعضها فوق بعض في شكل متلازم ومجانس حتى يصنع كلاً متماسكاً». وتوضح الأطرش أن الرواية التي عملت عليها لم تكن هي الفكرة التي كانت في بالها من قبل، بل بنتها ك «فكرة مشروع» من أجل الاشتراك في المحترف، ثم طورتها لتصبح رواية ترفض كشف عنوانها. لكنها تقول إن عالمها نسائي ولكن ليس بحتاً، فالرواية عن صبية تعمل في محل لبيع مستحضرات التجميل، وهذا عالم قائم بذاته بالنسبة إليها كما أنه عالم ثانٍ في الوقت نفسه. فهي تبحث عن ذاتها الكاملة بينما محيطها يعيش نصف حالات، وهي تريد أن تكمل الحياة المترابطة المتكاملة، ومن خلال هذه العملية تكتشف أموراً عن نفسها وعن الناس. ولا تختلف رؤية شومان كثيراً، فهو على رغم أن له تجربة سابقة في الكتابة اذ نشر رواية بعنوان «ما رواه النوم»، لكنه يتحدث عما اكتسبه في المحترف في كتابة الرواية أي «الحبكة». وقال: «الآن لم يعد لدي خوف من أن يسيطر عليّ النص كما كانت حالي قبل أن أمر في المحترف. في البداية كان لدي خوف من أن تؤثر فينا نجوى بأسلوبها، لكنها كانت دقيقة جداً في تعاملها معنا وفي حواراتها حول الفكرة ولم تتدخل كثيراً ... الآن أصبح لدينا تجربة يمكننا أن نبني عليها». ويوضح شومان أن فكرة روايته بقيت هي نفسها قبل مشاركته في المحترف لكن المقترح «كان مختلفاً ووجود نجوى سهّل علينا كثيراً معالجتها بعد نقاشات وحوارات ساهمت في تشذيب الفكرة وازالة شخصيات كان يمكن أن تسيطر على الشخصية الأساسية للرواية». ويوضح أن روايته تتركز على «شخص يستيقظ كل صباح ولا يذكر ما جرى معه أمس ويشعر بأوجاع، ثم من خلال البدء باكتشاف المحيطين به وما حصل معه، يبدأ الشعور بالتفاصيل المحيطة به وبالأشخاص الذين يظهر مدى تأثيرهم في حياتنا من دون أن نشعر، ونكتشف ذلك حين يغيبون عنا».