أطلق لبنان أمس، خطته الثالثة للاستجابة اللازمة المتعلقة بتداعيات الحرب في سورية على لبنان خلال العام المقبل، وذلك في احتفال أقيم في السراي الكبير بمشاركة محلية ودولية. وجدد خلاله رئيس الحكومة تمام سلام ما كان طالب به مجموعة الدعم الدولية للبنان التي عقدت اجتماعها الأخير في نيويورك، ب «مساعدة لبنان كي يساعد نفسه». وقال سلام: «قبل سنة أطلقنا، وسط كثيرٍ من الآمال، خطة لبنان للاستجابة للأزمة للعام 2015 في حضور الأمين العام المساعد للأمم المتحدة يان إلياسون. جاءت الخطة يومها، ثمرة جهودٍ كبيرةٍ قامت بها الوزارات اللبنانية المعنية، وفي طليعتها وزارة الشؤون الاجتماعية وفريقها الكفوء الذي يقوده الوزير رشيد درباس. وما كان لهذه الجهود أن تصل إلى ما وصلت إليه، لولا المساهمة الكبيرة لأسرة الأممالمتحدة في لبنان، التي أدركت بصورة مبكرة أهمية المساعدة ذات الأهداف التنموية، والتي بات يطلق عليها اليوم اسم «تحسين ظروف عيش» النازحين». وقال سلام: «بعيداً من الدراسات والخطط وخرائط الطريق العديدة، فإن الواقع يقول إن لبنان في حاجة إلى مساعدات مالية مخصصة لأهداف تنموية ولمشاريع البنى التحتية، من شأنها تحفيز النمو وإيجاد فرص عمل، مع ما يعنيه هذا وذاك من تراجعٍ للفقر وما يفرزه من مخاطر». وشدد على مطالبة «الجهات المانحة باستنفار جدي وحقيقي. وما لم تتم زيادة المساعدات المالية فعلاً، ويتم دفعها فعلاً، ويتم توجيهها بطريقة شفافة نحو ما تعتبره الحكومة اللبنانية أولويات حقيقية للبلاد، فإن كل هذه الجهود لن تثمر، في أحسن الأحوال، سوى في تغطية جزء بسيط من الحاجات المطلوبة». ووجه نداء إلى جميع المعنيين الذين ستصلهم الخطة قال فيه: انظروا إلى هذه الوثيقة وتعاملوا معها من دون إغفال ما يعتبره لبنان أولوياته الوطنية. أقول ذلك لأننا ننظر إلى حجم المعونة المالية التي قدمت وتقدم إلى الأردن وتركيا بالمقارنة مع ما قدم إلى لبنان، لنسأل أين أخطأ لبنان والشعب اللبناني في التعامل مع الأشقاء السوريين النازحين؟ الجواب الذي أعتقد أنكم جميعاً توافقوننا عليه، لبنان لم يخطئ، لبنان بحجمه وقدراته قدم أكثر من المستطاع وأكثر من أي دولة أو جهة أخرى». وأكد أن «العالم بأسره يعرف هشاشة وضعنا الاقتصادي بالمقارنة مع الدول التي أصابتها موجات النزوح السوري، ويعرف أننا نستضيف في مدننا وقرانا ومدارسنا ومستشفياتنا وبيوتنا ما بات يفوق ثلث عدد سكان لبنان، ومازلنا نعول على تفهم الدول الصديقة والجهات المانحة، المترتبات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتربوية والأمنية لهذا الحجم الهائل من النزوح، ونأمل أن يتمكن المؤتمر المقبل في لندن من تخطي هذا التقصير بحق لبنان»، مشيراً إلى أن كل الجهود «علاجٌ مؤقتٌ لحال يجب ألا تدوم. والحل الجذري يكمن في وقف حمام الدم في سورية وتسوية الأزمة السورية، الأمر الذي يفتح الباب أمام عودة جميع النازحين الى بلدهم. ونقول لمن يريد أن يسمع: إن توطين النازحين غير وارد في حساباتنا ولا في حسابات إخواننا السوريين». درباس وقال الوزير درباس إن «ما أن بدأ لبنان يضع يده على آثار الكارثة الوطنية والقومية والإنسانية، حتى راح ينبه بأن المقاربات التي اتبعت منذ الدفق الأول للنازحين لم تعد صالحة لاستيعاب آثار الجريمة المستمرة المتمثلة بالمذبحة والتهجير والاقتلاع والتدمير المنهجي للمدن والقرى، وتفتيت البنى الاقتصادية والمجتمعية، وتشريد الأطفال والنساء في أصقاع البؤس، وتحميل الدول المضيفة أعباءً غير مسبوقة ولا قِبَلَ لها بها، ولم يكن لها فيها أي إرادة أو دور». وقال: «يحق لنا اليوم أن نقول إن سوء التقدير يعتبر من قبيل الخطأ الجسيم، والخطأ الجسيم يعادل سوء النية كما في لغة القانون. لا يزال معظم الجهد الدولي حتى الآن ينصبّ على أعمال الإغاثة فيما الأمر تخطى هذا المفهوم، لأن الإغاثة في حقيقتها إجراءات عاجلة لأحداث تستغرق وقتاً محدوداً، أما الأزمة السورية فهي براكين متوالدة ومتعاظمة تزلزل الشرق الأوسط وتقذف حممها على العالم كله. من هنا كان قولنا إن الفوضى والإرهاب، كما الريح وأشعة الشمس والعواصف والأوبئة، لا تعترف بالحدود، والعالم كله متشارك الآن». ولفت إلى أن خطة العام 2016 «تقوم على تعزيز الشراكة بين جميع الأطراف من خلال إدارة الخلية الوزارية الخاصة بملف النزوح وإعطاء الدور الرئيس في التنفيذ للوزارات ذات الصلة بتسعة قطاعات تمثل العمود الفقري لعملية الاستجابة»، منوهاً ب «فريق العمل في وزارة الشؤون والشراكة الرصينة والدؤوبة من قبل المنظمات الدولية بقيادة المايسترو الصديق العزيز فيليب لازاريني، خلف الصديق الكبير للبنان روس ماونتن». وأشار إلى أن الخطة «تهدف إلى تطوير نهج متكامل ذي مسارين، الأول على المدى القصير (سنة واحدة) والثاني على المدى المتوسط (4 سنوات) لضمان توفير المساعدة الإنسانية والحماية للفئات الأكثر ضعفاً، وتعزيز القدرات المؤسساتية ونظم تقديم الخدمات بما يضمن الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وفقاً لأولويات الحكومة اللبنانية، ما يفضي إلى إعادة وضع أطر تمويل جديدة لدعم المجتمعات المضيفة، عن طريق المساهمة في مشروعات استثمارية كبرى تصون اقتصادها من التهاوي وتستوعب الطاقة الإنتاجية للمواطنين ولبعض النازحين بخلق أسواق للعمل، بما تجيزه القوانين المحلية، لإتاحة الفرصة لهم لإنتاج أسباب حياتهم، بدلاً من انتظار الصدقات المتزايدة البرودة». تكاليف الخطة وإذ تحدث درباس عن استضافة لبنان «حوالى 1.5 مليون من النازحين»، لفت إلى أن «خطة السنة الماضية لحظت مبلغ بليونين و140 مليون دولار ككلفة لتنفيذها، إلا أنه لم يتحقق من هذا المبلغ سوى أقل من النصف. ومع ذلك لم نفقد الأمل بالأصدقاء من المجتمعَين العربي والدولي لتمويل تكاليف خطة لبنان للاستجابة للأزمة للعام 2016 بمبلغ 2.48 بليون دولار». وتحدث عن البحث عن روافد أخرى «كان آخرَها المشروعُ الذي طرحتُه على مؤتمر وزراء الشؤون الاجتماعية العرب، مع المملكة الأردنية الهاشمية، وموضوعه إنشاء صندوق عربي مستقل لاستيعاب آثار الأزمة الاجتماعية السورية، ولقي ترحيباً من كل من المملكة العربية السعودية والسودان وقطر ومصر ووافق المؤتمر على إحالته إلى الأمانة التنفيذية ليكون على جدول أعمال المؤتمر المقبل. ونعول كثيراً الآن على مشاركة صندوق التنمية الكويتي وفرسان مالطا ووجدنا اهتماماً من المملكة المتحدة». وشدد على أن «الدولة اللبنانية على موقفها بالنأي بالنفس عن الصراع الدائر في سورية وتؤكد أن الحل السياسي يلمّ الدولة السورية وجيشها ومجتمعها، ونأمل أن يعي المجتمع الدولي ما حدث وما يمكن أن يحدث في المنطقة من تداعيات، وأن يعمل وبشكل سريع وحازم على إيجاد حل للأزمة».