رأيت في الصحف الغربية صورة أم إسرائيلية تنتحب فوق نعش ابنها. ميريام بيريتز كانت تبكي ابنها الضابط الذي قُتل خلال توغل في غزة. لا أحد يفرح بمنظر أم تبكي ابنها إلا إذا كان عضواً في الائتلاف النازي الذي هو حكومة إسرائيل، وكان الميت طفلاً فلسطينياً آخر. حولت نظري بسرعة عن صورة الأم الإسرائيلية الباكية، وأغمضت عيني وفكرت في أم فلسطينية بكت مثلها. منذ 29/9/2000 فقط بكت خمسة آلاف أم فلسطينية، وقلّة منهن بكت على مقاتل، فالغالبية العظمى من الضحايا كانت من المدنيين، ومن بين هؤلاء 1500 قاصر، أي دون 15 سنة (مقابل 135 قاصراً إسرائيلياً في الفترة نفسها). أو ربما فكّرت في عشرات ألوف الأمهات العراقيات اللواتي راح أبناؤهن ضحية حرب أسبابها نفطية وإسرائيلية. هل أزيد، على هؤلاء النشطة، الأميركية في سبيل السلام راشيل كوري التي قتلتها عمداً جرافة إسرائيلية صدمتها ومرت على جسدها وهي تحاول منع هدم البيوت في غزة قبل سبع سنوات؟ وكم غيرها من دعاة السلام قتلهم الإسرائيليون وابكوا أمهاتهم. مَن يعش بالسيف يمت بالسيف. ولعل ميريام بيريتز ما كانت فجعت بابنها اليراز لو أنه لم يدخل قطاع غزة الذي حوله الإسرائيليون الى معسكر اعتقال نازي في الهواء الطلق. أو ربما ما كانت بكت لو أن يهود أوروبا بقوا حيث هم ولم يأتوا الى فلسطين ليسرقوا أرضها من أهلها تحت ستار خرافات دينية وأكاذيب ليس لها أثر في أي تاريخ. إسرائيل دولة احتلال مجرمة ما كان يجب أن تقوم أصلاً، إلا أنها قامت بالقوة واستمرت بالقوة، وعندما قبل الفلسطينيون 22 في المئة من أرضهم لم يقبل النازيون الجدد في إسرائيل. كيف يمكن أن يُتهم انسان يحاول تحرير أرضه المحتلة منذ 62 سنة ومنذ 43 سنة بأنه إرهابي، ثم يزعم القاتل المحتل انه من أول جيش أخلاقي في العالم. الاتجار بالمحرقة، وبما ارتكب الغرب المسيحي بحق اليهود، ونموذج الضحية اليهودي في عالم عنصري معادٍ أصبحت من الماضي، فصورة إسرائيل اليوم هي أنها دولة عنصرية، دولة أبارتهيد على طريقة جنوب افريقيا القديمة. حتى الإدارة الأميركية (ان لم يكن الكونغرس) بدأت تتراجع عن تلك «العلاقة الخاصة» التي دمرت سمعة أميركا حول العالم وأضرت بمصالحها في الشرق الأوسط وخارجه. وكلنا سمع كيف أهان باراك أوباما ضيفه بنيامين نتانياهو وتركه يكمل كذبه على مساعدي الرئيس، إلا أن هذا لا يحتاج الى تكرار اليوم، فأختار من شهادة للجنرال ديفيد بيتريوس، قائد القوات المركزية الأميركية، أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ. هو قال (واترجم حرفياً): ان انهاء النزاع بين اسرائيل وبعض جيرانها يمثل تحدياً واضحاً لقدرتنا على تحقيق مصالحنا... التوترات الإسرائيلية - الفلسطينية أحياناً تنفجر عنفاً ومواجهات مسلحة واسعة المدى. هذا النزاع يغذي شعوراً معادياً للأميركيين لأن هناك انطباعاً بانحياز الولاياتالمتحدة لاسرائيل. والغضب العربي بسبب القضية الفلسطينية يحدّ من قوة وعمق شراكة الولاياتالمتحدة مع حكومات وشعوب في المنطقة ويضعف شرعية الأنظمة المعتدلة في العالم العربي. في غضون ذلك القاعدة والجماعات المتطرفة الأخرى تستغل الغضب لحشد التأييد لها. والنزاع يعطي إيران أيضاً نفوذاً في المنطقة من طريق عملائها مثل حزب الله في لبنان وحماس...». الجنرال بيتريوس خرج من العراق «منتصراً»، واسمه يطرح باستمرار مرشحاً للرئاسة الأميركية، مع أنه ينكر ذلك، وهو يلتقي مع الرئيس أوباما في تقدير حجم الضرر الذي يلحقه التأييد الأميركي الأعمى بمصالح الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط، وبين 1.2 بليون مسلم. بل بين شعوب العالم، فعندما ينتصر وزراء خارجية اسكندنافيون ورئيس البرازيل (لن أذكر هنا كوبا أو هوغو تشافيز) للفلسطينيين تتحول صورة اسرائيل من ضحية الى قاتل. وهذا مع اضعاف المعتدلين العرب من أجل دولة لصوص. نحن العرب قلنا عن إسرائيل ما أصبح العالم كله يقوله، وبيتريوس كان يتحدث من منطلق اهتمامه بمصالح بلاده، إلا أنه عبّر عن رأي بقية العالم. أو رأيي أنا فلا أزيد سوى أن الميجر اليراز بيريتز ما كان ليقتل لو ان اسرائيل عملت للسلام بعد قيامها في أراضي الفلسطينيين. فالرصاصة أطلقها فلسطيني إلا أن القاتل الحقيقي هو السياسة الإسرائيلية التي ان لم تكن قتلاً فهي استيطان مجرم يختبئ وراء خرافات دينية لم يعد يصدقها اليهود، كما نرى من كتب المؤرخين الإسرائيليين الجدد. ربما يأتي يوم يحل فيه سلام (لن يكون منصفاً للفلسطينيين)، إلا أنه لن يكون مع حكومة اسرائيل الحالية، ودم كل قتيل على الجانبين يلطخ يديها. [email protected]