لم يكن ليخطر في بال أحد من السوريين أن الرحلة إلى «النعيم» الاوروبي، هرباً من جحيم الحرب، قد تحملهم إلى... القطب الشمالي، ليخوضوا رحلة غريبة وطويلة، لكنها ليست خطرة، عكس الطرق الأخرى نحو أوروبا. حوالى 200 لاجئ يعبرون يومياً حاجز «كيركينيس» الحدودي بين روسيا والنروج، بعد يوم شاق وطويل يقفون خلاله ساعات على ثلاثة مراكز حدودية روسية، أولها تابع للشرطة والثاني لحرس الحدود وفي الثالث قوات مشتركة تابعة لإدارتَي الجمارك والحدود حيث يضع رجال الأمن تأشيرة الخروج الأخيرة على جوازات سفر المغادرين، الذين يكملون رحلتهم الغريبة نحو المركز الحدودي النروجي على... دراجات هوائية. وتبدأ رحلة الهجرة من مطارات موسكو، حيث يستقلّ اللاجئون طائرة إلى مدينة مورمانسك في أقصى شمال غربي روسيا، ومن هناك ينتقلون بسيارات أجرة إلى المنطقة الحدودية. وفي الأحوال العادية، كان سائقو سيارات الأجرة الروس ينقلون المسافرين إلى الجانب النروجي، ولكن منذ مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أبلغهم الجانب النروجي رسمياً قرار سحب ترخيص أي سائق ينقل لاجئين، ما دفع المهاجرين إلى ابتكار فكرة عبور نحو 150 متراً تفصل بين آخر مركز حدودي روسي ونقطة العبور النروجية، على دراجات هوائية، بعدما زاد عدد قاطعي هذا الطريق من المهاجرين، من 7 أشخاص فقط في حزيران (يونيو) الماضي، إلى ألف شخص خلال أيلول (سبتمبر)، قبل أن يتراجع إلى معدل 200 شخص يومياً خلال الشهرين الأخيرين. وقال لاجئون عبروا هذا الطريق ل «الحياة» إن الطرفين الروسي والنروجي يدركان أن «حيلة» الدراجة ليست سوى وسيلة لتجاوز الحظر المفروض على قطع المسافة بين المركزين مشياً على الأقدام. وسهّل انتشار الظاهرة، عدم وجود بند في القانون يحظّر ذلك، كما تحوّل الأمر إلى «بزنس» لدى الجانب الروسي، خصوصاً أن النروجيين يعيدون الدراجات المتسلّلة إلى أراضيهم، إلى الروس بعد استقبال ركابها. ويسهل على «اللاجئ» الذي «نسي» شراء دراجته في مدينة مورمانسك الروسية القريبة من الحدود، بسعر لا يزيد عن مئة دولار اميركي، أن يساوم رجال الأمن الروس ويحصل، بضعف ذاك السعر، على دراجة تركها من عبروا قبله. وعلى رغم أن اتفاقات الحدود تمنع الروس من السماح بمرور أفراد لا يحملون تأشيرة دخول أوروبية، «تتغاضى» موسكو عن الأمر، ما أثار استياء أوسلو المقيّدة بنص قانوني يحظّر على حرس الحدود إعادة طالب لجوء، قبل تحويله إلى المراكز المختصة بفحص أوراقه والتثبّت من وضعه. لكن الروس سعوا، بعدما ذاع صيت المعبر وزاد الإقبال عليه من حملة جنسيات مختلفة من طالبي الهجرة، ومعظمهم ليس من السوريين، بل من الأفغان والباكستانيين، إلى مواجهة الظاهرة، من خلال إعادة من يشتبهون بدخوله إلى مطاراتهم طلباً للهجرة إلى اوروبا، ولو كان يحمل تأشيرة قانونية صادرة عن السفارات الروسية. أما النروج فلوّحت بتدابير لرفض لجوء من يثبت أنه أقام فترة في روسيا، و «استغل» موجة اللجوء للانتقال إلى أوروبا.