يعيش معظم الشباب المسيحيين العراقيين الذين تم تهجيرهم قسراً من الموصل قبل عام تقريباً في العاصمة الأردنيةعمان، على ما تقدمه مفوضية اللاجئين وجمعيات كنسية من مساعدات شحيحة، في الوقت الذي لا يستطيعون فيه العمل، بسبب القوانين التي تحرم العمل على غير الأردنيين. وتغلق أمام هؤلاء الشباب أبواب الدول الأوروبية، لكونهم في الغالب غير مسجلين كلاجئين، ولا يعيشون في مخيمات معترف بها دولياً كما جاءت قضية «الحفاظ على مسيحيي الشرق» لتصعب هجرتهم أكثر. ودخل معظم هؤلاء الشباب مع أسرهم إلى الأردن كمسافرين، وتعيش غالبيتهم في شقق مفروشة أو مساكن موقتة تابعة للكنائس. ولم يكن الأردن يطلب سابقاً من العراقيين، وقبل إغلاق الحدود من الجانب العراقي منذ أربعة أشهر، تأشيرات لدخول أراضيه، ما شجع جميع من يتعرضون للاضطهاد إلى السفر إليه والإقامة فيه. ويقدر عدد المسيحيين الذين غادروا مدينة الموصل بعد أن استولى عليها تنظيم «داعش» الإرهابي في يونيو (حزيران) عام 2014 وصادر أملاكهم وباع الكثير منها، بحوالى خمسين ألف شخص، كان نصيب الأردن منهم حوالى 8 آلاف. ويعيش اللاجئ الأربعيني سلطان وأسرته ظروفاً مالية قاسية لم يعتدها، في الوقت الذي لا يملك فيه أي خيار لإنقاذها مما هي فيه، فهو كما يقول لا يستطيع الاستمرار في أي عمل أكثر من أيام قليلة، بسبب ملاحقة مفتشي العمل للأجانب. ولا يمكن أن تغطي المساعدات الشحيحة التي تتلقاها أسرته حاجاتها في الوقت الذي تقف أجور الشقة التي تتقاسمها ثلاث عائلات مع عائلته شوكة في حلقه بشكل شهري. غير أن ما يجبره على تحمل هذه المشاق والظروف الصعبة هو غياب الأمل بالعودة، بعد أن استولى التنظيم الإرهابي على أملاك عائلته، ولم تعد تملك شيئاً أو حتى منزلاً ترجع له. وفي المقابل لا يقوى سلطان على أن يهاجر وعائلته التي تضم طفلين لم يتجاوزا بعد الأربعة أعوام إلى أوروبا في شكل غير شرعي خوفاً عليهما. ويشير إلى أنه فكر كثيراً بالهجرة غير الشرعية عن طريق البحر من خلال تركيا، لكنه أولاً لا يملك المال الكافي لتمويل هذه الهجرة، وثانياً فإن الخوف على طفليه جعله يتراجع عن هذه الفكرة التي تراوده منذ عام تقريباً. بيد أن اللاجئ الياس يؤكد أن هاجس الغرق يلاحقه كلما فكر بالهجرة غير الشرعية إلى الدول الأوروبية عن طريق تركيا، مضيفاً أن هذا النوع من الهجرة هو ضرب في المجهول، مشيراً إلى انه وعلى رغم الفاقة والبطالة التي يعيشها في عمان، إلا انه «أصبح بيني وبين شوارعها ألفة». ويؤكد أن الحياة في عمان، بعد أن وجد عائلتين من أقاربه تتقاسمان معه إيجار الشقة والسكن أصبحت جميلة، غير أن ما ينغصها الغلاء وقلة المال، مشيراً إلى أنه هرب إلى الأردن ب «ملابسه فقط». ولا ينفي الياس انه كان يظن أن العالم، وبخاصة العالم الغربي، سيتعاطف مع قضيتهم ولن يتركهم، لا سيما انهم لاجئون مسيحيون عانوا من اضطهاد تنظيم إرهابي. أما العشريني جورج الذي يملك الحماسة للمغامرة وخوض غمار الهجرة غير الشرعية الى أوروبا عن طريق البحر، فيؤكد أنه لا يملك الجرأة على ترك والديه الطاعنين في السن وقد ألمت بهما الأمراض المزمنة يواجهان حياة اللجوء في عمان. وقال جورج انه وعائلته فقدوا كل ما يملكون من سيارات وعقارات استولى عليها تنظيم «داعش» بعد لجوئهم من الموصل، مشيراً الى أنه يشعر بالخذلان من الموقف الأوروبي تجاههم، بخاصة أن دول الغرب لم تفتح باب اللجوء لهم، على رغم مرور أكثر من عام على مغادرتهم بلادهم. وأضاف أن عائلته تقاسم السكن في شقة في عمان يبلغ إيجارها الشهري حوالى 600 دولار، في الوقت الذي لا تتلقى فيه مساعدات تزيد على هذا المبلغ. وأشار إلى انه ما زال ينتظر دوره لدى المفوضية لتسجيل اسمه وعائلته كلاجئين. وبحسب ممثل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة آندرو هابر فإن اللاجئين المسيحيين العراقيين الذين يتجاوز عددهم الخمسين ألفاً لا يعتمدون في معيشتهم سوى على مساعدات المفوضية الشهرية الضعيفة، بسبب ضعف التمويل، اضافة الى مساعدات كنسية ضئيلة. واوضح جورج: «ما يضاعف معاناتنا اننا لا نجد عملاً، بسبب البطالة التي يعاني منها الشباب الاردنيون أصلاً، ومنع القوانين الأردنية اللاجئين من العمل». واعتبر هاربر أن اللاجئين المسيحيين العراقيين ليس أمامهم سوى الانتظار في عمان التي توفر لهم الآمان الذي افتقدوه في بلادهم، في الوقت الذي تغلق أمامهم أبواب الهجرة الشرعية إلى أوروبا.