يتطلع مسيحيون عراقيون لجأوا أخيراً إلى الأردن واستقروا في الكنائس إلى هجرة طويلة بعدما فقدوا الأمل في العودة إلى بلادهم، بسبب الظروف الصعبة التي يشهدها العراق. وقال كرم (38 سنة) «منذ عام 2003 ونحن نعيش كالبدو نتنقل من منطقة إلى أخرى، لكن الأحداث الأخيرة هي الأسوأ». وأضاف: «إننا نتطلع إلى الهجرة إلى أي بلد أجنبي يحترم حقوقنا كبشر». وتحدث كرم ل»الحياة» من داخل غرفة كبيرة خصصت لإطعام اللاجئين في دير المسيحيين الكاثوليك شرق عمان، وهو واحد من عشرات آلاف المسيحيين الذين فروا بأرواحهم من جحيم العراق. وأكد أنه هرب من بلدة المشراقة ذات الغالبية المسيحية إلى أربيل، وأنه قلق على مصير والديه بعدما تقطعت بهما السبل، وقد أتلف تنظيم «الدولة الإسلامية» وثائق سفرهما. وتابع: «فقدنا كل شيء (...) أموالنا ومنازلنا وسياراتنا كلها صودرت، حتى أن الكثير غادر إلى أربيل سيراً على الأقدام (..) كانت رحلة شاقة ومؤلمة. في أربيل عشنا أوضاعاً صعبة بسبب نقص المساعدات (...) الوضع هنا أفضل، لكن نريد أن نعيش، لن نعود لنقتل مرة أخرى». ولا يختلف حال مشرق ( 22 سنة) الذي فر هذا الأسبوع من قرقوش كبرى البلدات المسيحية. قال: «هربنا إلى أربيل ومن ثم إلى الأردن ونفكر حالياً باللجوء إلى أي دولة أجنبية (...) تعبنا كثيراً وهناك ما يستدعي الخروج بلا عودة». وتابع بألم: «لم يبق مسيحي في الموصول، باستثناء عدد قليل من متقدمي السن». أما وسن ( 33 سنة) التي فرت مع زوجها وطفلها من بلدة الحمدانية فقالت: «القهر والجوع والخوف من مجهول دفعنا إلى الفرار. يا ليت لم نغادر منازلنا، لكن الهجرة باتت أمراً ضرورياً في ظل القتل». واستذكرت بحرقة مشاهد موت مفزعة عند مغادرتها، إذ رأت «أشلاء عالقة بأسلاك الكهرباء». وروت سماهر (29 سنة) وأم لثلاثة أطفال رحلة لجوئها القاسية وهي تذرف الدموع: «هربنا من القصف تحت جنح الظلام، سرنا ساعات طويلة باتجاه أربيل... تركنا وراءنا كل شيء. سبق وعانينا، لكن الوضع اليوم أسوأ بكثير... الأمان مفقود والقتل على الهوية. لن نعود في مثل هذه الظروف.. الهجرة أفضل مليون مرة». وقال لاجئ أخفى هويته «الشعب العراقي يموت في كل يوم وساعة، والسياسيون لا يهمهم إلا مصالحهم... لا نريد منهم شيئاً، نريد أن نعيش فقط». وخلال جولة «الحياة» على اللاجئين، بدا أن الغالبية تسعى إلى الحصول على تأشيرات سفر لدول أجنبية أملا في هجرة قد تكون طويلة وربما دائمة. كما رصدت عائلات كانت تدون بياناتها على نماذج هجرة إلى أميركا وكندا وفرنسا وغيرها. وأكد وائل سليمان، المدير العام لجمعية كاريتاس الأردنية، التي تقدم معونات للاجئين المسيحيين، إن الجمعية استقبلت بالاتفاق مع الحكومة نحو 500 لاجئ من أصل ألف سيصلون تباعاً. وقال إن «الجمعية والكنيسة الكاثوليكية رتبتا لاستقبال هؤلاء اللاجئين، وسنتولى تأمين حاجاتهم». وأكد مصدر أردني رسمي الموافقة على استقبال ألف لاجئ مسيحي فقط، مؤكداً أن بلاده محدودة الموارد وتعاني تدفق آلاف اللاجئين السوريين. وفي السياق ذاته، قال ممثل مفوضية اللاجئين في الأردن أندرو هاربر إن «أولوية إعادة توطين مسيحيي العراق المهجرين ستكون للفئات الأشد ضعفاً»، مشيراً إلى أن هذه السياسة المتبعة لدى المفوضية حيال جميع اللاجئين في العالم، بقطع النظر عن «جنسياتهم أو دياناتهم». وأضاف إن «عملية إعادة التوطين في دول أجنبية تستغرق في العادة وقتاً طويلاً لإتمامها، وعدد المستفيدين منها يكون قليلاً نسبياً». وعبر المسؤول الأممي عن أسفه «لأن اللاجئين المصنفين ضمن فئة الأشد ضعفاً في ازدياد، في وقت توفّر فيه دول إعادة التوطين فرصاً محدودة جداً».