بدا المفكر التونسي أبو يعرب المرزوقي في ندوة «معوقات الحوار بين العرب المسلمين رؤية عربية وغربية» ضمن مهرجان الجنادرية، أشد المحاضرين حدة تجاه فكرة الحوار مع الآخر ما دفع بعض الحاضرين إلى وصفه بأنه «سلفي أكثر من سلمان العودة» الذي كان حاضراً ومشاركاً بصحبة عدد من المفكرين والفلاسفة العرب هم الدكتور فيتالي نعومكين وكلوفس مقصود وهاشم صالح وكمال عبداللطيف. واتصفت الجلسة التي عقدت صباح أمس بقاعة مكارم بالماريوت وأدارها عضو مجلس الشورى سابقاً الدكتور عبدالرحمن الأنصاري بالشد والجذب منذ لحظاتها الأولى؛ إذ ألقى المرزوقي تساؤلاً مضمونه: «ما الذي يجعل النخب العربية الإسلامية تريد الحوار والغرب يتمنع وعندما يفقد الغرب النفوذ يدعي العودة للحوار؟» وعرض المرزوقي إجابته التاريخية ذاكراً أنه على رغم أن الغرب حفيد الشرق روحياً ودينياً وعقلياً، إلا أن ما يجري في الوقت الحالي من محاورة بينهما وتقسيم حاد هو محاولة من الغرب لتنويم الشرق تمهيداً لاحتلال روحه بعد أن احتل أرضه فعلاً. وأضاف: «على رغم أن ثنائية الغرب والشرق لم تكن موجودة أيام تفوق المسلمين إلا أن الغرب اخترع هذه الثنائية في القرنين ال 18 وال 19، وهي ثنائية غير شرطية، لأنها لا تقوم على استقلال حقيقي للغرب معرفياً وعقلياً عن الشرق. وإنما تقوم على حبس للشرق داخل إطار الضعيف الذي يحاور ليعيش ويمارس الحوار بصيغة الاسترحام وطلب الشفقة». وتابع :«الغرب يحاورنا محاورة الكاوبوي للهندي الأحمر، يحاورنا متفرقين لا مجتمعين، ويحاورنا لتكبير صغارنا وتصغير كبارنا». أما الدكتور العودة فطرح رؤية أخف وطأة من رؤية المرزوقي موضحاً أن الحوار مصطلح قرآني وأن الجذر الثلاثي «ح و ر» يدل على العودة إلى الصواب، مؤكداً أن الحوار أوسع من الدعوة، لأن الأخيرة تعد نقلاً، منتقداً رؤية الغرب تجاه الحوار لأنه في الغالب يطرح الحوار للوصول إلى الحرب، في حين أن الإسلام يقترح الحرب لحماية الحوار. وقال إن من معوقات الحوار ثنائية الضعف والقوة وأن ثمة أطرافاً في الغرب تحاول أن تعلمنا ديننا وأن تملي علينا تعاليمنا بدلاً من أن تحاورنا، مشبهاً ما يقوم به الشرق مع الغرب بسجع الحمام أمام زئير الأسد. وأضاف: «الفرق بين تطرفنا وتطرف الغرب أن متطرفينا هم الجهال الغلاة، لكن متطرفي الغرب هم مفكرون ومنظرون سياسيون كبار». وتحدث كلوفس مقصود برؤية عربية إسلامية مركزاً على المعوقات الأساسية للحوار بين الغرب والشرق، ذاكراً أن من أهمها اشتراط شروط مسبقة للحوار، وأن الطرفين يخوضان حواراً غير مجدٍ لكنهما يستمران فيه تضييقاً للوقت، وأنهما يقتحمان معمعته من دون اقتناع به. وأن الحوار غالباً ما يشيع فيه التعارض وعدم التفاهم. وكثيراً ما يتسم بالإملاء بدلاً من الإقناع. وأن نزعة استعراض عقائد الطرفين والاكتفاء بالجزم بالصواب أو فرضه كوسيلة للتغيير من أشد معوقاته. وأضاف مقصود: «نحن نرفض التعددية لأنها تعني الافتراق، ونقبل التنوع لأنه يعني الوحدة، كما نرفض أن يعتقد الغرب أننا نكرهه، ولكننا نؤكد أننا غاضبون وأسباب غضبنا كثيرة»، لافتاً إلى أن الحوار لا يكون بين خصمين أو عدوين، وإنما بين طرفين متقابلين، وأنه يجب أن يبدأ بهدف تعميق الفهم والتفهم، منتقداً الفكرة القائلة إن الإصرار يدل على التطرف، وواصفاً الإصرار على الحق بأنه هو الاعتدال، منبهاً إلى أننا عندما نحاور إسرائيل مثلاً وتعرض التنازلات فإن من العدل أن نطلب منها أن تتنازل عما تملكه وليس عما تحتله. وأكد الدكتور هاشم صالح أن الخصوصية الثقافية ليست عائقاً أمام العالمية، ووصف حب الثقافة الخاصة بأنه يؤدي للكره والانغلاق وأن الانفتاح المفرط هو الآخر يؤدي للذوبان، مستشهداً بمقولة ديغول: «لولا فرنسا وإيطاليا وألمانيا لما وجدت أوروبا»، مشدداً على أن أصل الحوار يجب أن يتجه صوب ما هو مشترك. ولا يكفي لنا كي نحاور الغرب أن نقول له: «أنت مستعمر وإمبريالي. فقد ظللنا نقول هذه العبارة طويلاً، ولم يتغير شيء». وتابع: «يجب أن نرسخ في قناعاتنا أن الغرب غربان: غرب أسس حضارة حديثة. وغرب متطرف». وفي مداخلته أكد الدكتور كمال عبداللطيف أنه لنخوض الحوار يجب أن نعلم أنه لا مجال للمسكنة ولا للطغيان، وأن الجميع لهم في المكاسب نصيب. عقب ذلك توالت المداخلات، إذ اعترض الدكتور رشيد الخيون على طرح العودة قائلاً: «ليست الحرب من أجل الحوار، وذلك لأن الحرب إذا وصلت نهايتها فسيفرض المنتصر ما يشاء ولن يكون ثمة حوار متكافئ». واعترض سعد الغنام على ما قاله بعض المحاضرين بأن الكراهية مرفوضة والحقيقة مفتوحة قائلاً: «الغرب لن يحبنا لأن الله يقول: «هأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم»، والحقيقة في الواقع يمتلكها الإسلام، لأنه يمتلك كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه»، ما أثار حفيظة عدد من الحضور ودفعهم إلى الرد على مقولة الغنام بصورة غير مباشرة. فيما علق الدكتور أحمد الفقيه على المرزوقي معترضاً على وصفه البلدان العربية ب «المحميات الأميركية»، ومشدداً على ضرورة تقديم الوجه الحضاري لأمتنا العربية والإسلامية إلى الغرب. ووصف عدد من المداخلين أوراق المحاضرين بأنها تميل إلى التشاؤم، وهو ما نفاه الدكتور سلمان العودة محيلاً السبب في هذا التصور إلى أن الموضوع كان يدور حول «المعوقات» وليس عن «المقومات».