عاش الدكتور عبدالله يحيى المعلمي عقوداً في بلاده، متنقلاً بين القطاع الخاص، الذي حقق فيه نجاحاً لافتاً، والحكومي الذي برع فيه كذلك، إلا أن تعيينه مندوباً دائماً للسعودية في الأممالمتحدة قبل بضع سنين، عرّف مواطنيه بشخصيته أكثر، خصوصاً بعد أن أحوجته الأزمة في سورية واليمن إلى إبراز مهاراته القتالية، في مهد الدبلوماسية الأممية، التي اعتاد رجالها على المبارزة المنبرية في كل مناسبة. وإذا كان مهندس النفط عبدالله المعلمي، تخصص باكراً في تقنيات «الذهب الأسود»، فإنه في «منهاتن»، حيث تجتمع الأمم، كشف عن شخصية مختلفة نسبياً، وهو يرتدي زي أبيه، الفريق يحيى المعلمي، الذي استعار بزته العسكرية مرات عدة، وهو يبارز أقرانه الدبلوماسيين، باحثاً عن أي انتصار أو نقطة يسجلها لمصلحة بلاده التي شاء القدر أن يتزامن عصر حزمها الجديد مع مهمة المعلمي في «الأممالمتحدة». ومثل المعلمي الأب، لم تكن مهارات «الابن» قتالية فقط، ولكن بيانية أيضاً، فلئن كان الأول عسكرياً برتبة «فريق» في مجمع اللغة العربية، مثلما هو كذلك في ميدان العسكرية، كان الثاني أيضاً موجعاً برتبة «سفير» ودبلوماسياً معاً، لا يمنح مساجليه حتى «كبوة الجواد» أو «هفوة بليغ» أخطأ في بيت شعر عابر. قضية الجعفري خاسرة لكن ما يجعل المندوب السعودي لدى الأممالمتحدة أكثر اختلافاً، هو عدم نقله «معارك المبنى الأممي» إلى خارج أسواره، فعندما سألته «الحياة» عما أعقب سجاله الشهير مع المندوب السوري، من توتر، أجاب: «علاقتي مع الأخ الدكتور بشار الجعفري هي من طرفي على الأقل مبنية على الاحترام والتقدير، لما يتمتع به الجعفري من كفاءة مهنية وثقافة واسعة، ومن سوء الحظ أن تكون هذه القدرات لديه مسخرة لخدمة قضية خاسرة». وكان الاثنان تلاسنا في مناسبات عدة، وهو ما دفع المعلمي إلى لمز الجعفري بأنه أخطأ في «بيت شعر»، والجعفري إلى الصراخ في وجه المعلمي قائلاً: «لستُ أخاك» في مناسبة أخرى. ومع أن موقع الدبلوماسية العربية في المجتمع الدولي ظل حرجاً دائماً، إلا أن بين خصائص المندوب السعودي المعلمي، نظرته التفاؤلية، إذ يرى مثلاً أن «التدخل الروسي في سورية» الذي حير الكثيرين، من قبيل «الضارة النافعة». وعزا ذلك إلى أن «التدخل الروسي في سورية (وإن كان) تصعيداً خطراً؛ فستكون له آثار سلبية بلا شك، إلا أنه إذا كان هذا التدخل انعكاساً لحال يأس وإحباط يعيشها النظام السوري، وإذا كان يهدف إلى حماية النظام من السقوط بطريقة فوضوية مدمرة، وإذا كان الروس أدركوا ضرورة رحيل بشار الأسد، وأرادوا بتدخلهم أن يمسكوا زمام الأمور في جانب النظام، والتفاوض على أفضل الشروط الممكنة للخروج، عندئذ قد يصبح هذا التدخل ما ينطبق عليه «رب ضارة نافعة». وفي السياق نفسه، لا يعتبر الهجمة التي تحاصر السعودية في الإعلام الغربي، تدعو إلى التشاؤم؛ لأنه لا يرى بلاده في موقع ضعف دبلوماسي، «فموقع المملكة في الأممالمتحدة هو امتداد لموقعها في الساحة الدولية، فهي دولة قيادية في العالمين العربي والإسلامي، وعلى الصعيدين الاقتصادي والإنساني، وفي كل المحافل، وموقعنا في الأممالمتحدة يمثل هذا الدور القيادي الذي تضطلع به المملكة في هذه الميادين». الضغوط لا تجدي في قضية «النمر» ولهذا لم يتوقع أن تستجيب السعودية لأي ضغوط، أريد بها أن تخفف حكم الإعدام على مواطنها علي النمر، وقال: «لا أرى أن من المناسب الخوض في قضية تحت نظر القضاء والسلطات المختصة، وإذا صدر قرار في هذا الشأن فسيتم الإعلان عنه في حينه، إلا أن المملكة لا تتخذ قراراتها بناءً على الضغوط العالمية، وإنما وفق ما ترى أن فيه تحقيقاً للعدالة والمصلحة». وعما إذا كان تمنى ألا تكون بلاده رفضت عضويتها في مجلس الأمن قبل نحو عامين بعد سلسلة القضايا الشائكة التي واجهت المندوب، قال ل«الحياة»: «الدبلوماسي كالجندي، إذا صدر الأمر كان عليه أن يؤدي التحية، وينفذ المهمة المُلقاة على عاتقه، وليس له أن يتعامل مع الأمنيات. والحقيقة أن تتابع الأحداث وتطورها لا يترك لنا فرصة البحث في ما لو كان كذا وكذا، وهو بحث لا جدوى فيه ولا طائل من ورائه». وأما العبء الذي ألقته «عاصفة الحزم» على شخصه وبلاده، فأكد المعلمي أنه يرحب به «وأهلاً وسهلاً به»؛ لأنه رأى الخطوة السعودية، برهنت على مكانة الدولة وأن قرارها بيدها. وقال: «عاصفة الحزم أكسبت المملكة مزيداً من الاحترام المشوب بالأمل من جانب الإخوة والأصدقاء والرهبة من الأعداء، فأثبتت المملكة في «عاصفة الحزم» أنها تستطيع حسم الأمور بيدها، باستقلالية كاملة متى ما شاءت، ومتى ما استوجبت الظروف ذلك، وأما العبء؛ فأهلاً وسهلاً به، وهو عبء لا يمثل شيئاً إذا ما قورن بتضحيات أبنائنا المرابطين على الحدود، وصقورنا في الجو، وفي ساحات المواجهة». وإذا كان البحث عن جوانب التلاقي بين المعلمي الدبلوماسي، والآخر الجنرال، حديثاً بين شرائح واسعة من السعوديين، بعد أداء الابن القتالي في الأممالمتحدة، فإن المعلمي الدبلوماسي، أقر بأنه تأثر بوالده، حتى وإن بدا تخصصاهما متباعدين. وأضاف أن «الفضل يعود بعد الله إلى والدي، الذي قال: (يا سليل المجد عفواً إنني**أنا من ضم إلى السيف القلم إنْ نظمت الشعر حلواً سائغاً**صغت من ألحانه عذب النغم أو نضوت السيف في يوم الوغى**خلتني عند اللقا ليث الأجم ضابط حيناً وحيناً شاعر**وكلا الحالين من عالي الهمم)»