تعاني شرائح من المجتمع السعودي من نقص حاد في معرفة المواطنين بالحقوق والواجبات التي تشكل العلاقة بينهم وبين مؤسسات الدولة، ويزداد النقص كلما اقترب الوعي في النواحي القانونية والقضائية، ما يجعل تفويت الحقوق أمراً شائعاً، كما يجعل من الالتزام بالواجبات أمراً غائباً يعرضهم إلى العقوبات المنصوص عليها. وأكد قانونيون أن الجهل في القوانين سمة عامة في المجتمع السعودي، إلا أنهم يرون أن وعياً متزايداً بدأ يظهر في المجتمع، وخصوصاً لدى شريحة المتعلمين، مطالبين مؤسسات الدولة والجهات الحقوقية ببذل الجهد في تعريف المواطنين بحقوقهم وواجباتهم. وأوضح المحامي المستشار القانوني خالد الفاخري، في تصريح ل«الحياة»، أنه «في ظل نقص الوعي الكبير بمعرفة الحقوق والواجبات في المجتمع، يحدث الخلاف والتنازع ويقود البعض إلى السجن أو إلى فقدان الحقوق من دون دراية منهم، أو مطالبة بها»، مشيراً إلى أنه أجرى استطلاع بسيط عبر مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، طرح من خلاله سؤالاً على المواطنين: «في رأيكم هل أفراد المجتمع واعين بحقوقهم»؟ وشارك فيه 360 مواطناً ومواطنة، إذ أجاب 93 في المئة منهم ب«لا»، ليسوا واعين بحقوقهم، فيما كانت «نعم» النسبة المتبقية. واعتبر الفاخري النسبة «صادمة مخيبة وغير ومتوقعة»، إذ توقع في البداية أن تكون النسب متقاربة بين الوعي بالحقوق والجهل بها، مبيناً أن «الاستطلاع ينم عن أمرين: أنه لا يوجد اهتمام من الفرد في الاطلاع على الأنظمة والقوانين، ومعرفة ما تحويه من حقوق وواجبات، ما يؤدي إلى وقوعه في المشكلات، وحينها لا يعلم ما يحميه منها ويضيع حقه أو يتسبب في مخالفته للقانون. والأمر الآخر هو سبب تعليمي، وعدم الاهتمام بتدريس الأنظمة»، مبيناً أن «الغالبية من المواطنين يكتفون باستشارة الأقارب أو الأصدقاء فقط، من دون الرجوع إلى المستشارين القانونيين، وهو ما يوقعهم في مشكلات كبيرة». وأضاف المستشار القانوني: «إن الاستطلاع الذي تم أجراؤه لتسليط الضوء إعلامياً أو حقوقياً أو قانونياً على بعض البرامج التوعوية للمستقبل، وإن كان المشاركون فيه قلة، إلا أنه يعكس واقعاً مجتمعياً، ومعرفة الخلل ومكمن تطوير الأفراد يحقق رؤية الدولة السعودية في المعرفة ورفع الوعي الحقوقي، ليتمكن المواطن من الحياة وفق الأنظمة التي تحميه وعائلته»، مضيفاً: «لا نطالب المجتمع أن يكون خبيراً في الأنظمة كافة، أو أن يكون خبيراً قانونياً، بل أن يرجع إلى القانون، أو يستشير خبيراً قانونياً قبل توقيع عقود معينة، كي يسهل عليه فهم ما يقوم به». وضرب خالد الفاخري أمثلة شائعة يجهلها كثير من المواطنين، وتسهم في ضياع حقوقهم، مثل الاعتراض على الحكم في مدة زمنية 30 يوماً من صدوره. وشدد على أن للمرأة أيضاً استثناءات كثيرة في القانون، «وعلى سبيل المثال المحاكمات القانونية الأسرية، مثل حق الحضانة، وأن تقام في محاكم موطنها ومدينتها التي تسكنها، عكس القاعدة الأساسية التي تقول أن تقام في موطن المُدعى عليه، وهذه جميعها حقوق شائعة يجهلها المواطن». الوعي الحقوقي ارتفع فيما أكد القاضي السابق المحامي حسان السيف، أن «الفترة الأخيرة شهدت ارتفاعاً في مستوى الوعي، وأصبح أفضل من السابق، وبشكل واضح وملحوظ». وأرجع السبب إلى «برامج التوعية والقانونية في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى ازدياد المؤسسات التي تعنى بالتوعية الحقوقية والتطوير الذي شهدت بعض أجهزة القضاء والمحامين». وبين السيف أنه من البوادر الجميلة توجه كثير من المواطنين إلى استشارة المحامين، لافتاً إلى «ارتفاع نسبة زيارة المحامين عن الماضي بشكل كبير ومبشر بمستقبل مجتمع حقوقي واعي». وذكر أن «طبيعة مجتمعنا تميل إلى العمل في السرية، من خلال التعاملات المالية والقانونية، من بيع وشراء وغيره. وهذا يوقع كثير في المشكلات، ما يجعلهم من رواد المحاكم مستقبلاً، لأنهم لم يتخذوا الإجراءات الاحترازية». وأوضح القاضي السابق أن القوانين والأنظمة «ليست شائكة ومعقدة، فهي واضحة لمن يسأل عنها، لكنها تصبح صعبة وشائكة ومعقدة لمن لا يسأل عنها»، مشيراً إلى أن من القضايا الحقوقية التي وقف عليها: «جهل المواطن في قضايا الشيكات المصرفية التي ينص القانون أن مدة التعامل في الشيك كورقة تجارية هي 7 أشهر، وبعدها لا يصح المطالبة بالشيك كورقة تجارية، بل يعتبر ورقة عادية. لا قيمة تجارية لها، وهنا يأتي دور الوعي الحقوقي الذي يطالب ويتم الحديث عنه مراراً وتكراراً». ومن جانب، ذكر طلال البلوي أن «الوعي ناقص لدى شريحة واسعة من المتعلمين، ويزداد لدى البسطاء من مواطنين والأجانب». وقال: «إن الإنسان بطبيعته يبحث عن الوعي - كما يذكر في علم النفس - عن أشياء تعايش واقعه من رواتب وبرامج إعانات وقروض، لسد حاجته من دون حتى الاكتراث لما سيحصل قانوناً مستقبلاً». وأضاف: «نحن بحاجة إلى ترابط حلقات المسؤولية بين المواطن والإعلام والمؤسسات المسؤولة عن إعطاء الحقوق، ولن تنجح فكرة التوعية في الحقوق بلا اهتمام إعلامي كبير، يقوم على نشر هذه الثقافة التي تعنى بالكبار والصغار». كما أن إيصال فكرة «أن تعرف حقك» لكل بيت، لن يحدث بلا إعلام مهتم ونشط. وذكر البلوي أن الخطوات التنظيمية للمؤسسات الحكومية «كبيرة، ولكن يوجد إشكال في الأمور الإجرائية التي تطيل الزمن، ولا تختصر الوقت، وأن تصاغ الأنظمة بشكل يسهل على المواطن الوصول إلى حقوقه، من دون صياغات تفصيلية طويلة تضطره في بعض الأحيان إلى التنازل عن حقوقه، وبسط الحلول هو تحويل الخدمات البيروقراطية إلى خدمات إلكترونية، وهي حل حقوقي يخدم كل المجتمع، ويزيل العوائق، إذ أثبتت التعاملات الإلكترونية نجاحها في حصول المواطن على حقوقه، وتختصر الزمن والمسافات بلا بحث أو عناء معرفي». طالبات جامعة الأميرة نورة يتعرفن على حقوقهن أقامت كلية القانون في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن ملتقى «دردشات قانونية»، الذي يهدف إلى توجيه الطالبات وتعريفهن بحقوقهن، وقياس الوعي القانوني لطالبات في معرفة حقوقهن، وتقديم استشارات قانونية مع توفير فرص تطوعية وتدريبية لتأهيل الطالبات عملياً للواقع العلمي، وصقل شخصيات طالبات كلية الحقوق، وذلك بالمعرفة والعلم القانوني النظري والعملي، وتشجيعهن على نشر الوعي في المجتمع بما يملكونه من علم وإمكانات. وشاركت في الملتقى مجموعات كبيرة من مكاتب المحاماة والقانونيات السعوديات، إضافة إلى جمعيات حقوقية، وقالت طالبة كلية الحقوق الهنوف آل تويم: «قدم الملتقى فائدة كبيرة لطالبات كلية الحقوق، وستنعكس مخرجاته على الطالبات مع مرور الأيام، إذ إن وجود جمعيات قانونية ومكاتب محاماة كان بمثابة تطبيق واقعي وحي للطالبات، وكوني إحدى المستفيدات من الملتقى، أضاف لي معلومات مهمة، وأكسبني خبرة ومعرفة أكثر بأهمية القانون»، مبينة أن «قلة الوعي بالحقوق يشكل مشكلة»، مستدركة أنه «لا يمكن وضع اللوم على المدارس والتعليم فقط، في زيادة الوعي في الحقوق والنظام، فهذه المشكلة يشترك فيها الجميع، فدور التعليم والأسرة والمؤسسات الثقافة والإعلام لها دور مهم في مكافحة قلة الوعي في الحقوق والأنظمة، أو على الأقل التقليل من الجهل بها». وأضافت آل تويم: «إن الوعي بالحقوق الجامعية ازداد لدى الطالبات، وخصوصاً بعد إنشاء وحدة الحقوق الطلابية في الجامعة، وهذا لا يعفي الطالبة عن بذل الجهد للوقوف على حقوقها، لذلك من الواجب على كل طالبة جامعية تواجهها مشكلة تمس حقها التوّجه للجهة المسؤولة في الجامعة وتقديم شكوى». فيما أوضحت طالبة الحقوق بشرى الزامل أن «الطالب والطالبة يعرفون بعض الحقوق، وليس جميعها، والمسؤولية تتوزع بالتساوي على الطلاب والجامعات، فالطالبة والطالب يحتاجان إلى القراءة والاطلاع لمعرفة حقوقهما، والجامعة ملزمة بإيضاح الحقوق والالتزامات كافة، وما يترتب عليها. وأكدت أن جميع طالبات الحقوق على استعداد لتوجيه الطالبات في الجامعة، وتعريفهن بحقوقهن القانونية، وما لهن وما عليهن».