أكد قانونيون أن الجهل في الثقافة الحقوقية يؤدي إلى «الإخفاق في نيل الحقوق». واقترحوا زيادة الحصيلة المعرفية في الجوانب القانونية، من خلال عقد محاضرات وندوات، وتوزيع مطويات في أروقة المحاكم، بهدف معرفة القوانين، وكيفية المطالبة بالحق، «من دون إفراط أو تفريط». وقال القانوني حمود الخالدي في تصريح إلى «الحياة»: «إن المتابع لما يجري في المحاكم يلمس أنه خلال الأعوام الخمسة الماضية حدثت زيادة في حجم وعي المواطن والمقيم في الجوانب القانونية، إذ أضحى المواطن والمواطنة والمقيم على حد سواء، دائم السؤال والبحث والقراءة عن الحقوق، والمطالبة بها لدى الجهات القضائية والرسمية». ورأى الخالدي أن هذا الوعي «انعكس على ثقافة الحقوق والمطالبة بها، وعدم التفريط في أي حق مكتسب، ومحاسبة الجهة الحكومية على الخطأ الإداري، سواء أكان ذلك في عقد عمل أم في تنفيذه»، لافتاً إلى أن ذلك أدى إلى أن تشهد الأجهزة القضائية «أعداداً كبيرة من القضايا، لم تستطع أن تواكبها أحياناً، نظراً لكثرتها وقلة الكوادر القضائية، ما جعل التأخير هو الشكوى الأبرز في بعض المحاكم». وفي الاتجاه المقابل، يشير المحامي إلى «انخفاض الوعي القانوني» لدى بعض الجهات الرسمية، التي يتوقع منها الإحاطة بالجوانب النظامية حول العمل الموكلة به. وقال: «ما زالت أخطاؤها الإدارية تتراكم بسبب عدم الوعي، ومبالغة بعض المسؤولين في استخدام صلاحياتهم، واتخاذ بعضهم قرارات من دون أخذ الرأي من الجهات القانونية المعتمدة لديها، قبل إصدار القرارات، التي تنعكس سلباً على تلك الجهات، من خلال قضايا إدارية ترفع ضدها لاحقاً أمام القضاء الإداري، ويكون لها أثر مادي ومعنوي». وانتقد المحامي الخالدي الجهات الرسمية التي «لم تزد من جرعات التثقيف الحقوقي لمنسوبيها، وبخاصة في ما يتعلق بأساليب التعامل مع مراجعي تلك الجهات»، مضيفاً: «بقي المنسوبون يجتهدون اجتهادات تكون في غالبها وفق ما يعتقدون، انطلاقاً من مصالح إداراتهم، ما يجعل التعطيل غير مبرر، في ظل عدم رجوعهم حال إصدار القرارات إلى الجهة المختصة، والإدارة القانونية التابعة لهذه الجهة أو تلك»، مضيفاً أن «بعض متخذي القرار لا يرجع إلى الجهات القانونية في جهازه وإدارته إلا بعد رفع الدعوى الإدارية عليها، ويتعامل مع الأمر بنظرية الإدارة المركزية». وأكد ضرورة أن «يتماشى الوعي الحقوقي لدى الأفراد مع الوعي لدى الجهات العامة والخاصة، حتى تتوافر أركان الوعي وتنخفض نسبة الأخطاء، ومن ثم الترافع والتقاضي الذي أرهق المحاكم وزادت النسب فيه إلى أرقام جاوزت المعقول»، مستشهداً بتجربة قامت بها الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام في المنطقة الشرقية (بناء)، وذلك بعمل «لائحة حقوقية لمنسوبيها، تبياناً لما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، ما يعد دليلاً على شفافيتها في إبراز الثقافة الحقوقية لمنسوبيها، لينعكس ذلك إيجابياً على علاقتهم بالفئة المستهدفة في علاقتهم العملية». فيما طالب المستشار القانوني عبدالرحمن الدغيثر بضرورة «وضع إرشادات قانونية داخل المؤسسات، ومنها تنتقل إلى المحاكم»، مضيفاً أن «من يدخل المحكمة يشعر بالتيه للوهلة الأولى، لاسيما النساء اللاتي يأتين من بيئات بسيطة، وربما يجهلن تماماً الجوانب القانونية والوعي الحقوقي»، لافتاً إلى أن المحكمة هي «المكان الأول لنشر الوعي والتثقيف القانوني». بدوره، قال القاضي في محكمة الدمام (سابقاً) أحمد النفيعي في تصريح إلى «الحياة»: «إن أول الطريق لإشاعة الوعي الحقوقي يكون من خلال إصلاح القوانين ولوائح العمل في الإدارات الرسمية، وإقامتها على أساس تيسير حياة الناس»، لافتاً إلى أن «طبيعة المجتمع الإنساني تقتضي تقاطع مصالحهم، واختلاف أفكارهم، لذا فإن بيان الحقوق للناس أهم ما يرسم الطريق لكل خلاف يسبب الفوضى داخل أي مجتمع من المجتمعات». قاضٍ:نحتاج إلى نشر ثقافة الحقوق داخل المحاكم نفسها! رفض القاضي السابق في محكمة الدمام أحمد النفيعي «التفريط في الحقوق، لاسيما في القضايا الحقوقية التي تتعلق بالعمل، وحقوق المرأة والطفل وغيرهما، فلو كانوا جميعهم على علم ودراية لأخذ كلُّ ذي حق حقه»، مؤكداً الحاجة إلى «نشر الثقافة في المحاكم نفسها، بتوزيع مطويات وكتيبات حول آليات التقدم على الشكوى، وكيفية أخذ الحق في حال التأخر عن الرد». واستشهد ب«أحد المراجعين قبل عامين، إذ تعرض لانتهاك حقه بسبب تعثر صدور الحكم في قضيته، لانتقال القاضي من دائرة إلى أخرى، وبقي ينتظر أكثر من 8 أشهر، لحين سد فراغ القاضي الذي انتقل، وكان متابعاً للقضية، فلو كان هذا الشخص على معرفة تامة بالحقوق لما تعرض لهذا الإشكال. وهناك حقوق في الدوائر الرسمية يجب على المراجعين معرفتها من دون أدنى شك». يذكر أن القانون لا يمكن أن يكون فاعلاً وأن يساوي بين المواطنين، إذا أتيح الإدلاء بجهله، لكي يستبعد تطبيقه، إذ إن القانون يطبّق ويسري على الجميع، سيان علموا أم لم يعلموا بمضمونه. وتنص القاعدة على أنه لا يجوز التذرع بجهل القانون، تقوم على قرينة مستمدة من علم المواطنين بنص القانون، وأن هذه القرينة مطلقة في مجال إعمال قانون العقوبات، أي أنها لا تقبل أي استثناء، وبسيطة في مجال إعمال القانون المدني، بمعنى أنها تجيز الإثبات المعاكس. الوسيلة القانونية لتبرير تفعيل القاعدة ليست ضرورية، بل ليست مقنعة، بل إنها تقوم على استيعاب صحيح لكيفية استمداد القرينة من الواقع، بخاصة وأن الواقع لا يثبت علم المواطنين بنص القانون. ويستثنى من ذلك إذا استحال علم الشخص بالقانون بسبب قوة قاهرة حالت دون وصول الصحيفة الرسمية إلى منطقة أو مناطق معينة من إقليم الدولة، فإنه لا يمكن إعمال مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون، بل إن هذا المبدأ مستبعد، فيمكن بالتالي الاحتجاج بجهل التشريع (القانون) الجديد، وذلك إلى حين زوال السبب الذي جعل العلم بهذا التشريع مستحيلاً، أي بوصول الصحيفة الرسمية التي تتضمنه إلى الأشخاص المخاطبين بحكمه.