يجهل كثيرون عدداً من مفاهيم الحقوق المتصلة بالحياة العامة، لاسيما أن بعض المواقف اليومية تقتضي وعياً أكبر بتلك الحقوق؛ لمواجهة أي مشكلات تتصل بها، فضلاً عن قلّة معرفة شريحة كبيرة من المجتمع بالمواثيق والحقوق الدولية التي اشتركت فيها المملكة بتوقيع اتفاقيات في مجالات متعددة، يأتي أبرزها فيما يتعلق بحقوق العمل والعمال والعنصرية، وحقوق المرأة والطفل، إلى جانب اتفاقيات التجارة العالمية؛ ولأن من واجب المواطن معرفة تلك الحقوق فإن ما ينتج عن الجهل بها يتسبب في إشاعة حالة من عدم المبالاة والإهمال، كما لو أن ذلك ليس من مهامه، وبطبيعة الحال فإن كثيرا من المؤسسات أغفلت كثيرا من مسؤولياتها تجاه الدور التوعوي بهذه الحقوق المواطن. وعلى الرغم من أن غالبية الحقوق ترتبط بحياة المواطنين الخاصة والعامة، إلاّ أن كثيرا من مفاهيمها تكاد تكون غائبة عن أذهانهم؛ إما بسبب عدم الاكتراث أصلاً بتلك الحقوق، أو لعدم وجود ثقافة قانونية تقتضي معرفة تلك الحقوق بمختلف جوانبها؛ مما تسبب بما يمكن وصفه «أميّة قانونية». المملكة وقعت «اتفاقيات دولية» لم يسأل المواطن عن محتواها ولم ينمي وعيه أحد والسؤال : ما هي الحقوق التي يجب أن يعرفها المواطن؟ وما دور أهل الاختصاص حيال إشاعة ثقافة الحقوق والمواطنة؟ وهل هناك حاجة إلى إدراج مفاهيم الحقوق في المناهج الدراسية؟ وما هو دور الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني في تشكيل ثقافة المواطنة والحقوق؟.. «الرياض» بحثت عن أجوبة لتلك الأسئلة المتصلة بحقوق المواطنين عبر هذا التحقيق بمشاركة خبراء ومختصين بمفاهيم الحقوق العامة وما يرتبط بها من وعي ومسؤولية. د. خالد الحليبي حقوق مختلفة في البداية، أكد «د. خالد بن سعود الحليبي» -مدير مركز التنمية الأسرية بالأحساء- على أهمية التفريق أولاً بين الحقوق التي شرعها الله -عز وجل-، ونبيه -صلى الله عليه وسلم-، وبين الحقوق التي شرعتها المواثيق الدولية، إضافة إلى الحقوق التي ضمنتها أنظمة البلاد المحلية، ففي الحقوق المتصلة بشرع الله ورسوله فلا جدال عليها، وأما الحقوق المضمنة في المواثيق الدولية، فتتطلب الالتزام بما يوافق شريعتنا، وبطبيعة الحال فإن ما يتصل بالحقوق التي تضمنتها الأنظمة المحلية للدولة فهي تتسق مع عقيدتها وتقاليدها المرعية. وقال إن المواطن مطالب أن يسأل المختصين في كل جانب من تلك الحقوق؛ ليتمكن من تكوين ثقافة حقوقية شاملة، إلى جانب الاطلاع على والقراءة عن كل ما يختص بذلك عبر الصحف والقنوات والمواقع، محمّلاً بعض المؤسسات الحكومية والأهلية عدم قدرتها على التواصل مع المواطن، والمبادرة تجاه تثقيفه وتوعيته بحقوقه وواجباته وما له، وما عليه، من خلال اكتفائهم بمطبوعاتهم ومنشوراتهم فقط، مبيناً أن المواطن في الوقت نفسه يحتاج إلى اهتمام أكبر بمعرفة حقوقه على الأقل في ما يخصه. د. فهد العندس وحول إمكانية إضافة مادة دراسية تتعلق بالحقوق بشكل مختصر، ذكر أن ذلك ربما لا يكون ضرورياً؛ لأن الطلاب يدرسون مقررات عديدة، وليس من واجبهم معرفة كل القوانين، ولكن بإمكانهم معرفة الجوانب العامة لتلك الحقوق عبر مختلف وسائط المعرفة. معرفة واحترام وأشار «د. فهد بن علي العندس» -وكيل كلية العلوم والدراسات الإنسانية بجامعة الأمير سلمان بن عبد العزيز- الى أن الحياة في المملكة أكثر يسراً؛ بفضل أحكام الشريعة المرجع لكافة الحقوق والواجبات، ومعرفة تلك الأحكام قُربى إلى الله -عز وجل-، مبيناً أن تدريس الحقوق كمنهج دراسي يندرج خلفه مساران، الأول هو «العلم بالقوانين»، ومسؤوليته تقع على مناهج التربية والتعليم، والآخر يتعلق ب «احترام القوانين»، وهي مهمة الجميع، حيث أن كثيرا من المجتمع يفتقدون لجانب احترام القانون؛ مما يتطلب وعياً أكبر بالحقوق، منوهاً أن أدوار مؤسسات المجتمع المدني والأفراد متكاملة -وإن كان الحِمل على المؤسسات أكبر-، لكي يؤمن كل فرد نفسه من التلاعب والخداع، فضلاً عن ضرورة احترام الأفراد للحقوق والوعي بالقوانين. نزار الصالح وحول الدورات القانونية والحقوقية التي تقيمها بعض المراكز التدريبية المتخصصة للإسهام في رفع مستوى الوعي لدى أفراد المجتمع، ذكر أن الدورات تُمنح الراغبين خلاصات مهمة في مختلف أنواع القانون، كما أن لها دورا في الأثر التربوي والتدريبي؛ مما يفضي إلى تغيير حقيقي. ضعف ثقافة وأشار «د. نزار بن حسين الصالح» -الأمين العام للمركز الوطني لأبحاث الشباب في جامعة الملك سعود- إلى أن سبب ضعف نشر الثقافة القانونية بين أوساط المجتمع هو غياب من يتبنى تلك المهمة في أوساط المختصين، فضلاً عن جهات حكومية أو تطوعية تؤدي هذا الدور التوعوي بثقافة الحقوق تجاه المواطن، مبيناً أنه لو حاول شخص معرفة حقوقه إزاء قضايا تواجهه لا يجد جهة معنية مناسبة، ولا مسؤولا يُمدّه بما يريد معرفته. فراج العقلا وقال إن نشر ثقافة قانونية مبسطة يمكن أن يكون عبر مناهج دراسية مختلفة دون تخصيص مادة كاملة لها، وإنما من خلال تضمين الثقافة القانونية في المواد، كتضمين العلاقات الدولية في مادة الجغرافيا، وما يتعلق باللغات والحقوق في مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية، وعلى هذا المنوال، بما يمكن أن يزيد من الثقافة القانونية والحقوقية. ودعا إلى تفعيل أدوار مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة توعوياً مثل «جمعية حقوق الإنسان»، و»جمعية حماية المستهلك»، إلى جانب وزارتي «الثقافة والإعلام»، و»الشؤون الاسلامية والأوقاف»، و»هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وغيرها، حيث يمكن أن تؤدي تلك الجهات أدواراً فاعلة في نشر الثقافة القانونية لجميع أفراد المجتمع، منوهاً أن الأفراد مطالبون بمعرفة القوانين المتعلقة بحقوقهم وواجباتهم حتى يكونوا على بصيرة من تصرفاتهم وبمنأى عن مساءلات قانونية قد تترتب على جهلهم ببعض الاجراءات. د. عنان ششه وأضاف أن الدورات القانونية والحقوقية المقامة في مراكز تدريبية متخصصة تُسهم في رفع مستوى الوعي لدى أفراد المجتمع، ولكنها غير كافية دون جهود جهات عديدة وفق خطط توعية مدروسة، وأدوات تنفيذية مناسبة لتوعية جميع أفراد المجتمع؛ بما يرفع وعيهم بثقافة الحقوق، ويؤهل المواطنين أن يكونوا أكثر إيجابية وقدرة على التعامل بشكل مسؤول مع المشكلات والقضايا التي توجههم في الحياة العامة. الثقافة القانونية تكفيك الدخول في مشكلات بسبب عدم المعرفة بالنظام ضرر الجهل وترى «د. عنان ششه» أن عدم فهم المواطن للقوانين قد يُلحق به ضرراً معنوياً ومادياً، ويُصادر كثيرا من حقوقه الشرعية، مبينة أن الثقافة القانونية تعني الالتزامات التي تُوجب احترام الدستور، فهي توصل إلى مبدأ المعرفة القانونية بمحتواها وأصولها؛ لأن الحياة بدون قوانين تكون فوضى، ولهذا فإن توعية المواطن بحقوقه تعد أمراً مهماً لكي يُدرك ماهية حقوقه، ومن ثم لا يفرط بها، ذاكرة أن لوسائل الإعلام دورا كبيرا في إشاعة المفاهيم القانونية، وتعريف المواطنين بحقوقهم وواجباتهم. عمل المرأة ساهم في تنمية وعي المجتمع حول حقوق النساء وأيّدت إضافة مادة حقوقية في المناهج التعليمية؛ بما يسهم في تكوين أجيال مدركة لحقوقها وواجباتها، وقادرة على اتخاذ القرارات السليمة في كافة الجوانب، ذاكرة أن هناك تقصيراً من جانب كثير من مؤسسات المجتمع المدني في نشر وتعزيز الثقافة القانونية، داعية إلى إيجاد برامج تربوية ودورات توعوية وتطويرية لنشر الوعي القانوني السليم بين أوساط المواطنين، والعمل على مناهضة ثقافة العنف والنفي والتطرف والتمييز ضد الآخر، إلى جانب تعزيز مفاهيم الوطنية، والدفاع عن مصالح المستهلكين وحماية مصالحهم وحقوقهم، إضافة إلى توعية المستهلكين وتثقيفهم وإرشادهم وتقديم الاستشارات لهم، وإصدار مجلات ونشرات ومطبوعات وإعداد برامج إعلانية وإذاعية مُعدة للبث أو النشر عبر وسائل الإعلام، منوهة بدور الفرد تجاه معرفة ما يتطلب معرفته للحصول على حقوقه والعلم بواجباته ليتجنب مخالفة القانون. وأضافت أن الدورات التدريبية مهمة لرفع الوعي بثقافة الحقوق، إضافة إلى إقامة ورش عمل للمواطنين الناشطين والمحامين، ويُسلط فيها الضوء على المواثيق الدولية المختلفة. معرفة حقوق الطفل تتطلب وعياً أكبر بالثقافة القانونية مظهر حضاري وذكر «فراج العقلا» -مستشار ومحام- أن ثقافة الحقوق والقانون من أهم شروط وعي المواطن لمواجهة كثير من المشكلات في حياته العامة والخاصة، فقضية الوعي بالحقوق أصبحت مظهراً حضارياً يتميز به المواطن الذي يتطلب منه إدراك منظومة الحقوق المتطلب معرفتها، لاسيما أن المملكة وقّعت على كثير من المواثيق والعهود الدولية، مثل حقوق الطفل، والعمل، وبعض الاتفاقيات التجارية، داعياً إلى تضافر الجهود الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، والجامعات، لتأسيس عمل مشترك ينهض بمهام توعية المواطنين بالحقوق الأساسية، ونشر ثقافة قانونية تُشكّل ضمانة للمواطنين. وقال إن من المهم تكوين ثقافة حقوقية ملائمة للمراحل التعليمية المختلفة، فالحقوق من أهم شروط الوعي التي يجب أن يتميز بها المواطن، وإن لم يستوعبها فلن يكون قادراً على تطبيقها في حياته العامة، منوهاً بضرورة العلاقة التفاعلية بين مسؤولية المواطن والمؤسسات نحو تكوين الثقافة العامة الحقوقية، مبيناً أن مؤسسات المجتمع المدني باعتبارها منظمات غير حكومية لا بد أن تدرج في أولوياتها قضايا حقوق المواطن، وتيسير معرفته بتلك الحقوق عبر خطط وبرامج واستراتيجيات فاعلة في مختلف المجالات كحقوق الإنسان، وحماية المستهلك، وحقوق الطفولة والأمومة، والعمل وغيرها، ولن تكتمل العلاقة إلاّ من خلال تعاون المواطن كفرد مسؤول مع نشاط تلك المؤسسات؛ فعزوف المواطن عن المشاركة في معرفة حقوقه يعد من أسباب غياب ثقافة الحقوق. وأضاف أن الدورات التدريبية في القانون والثقافة الحقوقية للمواطنين مهمة جداً في حياة المواطن؛ لأنها تمنحه أفكاراً عامة عن الحقوق والقانون، وتساعده على وعيه بمسؤولياته القانونية، وأدائها على أكمل وجه، بل إنها بمثابة ضمان أساسي يمارس المواطن حياته على إثرها وفقاً لمنطق الحقوق والواجبات واحترام القانون، داعياً إلى تكثيفها، وإشاعة الوعي عبر وسائل الإعلام، حتى يصبح المواطن أكثر أهلية لأداء دوره في المجتمع كشخص يعرف القانون ويلتزم بواجباته وحقوقه. توعية بالاتفاقيات وأوضح «سعد العتيق» -مستشار قانوني» أن المملكة تنهض بمسؤولياتها تجاه أبنائها المواطنين، وتوليهم عناية فائقة في شتى مرافق الحياة، بدءاً من تشريع وتنظيم الحقوق الخاصة بهم، وانتهاء برعاية وتوفير هذه الحقوق، مبيناً أن «الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان» تنهض بمهام عدة في هذا المجال من بينها التوعية العامة بحقوق المواطن في داخل المملكة وخارجها، إذ يمكن توعية المواطن بهذه الاتفاقيات التي قد يجهل البعض أهميتها، كما أن المملكة تختلف في بعض أنظمتها عن تلك الاتفاقيات الهادفة إلى تعزيز وحماية الاستثمارات والمتعاقدين من خلال توفير بيئة تشريعية مناسبة لتحفيز وزيادة الاستثمار والتجارة والأنشطة الصناعية.