قمت في أوائل الشهر الجاري بزيارة إلى العراق مع أكبر وفد تجاري بريطاني تنظمه الحكومة البريطانية لزيارة العراق منذ 20 عاما. شهدت هذه الزيارة عملية التحول الجارية في العراق حاليا، وهو تحول تأمل بريطانيا بأن تساعد العراق في اتخاذ خطوة أخرى لتحقيقه من خلال استضافتنا في لندن لمؤتمر "الاستثمار في العراق"، وهو مؤتمر كبير يهدف إلى تعزيز الروابط التجارية بين البلدين. لقد تحدث من التقيت بهم في العراق بتفاؤل حذر حول المستقبل، لكن إيمانهم بإمكانات بلدهم لتحقيق النجاح كان واضحا جدا. فهم يدركون أن العراق يمكن أن يتبوأ مكانة اقتصادية رائدة في الشرق الأوسط بفضل موقعه في وسط سوق إقليمية يفوق تعداد سكانها 200 مليون نسمة، ولكونه يملك ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم، إضافة إلى توفر الأراضي الزراعية الخصبة والقوى البشرية الماهرة والمثقفة نسبيا. ومع تخطي إيرادات النفط خلال عام 2008 الستين بليون دولار، باتت لدى العراق موارد ممكنة لتمويل المشاريع التنموية فيه. لكن ما يهم لأجل تحقيق طموحاته هو المعرفة والخبرة اللتان يمكن له الاستناد اليهما لإدارة وإنفاق هذه الموازنة بفعالية، وتعزيز الروابط التجارية التي تخلق المزيد من فرص العمل وتتيح فرصاً جديدة لاقتصاده. ومع إتمام القوات البريطانية لمهماتها في العراق في وقت لاحق من العام الجاري، فإن أولويتنا الآن تتجه نحو الاستمرار بمساعدة الحكومة العراقية - على مستوى المحافظات والمستوى الوطني على حد سواء - لدعم النمو الاقتصادي الذي يعمل بدوره على تحقيق المزيد من الأمن، وتوفير خدمات عامة أفضل، ونمو مستدام للمواطنين العراقيين. لقد شاهدت بنفسي خلال زيارتي هذه كيف أن المعرفة والمهارات البريطانية في قطاع الأعمال تمكّن العراق من تنمية اقتصاده. وتلقى الشركات البريطانية هناك كل الاحترام. كما تلقينا تشجيعا قويا من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حين أكد الترحيب باستثمارات الشركات البريطانية من جميع القطاعات وعملها مع الشركات العراقية. ربما ليس هناك ما يعكس حجم الفرص المتاحة الآن أمام الشركات البريطانية أكثر من نطاق النشاط التجاري للشركات التي رافقتني في زيارتي للعراق. حيث أن مهاراتها وخبراتها تنوعت بين قطاعات الإنشاءات والنقل والطاقة وحتى الرعاية الصحية والأمن والخدمات المالية. وتعتبر المعرفة والخبرات التي تتمتع بها هذه الشركات مصدرا قيما للمساعدة في تطوير القدرات العراقية. ما زال هناك بالطبع بعض التحديات. لكن الوضع الأمني قد تحسن، وأدت بيئة الأعمال الأكثر استقرارا إلى اجتذاب بعض أكبر الشركات البريطانية. فقد فازت شركة «فوستر ويلر» في شهر شباط (فبراير) من العام الجاري بعقد من شركة نفط الجنوب لتوفير دعم هندسي أساسي لمرافقها البحرية الجديدة لتصدير النفط. كما فازت شركة الاستشارات المختصة بأمن الملاحة وأعماق البحار بعقد قيمته 200 مليون دولار لإجراء عملية مسح لقاع البحر وتوفير خدماتها بشأن خط أنابيب ما بين المصافي والموانئ والنقاط البحرية في البصرة لشحن النفط على الناقلات. كما أن التكنولوجيا البريطانية تساعد أكبر مصرف عراقي على مكننة عملياته. حيث أن شركة «بي بلان» لأنظمة المعلومات تعمل على إدخال برنامج مصرفي جديد في 150 من فروع «مصرف الرافدين». وتتيح تكنولوجيا المعلومات هذه فرصة للاستفادة من حسابات مصرفية حديثة لأول مرة لحوالي 4.5 مليون من أصحاب الحسابات في المصرف داخل العراق. إننا ملتزمون، جنبا إلى جنب مع السلطات العراقية، بالبناء على هذه الفرص وغيرها، ويحضر مؤتمر «الاستثمار في العراق» وفد رفيع المستوى من المسؤولين العراقيين، بمن فيهم رئيس الوزراء المالكي ونائبه برهم صالح. كما يتضمن الحضور ممثلين عن مئة من كبرى الشركات البريطانية والدولية الحريصة على الحصول على المزيد من المعلومات ومناقشة مواضيع التجارة والاستثمار في العراق. كما أن هيئة المملكة المتحدة للتجارة والاستثمار، التي تساعد الشركات البريطانية على التوسع بأعمالها في الخارج، تعمل على ترسيخ وجودها في العراق، ولديها فريق من الموظفين الذين يقدمون مساعدة ودعما لقطاع الأعمال هناك. إن نجاح العراق مستقبلا يستند الى ديناميكية شعبه والمعرفة والخبرات التي يمكنهم الاستفادة منها لتعزيز النمو خلال العقود القادمة. وكشريك ملتزم في المجال التجاري، تقف المملكة المتحدة على أهبة الاستعداد لبذل كل ما في وسعها لمساعدة الشعب العراقي على تحقيق طموحاته للمستقبل. * وزير الأعمال والشركات والإصلاح التنظيمي في بريطانيا