تحتفل منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) هذه السنة بالذكرى الخمسين لتأسيسها في أيلول (سبتمبر). ويدشن وزراء «أوبك» صباح اليوم في فيينا مقر الأمانة العامة الجديد بعد خمسين سنة على تأسيس منظمة تغيّرت وأصبحت أداة استقرار في أسواق النفط العالمية وحماية الموارد المالية لدول نامية بعضها عرف الاستفادة منها في التطوير والتنمية، وبعضها أهدرها على ثورات وسياسات فاشلة. ولكن المنظمة استطاعت أن تصمد على رغم حروب بين أعضائها. فحرب الخليج الأولى بين إيران والعراق ثم غزو العراق للكويت ثم حرب تحرير الكويت ثم حرب الولاياتالمتحدة على العراق، كلها كانت مأسوية لأعضاء المنظمة. ولكن «أوبك» استطاعت الصمود على رغم ذلك. وتمكنت من الاستمرار وتجاوزت محناً عدة مثل العمل الإرهابي الذي قام به الإرهابي كارلوس ومجموعته عندما اختطف وزراء المنظمة وكوادر النفط في دول مصدرة أساسية وأخذهم في طائرة وهددهم بالقتل ثم استطاع وزير النفط الجزائري آنذاك بلعيد عبدالسلام إنقاذهم من كارلوس في الجزائر. وتمكنت «أوبك» من الصمود أيضاً بعد حرب اكتوبر (تشرين الاول) 1973 عندما أسست الإدارة الأميركية بقرار من وزير الخارجية هنري كيسنجر وكالة الطاقة الدولية في باريس. وكان الهدف منها تدمير «أوبك». وكان ممثل الإدارة الأميركية توماس أندروز عام 1974 يقول إن وكالة الطاقة الدولية هي لتدمير «كارتيل أوبك»، وكان ممنوعاً على أي عضو من هذه الوكالة الجلوس على الطاولة نفسها مع «أوبك». أما اليوم فالكل وفي طليعتهم الإدارة الأميركية يريد التعاون مع دول «أوبك». فقد استطاعت هذه المنظمة في العقد الأخير من تاريخها أن تصبح أداة أساسية لاستقرار أسواق النفط، بفضل تمكنها من إدارة مستويات إنتاجها على الأسواق العالمية. فبعد أن كانت عند تأسيسها عام 1962 تناضل لرفع سعر النفط الذي كانت الشركات النفطية تفرضه قبل تأميمها من دولارين الى 11 دولاراً للبرميل، استطاعت بعد التأميم في السبعينات إدارة الأسعار ولكنها سرعان ما اصطدمت بهبوطها في الثمانينات عندما انهار السعر الى 8 دولارات للبرميل، فلم تكن دول «أوبك» قادرة على إدارة مستويات الإنتاج في ظل دول خارج المنظمة تزيد إنتاجها وتضغط على أسعار النفط التي هبطت الى مستويات متدنية جداً. أما الآن فقد تغيرت المنظمة، وعلى رغم كل التوترات السياسية الناتجة عما يحدث بين بعض الدول الأعضاء، فقد اصبحت قرارات «أوبك» تتخذ على طريقة إدارة الأعمال، والجميع يساهم في إبقاء اسعار النفط عند مستويات مرضية للجميع بعيداً من السياسة . وكثيراً ما نسمع أن دور السعودية في مؤتمرات «أوبك» إيجابي جداً. فالوزير علي النعيمي، وبحسب وزراء «أوبك» ووزراء سابقين من بينهم وزير الجزائر السابق نور الدين آيت الحسين الذي واكب أعمال «أوبك» لمدة 40 سنة، لعب دوراً كبيراً في السنوات العشر الأخيرة في تهدئة النقاش في اجتماعات «أوبك»، وشخصيته المتواضعة وخبرته الطويلة في قطاع النفط (إذ جاء من شركة «أرامكو» حيث بدأ صغيراً فيها ليصبح رئيسها) مكنتاه من لعب دور إيجابي جداً في «اوبك» كوزير يمثل أكبر دولة منتجة، وهو يستمع لجميع الآراء ويعطي الانطباع بأنه مستمع جيد ولا يفرض القرار، ولكن يقول آيت الحسين أن لا شيء يحصل من دونه ولو أنه يستمع بانتباه كبير للجميع. لا شك أن الجميع يعترف أن اجتماعات «أوبك» تغيرت. ففي الثمانينات كانت تستمر الى ما لا نهاية ولأيام أحياناً. فقد استمر أحد الاجتماعات في لندن في فندق «انتركونتيننتال» عشرة أيام وانتهى من دون اتفاق، وكانت هناك اجتماعات وزارية ل «أوبك» تستغرق أياماً مع خلافات سياسية وتوترات وكانت هناك جبهات رفض وجبهات تشدد داخل المنظمة. أما الآن فالمؤتمر الوزاري للمنظمة لا يستغرق اكثر من بضع ساعات وينتهي خلال يوم أو نصف يوم، وأسعار النفط أصبحت عند مستويات مقبولة من المستهلكين والمنتجين بين 70 و80 دولاراً للبرميل، وعندما ارتفعت الى 147 دولاراً كان الكل يعرف أن ذلك لم يكن بسبب «أوبك» لأن المنظمة زادت انتاجها بشكل كبير وبقيت الأسعار ترتفع بفعل مضاربين في الأسواق المالية ساهموا في الانهيارات المالية العالمية التي شهدها عاما 2009 و2010. ويقول وزير النفط الفنزويلي السابق اليريو بارا الذي كان وزيراً بين عامي 1992 و1994 أن «أوبك» هي الآن الأداة الوحيدة في السوق النفطية العالمية وأنها أصبحت عالمية كونها تتخذ القرارات على طريقة مجالس ادارة الأعمال.