أثار التماس عائلات فلسطينية إلى «محكمة العدل العليا» الإسرائيلية في القدسالمحتلة ضد قرار الجيش هدم منازلها بداعي تنفيذ أبنائها عمليات مسلحة أوقعت قتلى يهود، سجالاً واسعاً بين القضاة ومنظمات حقوقية من جهة، والجيش وعائلات القتلى المدعومة من أقطاب اليمين المتطرف من جهة أخرى. وتأجج النقاش في أعقاب اتهامات وجهها نواب متطرفون للمحكمة بأنها «تتباطأ» في إقرار أوامر هدم منازل فلسطينيين يصدرها الجيش، وهو ادعاء عززه رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو بقوله إنه «عندما تقرر الحكومة هدم منازل منفذي عمليات، يجدر تنفيذ ذلك في أسرع وقت من أجل تعزيز الردع، ولذا نطالب المحكمة بأن تتخذ قرارها سريعاً». ودفعت هذه الاتهامات ذوي قتلى إلى توجيه اتهامات شديدة اللهجة إلى القضاة بداعي أنهم بتأخير إقرارهم أوامر الهدم إنما «يمهدون لعمليات أخرى»، وأن «حقوق القتلة باتت تعنيهم أكثر من حقوق الضحايا». واللافت أن موقف القضاة بعدم البت في الالتماسات قبل سماع مواقف الملتمسين و»النيابة العامة، وهو الذي أثار حنق الجيش وذوي القتلى، لم يأت على خلفية معارضتهم مبدئياً أو لأسباب قضائية أوامر الهدم، إذ نادراً ما قبلت المحكمة بالتماسات ضد الهدم، إنما جاء لصد الاتهامات عن المحكمة بأنها تؤخر تنفيذ الهدم، فأعادوا التهمة ذاتها إلى ملعب الحكومة والجيش بأنهما يستعجلان استصدار قرار المحكمة لإقرار الهدم، لكن التنفيذ يتأخر أشهراً أو لا يُنَفَذ قط. وفاجأت رئيسة المحكمة مريم ناؤور ممثلي النيابة العامة عندما وجهت اليهم السؤال: «إذا كان الهدم مستعجلاً لهذه الدرجة، فلماذا تتأخرون في تنفيذ الهدم بعد أن نقرّه هنا في المحكمة... تأتون إلينا وتدخلوننا في ضغط وتطالبوننا بإقرار الهدم خلال 48 ساعة لأنه ضروري وملحّ، ثم تتباطأون في التنفيذ». وطلبت من ممثلي النيابة العامة أن يعدوا للمحكمة قائمة بكل أوامر الهدم التي صادقت المحكمة عليها في العامين الأخيرين وبموعد تنفيذ هذه الأوامر «إن تم التنفيذ أصلاً، وسبب التأخير» وذلك لتظهر للإسرائيليين أن المحكمة ليست هي التي تعرقل الهدم. مع ذلك، رأى معلقون أن القضاة أرادوا أن يستمعوا من «النيابة العامة» إذا ما كانت مقتنعة حقاً بأن الهدم يحقق الردع التي تدّعيه، ليطرحوا بذلك من جديد الجدل الدائر منذ عقدين في شأن «نجاعة الردع». وكان الجيش أقام عام 2005 لجنة عسكرية خاصة لفحص مدى الردع الذي يحققه الهدم على الفلسطينيين، توصلت إلى استنتاج بأن الهدم «فقَدَ ردعه ولم يعُد أداة ناجعة»، وعليه قرر وزير الدفاع في حينه شاؤول موفاز وقف عمليات الهدم، وهو ما حصل لسنوات متتالية، إلى أن تم استئنافها بتوصية من جهاز الأمن العام «شاباك» الذي أراد «قمع بوادر انتفاضة في القدسالشرقيةالمحتلة عام 2008»، ثم العام الماضي بعد مقتل المستوطنين الشباب الثلاثة، وهي أوامر صادقت عليها المحكمة. نجاعة الردع؟ ويقول مدير «المعهد الإسرائيلي للديموقراطية» البروفيسور عميحاي كوهين إن موقف القضاة قبل يومين يوحي بأنهم قرروا توجيه سؤال واضح للجيش: «إذا كنتم تعتقدون أن الهدم رادع، هاتوا الأدلة على ذلك»، مشيراً إلى أن الجيش لم ينفذ أوامر هدم كثيرة أقرتها المحكمة «ليس لاعتبارات قضائية أو أخلاقية إنما لعدم نجاعة هذه الأداة»، أو أنه تأخر أشهراً ليستصدر أمر هدم، ما يؤكد تردده بأن الهدم لم يعد رادعاً. وأضاف: «لا أعتقد أن الهدم يردع... فمنفذ العملية قتل ولا شأن له إذا هدم بيت أهله أم لم يُهدم، فلماذا يتم هدم بيت العائلة التي في غالب الأحيان لا علاقة لها بعمل ابنها، أو تخريب مبان مجاورة للمباني التي يتم هدمها بالتفجير... ما ذنب الجيران؟». من جهتها، تؤكد جمعيات حقوقية أن الهدم يتعارض والقانون الدولي الذي يأمر بحماية المواطنين في أرض محتلة، وأنه خلال زمن الحرب يجب الحفاظ على حقوق الإنسان، منتقدةً موقف المحكمة العليا التي سمحت بالهدم، وإن منحت أصحاب المنازل حق إسماع معارضتهم. ويخلص معلقون إلى الاستنتاج بأن في ظل الأجواء المتطرفة التي تعم الشارع الإسرائيلي في أعقاب عمليات الطعن المتواصلة، سيضطر الجيش إلى تكثيف إجراءاته القمعية، وفي مقدمها هدم المنازل.