يقول الجيش المصري إنه يحرز نجاحاً في سحق المتشددين الإسلاميين في شبه جزيرة سيناء، لكن انتصار الدولة يبدو بعيد المنال في مدن شبه الجزيرة وقراها. وفي جولة نادرة في ثماني قرى في شمال سيناء الأسبوع الماضي، شاهد مراسل لوكالة «رويترز» دماراً واسعاً نتج من عمليات الجيش لكنه وجد أدلة أيضاً على أن بضع مئات من المتشددين يلعبون لعبة القط والفأر بنجاح مع أكبر الجيوش العربية وأنهم أبعد ما يكونون من الهزيمة. وأصبح من الصعب بشكل متزايد على المراسلين الأجانب دخول مناطق العمليات في سيناء علانية. ويقول بعض المقيمين في المنطقة إن المتشددين، وهم خليط من الإسلاميين المصريين والمقاتلين الأجانب والشبان الساخطين، أصبحوا ينتشرون في نحو ثلث قرى المنطقة وبدأوا ينقلون معركتهم إلى ساحات أقرب إلى القاهرة. وقال مصطفى أبو سلمان الذي يعيش قرب قرية البرث إن «الجيش يسيطر على الطرق الرئيسة، لكنه غير قادر على دخول كثير من القرى. ولا يمكنه مهاجمتها سوى بالمروحيات». وأضاف: «حتى عندما تدخل ناقلات الجنود المدرعة التابعة للجيش قرى فإنها تفشل في القبض على المسلحين لأنهم على دراية أفضل بالمكان وهو ما ينقص العسكريين تماماً». ويؤكد كثير من السكان أن العمليات العسكرية التي تنفذها السلطات تخلق في واقع الأمر أعداء جدداً للدولة، فيما يقول الجيش إنه يحرز تقدماً في الحرب على المتشددين. وكل ليلة تقريباً تطلق مروحيات من طراز «أباتشي» صواريخها على ما تشتبه بأنه مخابئ للمتشددين في البيوت والمزارع في سيناء التي تمتد على مساحة 61 ألف كيلومتر مربع ويكاد ينعدم فيها تطبيق القانون. ووصف وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي عملية سيناء بأنها «حملة أمنية متواصلة لتخليص المنطقة من المتطرفين والمجرمين». وقال إن سيناء تمثل «أولوية أمنية قصوى». وقال الناطق باسم القوات المسلحة العقيد أحمد علي: «نحن نؤدي المهمة على خير وجه لكن هذا لا يعني أننا قضينا على الإرهاب بالكامل». وأضاف: «هذه حرب شرسة لأن الإرهابيين لديهم أسلحة خفيفة وثقيلة. وأرواح الناس في سيناء في غاية الأهمية للقوات المسلحة، وهم يعتبرون أساس الأمن الوطني في تلك المنطقة». ومع ذلك فإن سكان سيناء يقولون إن الجيش لا يحرز تقدماً يذكر وإن أسلوب الجيش المباشر الذي يقوم على قصف المخابئ المحتملة أسلوب فاشل لأن المسلحين امتلكوا ناصية تضاريس المنطقة. وهم يتنقلون في القرى عبر الدروب ويصعب رصدهم من الجو ويختلطون بالمدنيين أو يختبئون في بساتين الزيتون. كما أن السعي إلى وقف تدفق الأسلحة يواجه صعوبات لأسباب على رأسها أن المهربين يجلبون السلاح من ليبيا. وانخفض عدد المقاتلين في الشهور القليلة الماضية لأسباب منها أن كثيرين منهم انتقلوا صوب وادي النيل. ويرى مصعب أبو فجر أحد السياسيين البارزين بين البدو في مدينة العريش أن «الجيش دخل حرباً لكنه ليس متخصصاً في هذا النوع من الحروب الذي يتطلب قوات خاصة لمواجهة التمرد وليس جيشاً» نظامياً. أما مدير الأمن في شمال سيناء اللواء سميح بشادي فيقول إن الجيش «قتل وقبض على كثير من المطلوبين في سيناء». وقدر عدد المتشددين الناشطين الباقين في المنطقة بنحو 80 مسلحاً فقط. لكنه يتفق ومسؤولون آخرون في القاهرة على أن كثيرين من المقاتلين الإسلاميين انتقلوا إلى منطقة دلتا النيل لتنتقل الحرب إلى العاصمة والمراكز السكانية الرئيسة. تحول في الأساليب وقف أحد قادة المسلحين الذي عرف نفسه فقط بالأحرف الأولى من اسمه س. أ. بجوار اثنتين من أشجار الزيتون خارج قرية اللفيتات يشرح كيف تغيرت أساليب الجماعات المقاتلة. قال: «في بداية القتال كنا نختبئ في الجبال لكننا الآن موجودون في القرى بين السكان لأن ذلك أكثر أمناً لنا هنا. عندما كنا في الجبال كان من السهل على الجيش أن يضربنا بالمروحيات. لكن ما دمنا مع الناس فمن الصعب الوصول إلينا». وأضاف إنه ورفاقه يستخدمون قنابل بسيطة الصنع مثل برطمانات المربى المحشوة بالديناميت. ويخبئ المقاتلون القنابل بين أشجار الزيتون أو على أحد جانبي الطريق ويغطون أسلاك التفجير برمال الصحراء. وأوضح أن المسلحين يربضون على التلال في انتظار مرور قوافل الجيش ثم يفجرون القنابل بالتحكم عن بعد باستخدام بطاقات تشغيل الهواتف المحمولة. وتابع: «نستخدم أنابيب غاز الطهي وجراكن الماء ونحشوها بالمتفجرات ونوصلها بأجهزة التوقيت وبطاقة هاتف محمول ثم نزرعها على الطرق التي نعلم أن الجيش يستخدمها». ودفع خطر التفجيرات الجيش إلى قطع شبكات الهواتف المحمولة والإنترنت خلال ساعات النهار عندما تتحرك العربات العسكرية. وقال مسؤول عسكري طلب عدم كشف اسمه: «المسلحون يتعاملون معنا بطرق بدائية كيفما اتفق ودخلوا حرباً قذرة معنا». وفي محاولة لتفادي لفت انتباه الجيش يعلق كثير من السكان أعلاماً مصرية على منازلهم كعلامة على ولائهم للدولة. وقال أحمد أبوجريدة الذي يقيم في قرية البرث إن المسلحين يختبئون أحياناً في بيوت المدنيين لتفادي رصدهم. وأضاف: «يعلقون أحياناً ملابس نسائية، بما في ذلك ملابس داخلية، لأنهم يعلمون أن الجيش سيتردد في الاقتراب من البدويات. ذات مرة دخل الجنود واحداً من هذه البيوت ووجدوا مخزناً للمتفجرات فنسفوا البيت». وانهالت الضربات الجوية شبه اليومية منذ سقوط مرسي على قرى مثل اللفيتات التي تعرضت منازلها الإثنى عشر المبنية بالأسمنت من طابق واحد للدمار أو لأضرار جسيمة خلال الشهور القليلة الماضية. ولم يبق من بعضها سوى بضعة أعمدة بينما احترقت المنازل الأخرى وانهارت أسقفها. وفر سكانها تاركين خلفهم بعض الخراف. ووقفت امرأة اسمها نعيمة بجوار ما تبقى من بيتها مع طفليها بعد أن عادت قبل أيام لاسترداد متعلقاتها. وجمعت المرأة وسادة وبعض الأطباق وموقداً صغيراً ووضعتهم على شاحنة. وقالت إن الجيش قتل زوجها وهو ليس من المسلحين قبل أربعة أشهر. وأضافت: «نريد الذهاب إلى مكان آمن مع الطفلين. كما ترى دمر صاروخ نصف منزلي ولن أنتظر حتى يدمر النصف الآخر». وقال الناطق باسم الجيش: «نحن نحاول بكل السبل تفادي الإصابات بين المدنيين الأبرياء خلال هذه الاشتباكات مع الإرهابيين الذين يستخدمون هذه الأساليب باستهداف المدنيين حتى يجعلوا القوات المسلحة تفقد تأييد الناس في سيناء. وهناك بعض الخسائر في الاشتباكات يتسبب فيها المتطرفون». «بين نارين» واعتاد السكان على ما صاحب هذه الحرب من تدابير. ففي الرابعة عصراً كل يوم يغلق الجيش الطرق الرئيسة في كل القرى. وأثناء الليل يشير أزيز الطائرات فوق الرؤوس إلى احتمال إطلاق الصواريخ. ويعتقد بعض سكان سيناء وبعض المسؤولين الأمنيين أن الضجة تنطلق من طائرات من دون طيار ربما من إسرائيل. وتعتبر الجماعات المسلحة في سيناء خطراً أمنياً على إسرائيل أيضاً. ويشدد الجيش المصري على أنه لا يستهدف مدنيين. وقال ضابط عسكري في نقطة تفتيش في قرية الماسورة إن الجيش لا يهاجم إلا القرى التي يحتلها المسلحون. وأضاف: «يموت بعض الأبرياء لكن بأيدي الإرهابيين وليس بأيدينا». غير أن سكاناً يقولون إن حملة الجيش تثير الاستياء بين سكان سيناء الذين يشعرون بأن الحكومة المركزية تهملهم. ويتهم بدو سيناء السلطات المصرية منذ مدة طويلة بتجاهل منطقة سيناء وعدم توفير الخدمات الأساسية والوظائف لأهلها. وقالت منى برهومة التي تقيم في رفح وتشكو من تعرض أبرياء للقتل بانتظام: «عمليات الجيش أصابت المطلوبين وغير المطلوبين». وحتى السكان الذين يعارضون المتشددين يقولون إنهم يخشون التعاون مع الجيش الذي وجه لهم نداءات لتقديم أي معلومات تؤدي للوصول إلى المقاتلين. وقال الشيخ حسن خلف الذي يرأس قبيلة السواركة في سيناء إن 35 من أبناء شبه الجزيرة الذين قدموا معلومات للجيش عن المسلحين قتلوا بالرصاص في الأشهر الثلاثة الماضية. وأكد الجيش وقوع عمليات إطلاق النار لكنه لم يؤكد هذا العدد. ويشعر كثير من الناس بأنهم محاصرون بين الجانبين. وقالت بدوية اسمها صبيحة: «نحن بين نارين. إذا أبلغنا الجيش عن الإرهابيين يقتلنا المسلحون في اليوم التالي. وإذا بقينا صامتين يعتبرنا الجيش من أنصار الإرهابيين ومن الممكن أن يبدأ مهاجمة قرانا». وقالت إنها تجد صعوبة في النوم ليلاً هي وأطفالها بسبب قصف الجيش في قرية المهدية التي تعيش فيها. وتقول إنهم ينامون في بعض الأحيان خارج بوابات مبنى يضم قوات حفظ السلام الدولية طلباً للأمان. وزاد من الشعور العام بالإحباط قطع اتصالات الهاتف المحمول والإنترنت. التحدي الكبير أمام السيسي وبخلاف الاستجابة لنداء الجهاد، يقول سكان ومسؤولون أمنيون إن المسلحين يحصلون على حوافز مادية وعينية. ويؤكدون أن قادة المسلحين يعرضون على المجندين من الشباب تزويجهم من فتيات ويمنحونهم مالاً ويوفرون لهم بيوتاً مقابل الالتزام بتنفيذ عمليات انتحارية. وقال مدير أمن شمال سيناء: «يعيشون حياة رغدة بضعة أشهر ويوعدون بأن ما ينتظرهم في الجنة أفضل بكثير بعد تنفيذ العملية». ويؤكد مسؤولون أمنيون مصريون أن بعض المقاتلين مصريون وبعضهم من حركة «حماس» الفلسطينية التي تسيطر على قطاع غزة بل إن بعضهم من أفغانستان. ويعتقد مسؤولون بأن بعض المقاتلين المصريين أمضوا فترة في المناطق الخاضعة لسيطرة طالبان في باكستان وعادوا بعد انتخاب محمد مرسي عام 2012. واتهمت الحكومة المدعومة من الجيش مرسي بالسماح بانتشار التشدد الإسلامي في سيناء من خلال الإفراج عن قيادات إسلامية من السجون. وقال اللواء بشادي إنه شاهد سيارات تابعة لرئاسة الجمهورية خلال فترة حكم مرسي تنقل مسؤولين لحضور اجتماعات مع إسلاميين. وقال مسؤولون في الجيش أيضاً إن مثل هذه المحادثات تمت. وقال الشيخ حسن خلف إنه شاهد محمد الظواهري شقيق زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري في إحدى سيارات رئاسة الجمهورية. وقال إن رجال الشرطة في سيناء لم يسمح لهم بالاقتراب من مواكب السيارات أو الاجتماعات. لكن محمد صالح وهو من كبار المسؤولين في جماعة «الإخوان» قال: «لا يوجد دليل على ذلك. كلها أكاذيب تنشر في محاولة لتلطيخ سمعة الإخوان. لم تربطنا صلة في تاريخنا بأي جماعات تضر بمصر». لكن القيادي البارز في «الإخوان» محمد البلتاجي كان قال العام الماضي عقب سقوط مرسي إن العنف في سيناء سيتوقف إذا رجع الجيش عما وصفته الجماعة بأنه «انقلاب». ومبعث الخوف الرئيس هو أن نطاق الصراع يتسع. فقد أعلنت جماعة «أنصار بيت المقدس» أشهر الجماعات المسلحة في سيناء مسؤوليتها عن هجمات عدة في القاهرة خلال الشهور الماضية بينها تفجير انتحاري فشل في اغتيال وزير الداخلية في أيلول (سبتمبر) الماضي. كما قالت الجماعة إنها أسقطت مروحية عسكرية في كانون الثاني (يناير) الماضي في هجوم قتل فيه خمسة من رجال الجيش. ويوضح مسؤول في الجيش في القاهرة أن مسلحي سيناء «اتخذوا خطوة استراتيجية لنقل عملياتهم إلى مناطق أخرى في مصر». وأضاف: «إذا أصبح السيسي رئيساً فإن الهجمات ستتزايد على الأرجح لأن المسلحين سيعتبرون أن مصر يحكمها رسمياً نظام عسكري... سيكون هذا أكبر تحد لحكم السيسي».