لا تمنع الهزّات الأمنية المتلاحقة والمشاكل السياسية المستمرة مجموعات الشباب الريادية في لبنان من إثبات حضورها على صعيد صناعة القرار المحلي. فعلى رغم كلّ الأزمات، ما زال هناك شباب يتمسّكون بدورهم في تشكيل المستقبل ومنهم مجموعة «Global Shapers Beirut» التي تتبع منظّمة «Global Shapers» (صنّاع العالم) الدولية، وهي مبادرة أطلقها منتدى الاقتصاد العالمي (منتدى دافوس) لضمّ شرائح شبابية ريادية وفكرية من مختلف دول العالم لكي يكون لهم دور في صناعة القرار سواء على الصعيد الدولي أو المحلي. فعلى عكس التوقّعات السوداوية، يشعر الشباب اللبنانيون المؤسسون للمجموعة بالمسؤولية تجاه المجتمع اللبناني ويتعاملون مع المهام الموكلة لهم بكلّ صرامة، باعتبار أنّ دورهم مهمّ في تشكيل الرؤية الاقتصادية وخصوصاً في القضايا التي تطاولهم بشكل مباشر مثل البطالة، التي تشكّل محور اهتمام منتدى الاقتصاد العالمي. وقد عرضت المجموعة النتائج التي توصّلت إليها حتّى الآن في موضوع البطالة ضمن ندوة مفتوحة في الجامعة الأميركية في بيروت، بالتعاون مع خبراء اقتصاديين يساعدون في تصويب نظرة الشباب إلى المشاكل الرئيسية وطرق التعامل معها. يشرح الشاب عفيف طبش من مجموعة «Global Shapers» أنّ منتدى الاقتصاد العالمي أطلق العديد من المبادرات، منها تلك الخاصة بالشباب الروّاد والذين يريدون إيصال رأيهم في القضايا الوطنية والعالمية. وبات هناك 309 مجموعات في مختلف الدول تعمل ضمن هذه المبادرة، وكلّ مجموعة تعمل على التأثير في المحيط الذي توجد فيه من دون الانحياز سياسياً. ومن ناحية مجموعة بيروت، فقد تأسست في العام 2012 وباتت تضمّ 16 شاباً يُعتبرون من صنّاع القرار. أمّا ممثّل المجموعة في منتدى الاقتصاد العالمي فقد كان الشاب زياد مبسوط الذي تابع طريقة عرض مشكلة البطالة بين مختلف الفئات الشبابية الحاضرة، وحمل الهموم اللبنانية إلى القادة الدوليين. ويرى مبسوط أنّ البطالة مرتبطة بشكل مباشر بالتعلّم الذي لا يحاكي في الكثير من الأحيان حاجات السوق المحلية، وهذا ما يُضاف إلى أسباب أخرى مثل النموّ السكاني المتزايد، الأزمة الاقتصادية، الشعور بالإحباط وغياب السياسة الوطنية لمواجهة مشكلة البطالة. ولكي يستطيع الشباب في لبنان التحرّك إيجابياً تجاه أزمة البطالة، يشاركهم مبسوط الحلول التي طُرِحت في المنتدى العالمي، وأولها توطيد أواصر العلاقة بين المدارس والجامعات والمؤسسات الخاصة والعامة التي ستقوم بتوظيف المتخرّجين لتحديد حاجات السوق وتوجيه الطلاب بحسب ذلك. كما يلفت مبسوط إلى أهمية تعليم الأطفال منذ الصغر طريقة التفكير المنطقي والنقدي، بالإضافة إلى توجيههم نحو المبادرة الفردية وهذا ما سيساعدهم في تأسيس مستقبل مزدهر من خلال مشاريعهم الخاصة. وهناك العديد من المبادرات التي قدّمها القطاع الخاص في منتدى دافوس، ومبسوط يشدّد على أهميتها مثل دعم الشركات للمبادرات والأفكار المبتكرة التي تصدر عن الشباب، وتأمين التدريب للطلاب حتّى قبل التخرّج لكي يكونوا قادرين على مواجهة المنافسة القوية في سوق العمل فيثبتوا أنفسهم وقدرتهم على الريادة. توجيهات الخبراء تعمل مجموعة «Global Shapers» في لبنان بالتنسيق مع خبراء اقتصاديين واجتماعيين يمدّون الشباب بالمعلومات والتوجيهات، وذلك لتحديد مجالات العمل التطبيقية في قضية البطالة انطلاقاً ممّا توصّل إليه منتدى دافوس. وضمن الندوة المفتوحة، ناقش مدير عام مؤسسة «كفالات» الدكتور خاطر أبو حبيب مع الشباب إمكانيات تطبيق التوصيات العالمية على الحالة اللبنانية. فأبو حبيب يؤكد أنّ البطالة في لبنان مشكلة عميقة وليس هناك إحصاءات أو دراسات تعالجها بالطريقة الصحيحة للوصول إلى نتائج واضحة، خصوصاً أنّ الحكومات المتتالية لم تعطِ الأهمية اللازمة لهذه الأزمة تحديداً. إلا أنّ أبو حبيب يستبشر خيراً في المبادرات الريادية التي يقوم بها الشباب لأنّها تخلق فرص عمل لغيرهم وتحرّك الاقتصاد الوطني. وهو يلفت انتباه الشباب إلى أنّ مؤسسة «كفالات» تؤمّن الدعم المادي لمثل هذه المبادرات لكي يستطيع الشباب تحقيق أحلامهم بمداها الكبير بدل أن يرضوا بما توفّره لهم بعض الوظائف من مداخيل متواضعة. من جهته، يرى مدير منظّمة «مسار» الشبابية كمال شيا أنّ المبادرات الخاصة تحتاج إلى أن تتفاعل مع عوامل أخرى ليصبح لبنان بلداً حاضناً للمواهب. لذا فإنّه يركّز على خمسة محاور أساسية تمّ ذكرها في وثيقة السياسة الشبابية التي أقرّت من قبل مجلس الوزراء وهي: ربط التعليم بسوق العمل، حماية اليد العاملة اللبنانية، ضبط المعايير الوظيفية، تطوير التعليم المهني ليلامس حاجات السوق، بالإضافة إلى الاهتمام بقطاعي الصناعة والزراعة اللذين أهملا لسنوات طويلة لمصلحة التجارة والخدمات. ويؤكد شيا أنّ منتدى الشباب يعمل على وضع التشريعات اللازمة لتطبيق هذه المحاور، فتقدّم إلى مجلس النوّاب على أن تصبح قوانين نافذة وقابلة للتطبيق.