حض الرئيس اللبناني ميشال سليمان الشباب في بلده على «عدم التورّط في مغامراتٍ أمنية وعسكرية في داخل لبنان وخارجه تحت عناوين أو لأجل أهداف غير متوافق عليها وطنياً». ودعاهم إلى «عدم المساومة على السيادة والمبادئ الوطنية المتفق عليها منذ الاستقلال والمكرسة في وثيقة الوفاق الوطني، وألا يضحّوا بأنفسهم وبلبنان من أجل الآخرين، وليكونوا عينَ المراقبة وجهاز المحاسبة المدني لجميع الفاسدين والمفسدين في الدولة والمجتمع، عاقبوهم بالتشهير والإشارة اليهم بالبنان وحض النيابات العامة على التحرك ضدهم». رعى سليمان أمس حفل إطلاق «وثيقة السياسة الشبابية في لبنان» في القصر الجمهوري في بعبدا، في حضور حشد من الشخصيات الرسمية والديبلوماسية والتي تعنى بقضايا الشباب. وتوقف في كلمة ألقاها للمناسبة، ومزج فيها بين حاجات الشباب وواقع الحال الداخلي والإقليمي، عند مفارقات تتزامن مع إطلاق الوثيقة: «أزمة وطنية ناتجة عن تعثر الحوار وعجز السياسة عن إيجاد الحلول المناسبة للخروج من حال المراوحة الراهنة، انتفاضاتٌ عربيةٌ شعبية وشبابية تحاول تلّمس التغيير واعتلاء منابر السياسة ومواقعها بوسائل بعضها غير سياسي، صراع عالمي بين الانفتاح والتنوّع والتطوّر من جهة، وبين الانعزال والتعصّب والتسلّط من جهة اخرى، وإن تكن الغلبة كما يُعلّمنا مسار التاريخ، للانفتاح والتقدّم». ورأى أن «تأييد 138 دولة لفلسطين كعضو مراقب في الأممالمتحدة، علامة من علامات هذا المسار، فالتهنئة والتحية من شباب لبنان إلى شباب فلسطين. وإذا كان بدء العقل هو التساؤل، وإذا ما وعينا واقعنا اللبناني القلق، وجوارنا العربي المتفجرِّ، تصبح الأسئلة مشروعة عن جدوى إطلاق الوثيقة، فيما السياسة المنطوية على كل عناصر الانقسام والشحن والتوتر، تهدِّد بدفعِ الشباب إمّا إلى خارج السياسة أو للخروج منها إلى العنف المادي والمعنوي، أو إلى التخرُّج من الجامعات للخروج من الوطن». وإذ اعتبر أن «السياسة عندنا، بحساباتها وانقساماتها ومحاصصاتها، أدت إلى تهميش كلِّ فعلٍ سياسي نبيل وتنفير الشباب وإبعادهم عن الشأن العام، أو عرقلة كلِّ برنامج أو سياسة هادفة إلى التطوير والتقدّم والإنماء وتأخيرهما»، لفت إلى أنه «عندما يكون ستون في المئة تقريباً من العالم العربي، وكذلك لبنان، تحت سنِّ الثامنة والعشرين، تصحُّ مقولة أنّ كل جيل جديد هو شعب جديد»، وقال: «صمَّمنا على تجاوز الواقع الصعب لنبني وقائع جديدة تؤسس لمستقبل مختلف قوامه عنصر الشباب وحاجاتهم فكان إنجاز الوثيقة المتعلِّقة بتحسين فرص المشاركة الشبابية في السياسة والاقتصاد وتحسين مستوى التعليم والصحة وفرص العمل وتحفيز الاندماج الاجتماعي وإزالة كل العوائق القانونية والإدارية الآيلة إلى تهميش دور الشباب في الحياة العامة، فقد آن الأوان لتخلّي الشباب عن العيش بالوكالة لحساب الآخرين، سواء كان ذلك حزباً أو طائفةً أو عشيرةً أو جماعةً أو دولة أخرى». ورأى سليمان أنه «لا يمكن الشباب أن يطالبوا بالحرية والكرامة داخل قفص الهويات والفكر الأحادي، ما يؤكد الحاجة إلى ثورة ثقافية يكون من بين مهماتها تعميم قيم التنوير وبناء بدائل لثقافة التأييد الأعمى والطاعة والخوف». وقال: «انكفاء الشباب إلى عقيدة واحدة وسياسة واحدة ولغة واحدة، إنما هو السير بعكس التاريخ والمسار العالمي الشامل الذي يبدعه تقصير المسافات ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وتمازج الحضارات والشعوب. وأكبر جريمة تُرتكب على حساب الإنسان في وطننا هي الانغلاق على الذات والابتعاد عن الحوار الحياتي والثقافي والسياسي، ما يؤدي إلى التجديف الحضاري والتحنيط الفكري والتوتر الأهلي. دخل العالم العربي عصر الثورات والانتفاضات والحركات الشبابية والإضرابات والاضطرابات بهدف تحقيق واقع دستوري جديد، فيما لبنان السبّاق في الديموقراطية والحريات والدستور يعاند للدفاع عن تقاليد دستورية لن نسمح بالتلاعب بأصولها أو المسّ باستحقاقاتها ومواعيدها». وقال سليمان: «في هذه المرحلة، تبحث المجتمعات عن رؤساء لا يصادرون السلطات، وعن سلطة واحدة تجمع عناصر قوة الدولة وتحترم الفصل بين السلطات، وتريد قادةً يحترمون المجالس النيابية المنتخبة والقضاء المستقلّ ومصلحةَ الوطن لا مصالح أوطان الآخرين. يريد الشباب في المجتمعات الحديثة مطلباً أساسياً هو الكرامة. والكرامة تعني العيش أولاً، الذي لا يكون سوى بالإنتاج والخروج من البطالة، من دون الاتكال على المساعدات والهبات أو التفتيش عن باب للهجرة والاغتراب. ولا بدَّ من الالتفات إلى الواقع الخطير الذي أشارت إليه وثيقة السياسة الشبابية، التي تحدثّت عن أَنَّ نسبة الشباب من بين العاطلين عن العمل تبلغ 66 في المئة في لبنان». واجب الطبقة السياسية وإذ شدد على أن «واجب الدولة يحتِّم عليها محاصرة مشكلة البطالة المتفاقمة ومعالجتها، وأن الوزارات المعنية بدأت بلورة خطط تنفيذية خلال السنوات الخمس المقبلة»، أكد أن ذلك «يستوجب أيضاً تعاوناً من الطبقة السياسية، لتخفيف التشنّج وتحييد لبنان عن الأزمات المتتالية، إذ لا يجوز أن يهدر الشباب سنوات العمر للحصول على ورقةٍ تعلَّق على جدار في انتظار فرصة عمل لا تأتي في سوق عملٍ مقفلة ومتراجعة، ما يؤدي إلى الإحباط والخيبة والاعتكاف الاجتماعي والوطني». وقال: «على الدولة أن تواصل العمل لتوفير البيئة المناسبة للشباب وتحسينها في مختلف الميادين. واستيعاب الكفاءات في الإدارة وفق آلية تبتعد عن الزبائنية والمحسوبية، ومعالجة مسألة سلسلة الرتب والرواتب بما لا يؤدي إلى تعريض الأمن المالي والاقتصادي للأذى، وستنفتح آفاق عمل جديدة للشباب في إطار عمل قطاع استخراج النفط وموارده، بالإضافة إلى تعزيز فرص الاستثمار وتأمين الخدمات اللازمة على أنواعها. وعلى الدولة الاستمرار في الدفع والضغط من اجل توفير مساحة أكبر لإشراك الشباب في العمل السياسي والوطني من خلال وضع الآليات الضرورية للاقتراع اعتباراً من عمر الثامنة عشرةَ، والترشيح من سن الواحد والعشرين. غير أنَّ واحداً من أهم أسباب الواقع الراهن الصعب، أنَّ اللبنانيين منقسمون وراء قادتهم حول شعاراتٍ سياسية لا تأخذ في الاعتبار وقائع الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، حيث على السياسة أن تعمل لتجنّبها». وأضاف قائلاً: «بما أننا نقترب من موعد الانتخابات النيابية التي سنصّر ونجهد لإجرائها، وحيث أنّ ميزة الشباب الإقدام على التغيير وعدم الإقامة في الماضي، قد يكون من الضروري الضغط على الأقطاب والمرشحين بالوسائل الديموقراطية، بغية إنتاج وعي جديد يأخذ في الاعتبار حاجات الجيل الجديد وتطلعاته لمخاطبة المستقبل بروح التقدّم البعيد عن العصبيات، التي تنشئ أصوليات أو تحفظ مواقع سياسية أو حزبية أو فئوية. كما لا بد لنا من أن نعمل على إقرار قانون عصري جديد ينسجم مع روح الدستور». أوهام الاستتباع وخاطب سليمان الشباب قائلاً: «لأنكم حررتم لبنان وهزمتم أعتى آلة عسكرية وقهرتم الإرهاب ولم تسمحوا بأن يرهبكم أو يكسركم، ولأنكم قررتم في لحظةِ ربيعٍ استعادةَ قراركم وحريتكم، ولأنكم بنيتم المغترَبات ونجحتم ونشرتم فيها النجاح والعلم والثقافة، لا تكونوا صدى الجماعة والجموع أو صرخةً تردِّد ما يهتف به الآخرون. ارفعوا قبضات تمرّدكم عالياً، ولا تقبعوا أو تقعوا في قبضة ملهم أو حامل أوهام. كونوا الكتلة العابرة للطوائف والطبقات والمناطق والمذاهب، كتلة تاريخية تلتقي حول قيم ومبادئ تمهِّد للعبور إلى المستقبل الواعد. لا تقبلوا تقليد أخطاء السابقين وتكرارها بحجة عدم الخروج عن النصّ الاجتماعي أو السياسي المقدس. لا تستسلموا لركوعٍ قابع في نفوس قلقة بسبب الخوف من الآخر أو التخويف منه. ارفضوا العيش في الحياة على هامش الحياة، أو التقوقع في جلباب الصمت والرضوخ. تجاوزوا الحواجز النفسية واكسروا الجدران. لا تخافوا المغامرة وكسر المحّرمات المصطنعة. غادروا الأوهام التي افتعلها محترفو صناعة الاستتباع والديكتاتورية والاستبداد فتتخلصوا من الأوضاع التي فُرضت عليكم، ولا تكرِّروا ما فعله جيل الشباب قبلكم، عندما انساق فصار وقودَ الحرب وضحية التسويات». ونبه سليمان إلى أن «الزمن ليس حليفنا إلى الأبد». وقال إن هناك «تاريخاً ينتهي الآن أمام أعيننا في العالم العربي، ولم يتبلور حتى الآن مسار التاريخ الجديد. فعوض الجلوس في قاعات الانتظار، أو توقّع الانتصار لهذا المحور أو ذاك، علينا القفز فوق الوقائع الآنية من دون تجاهل الواقع، فنعزِّز مؤسساتنا وننجز الاستحقاقات ونعاود الحوار. فوطننا على موعدٍ مع فرصٍ واعدة في الممارسة السياسية المتحررة من المحاور والتبعية مع بدء مسار استتباب الديموقراطية وتداول السلطة من حولنا، بالإضافة إلى تكريس دور لبنان الرسالة مع انتصار الانفتاح على الانعزال والتطرف. وهذا سيؤدي إلى ارتفاع معدل النمو والتطور الاقتصادي بالتزامن مع انطلاق عملية التنقيب عن النفط والغاز على أسس شفافة ومتجردة. وهكذا يصبح المستقبل خليقاً بجيل الشباب لا بجيل الخريف في عزِّ انتظار الربيع». وكان سليمان أجرى لقاءات في قصر بعبدا، شملت كلاًّ من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، رئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة، وزير الاقتصاد نقولا نحاس، ووزير الشباب والرياضة فيصل كرامي. أول رؤية عربية متكاملة لشؤون الشباب سلطت «وثيقة السياسة الشبابية» في لبنان التي أُطلقت في القصر الجمهوري امس، الضوء على كتلة الشباب في لبنان: حجمها ومشكلاتها وتطلعاتها، اذ يشكل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة ما نسبته 28 في المئة من سكان لبنان، وقف ما قيل لدى إطلاق الوثيقة. وكان العمل على السياسة الشبابية انطلق قبل 12 سنة من خلال برامج تنموية هدفت إلى تمكين الشباب من المشاركة في مختلف المجالات وخلصت إلى أن «التنمية الشبابية لا تكتمل إلا إذا جرى العمل على مستوى القوانين والسياسات لضمان حق الشباب في المشاركة في صناعة القرار». وتم بالشراكة بين وزارة الشباب والرياضة وهيئة الأممالمتحدة والمجتمع الشبابي الأهلي إقرار وثيقة السياسة الشبابية في 3 نيسان (أبريل) 2012 في مجلس الوزراء، ومن ثم جرى تبنيها من قبل اللجنة البرلمانية للشباب والرياضة في العاشر منه، فشكلت «أول رؤية» لدولة عربية عن سياسة شبابية متكاملة قدمها الشباب أنفسهم إلى الدولة. وتوقف وزير الشباب والرياضة فيصل كرامي لدى إطلاق الوثيقة عند «الواقع السياسي والاجتماعي في لبنان، الذي أسفر عن إشكالية أقصى طموحاتها حماية الحد الأدنى من التراضي بين مجموع المتناقضات التي يتشكل منها العقد الاجتماعي، وهي تؤدي بشكل تلقائي إلى تعطيل حس المبادرة لدى الشباب وتعميق الرغبة لديهم بالانسحاب من هذه الأحجية اللبنانية قدر الإمكان وصولا إلى اختيار بدائل متطرفة تتمثل بالهجرة عقلياً وعاطفياً ووجدانياً قبل أن تكون هجرة مادية، أو في أحسن الأحوال يستسلمون مبكراً للنمط المعمم والسائد لدى الأجيال التي سبقتهم والذي يتيح لهم الأمان السهل وان لم يكن المريح ويؤمن بالتالي للمجتمع أن يواصل شيخوخته عبر مفاهيم وذرائع لا يمكنها الصمود أمام تحديات العصر». وأوضح كمال شيا من «منتدى الشباب عن السياسات الشبابية»، أن «التوصيات الواردة في الوثيقة، ولكي تصبح نافذة، تحتاج إما إلى قرارات إدارية، أو وزارية، أو مجلس وزراء، أو تشريعات، وتطبيق السياسة الشبابية عملية إصلاحية شاملة تتطلب تضافر الجهود والعمل بنفس طويل جداً». واتكنز وتوقف المنسق المقيم للأمم المتحدة في لبنان روبرت واتكنز في مداخلته، عند تزامن إطلاق الوثيقة مع «اللحظات الحرجة التي تمر بها المنطقة العربية حالياً. فخلال العامين الماضيين شهدت المنطقة الكثير من الانتفاضات الاجتماعية والسياسية، ولا تزال سورية جارتنا القريبة تتخبط في نزاع قاتل، وعلى رغم أن لبنان لم يشهد أزمة اجتماعية بشكل مباشر، فإنه لم يكن في منأى من التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لهذه الاضطرابات، فشهد الاقتصاد اللبناني تراجعاً ملحوظاً بسبب تقلص الثقة بالمنطقة، إذ أثرت الأوضاع على الاستثمارات والسياحة داخل لبنان كما أثرت على التجارة مع البلدان المجاورة، وشهدت أسعار الغذاء والنفط ارتفاعا ملحوظاً، ما أثر على الكثير من الفقراء. واستقبلت عائلات لبنانية عديدة في كل أرجاء الوطن عائلات اللاجئين السوريين وقدمت لها الدعم اللازم، ما زاد الأعباء اليومية التي أثقلت كاهل هذه العائلات». ولفت إلى أن الشباب «يشكلون في لبنان نسبة 41 في المئة من القوى العاملة ولكنهم يشكلون أيضاً أكثر من نصف العاطلين عن العمل. لذلك تعتبر مسألة إيجاد حل للبطالة وتأمين الفرص المتساوية للحصول على التعليم لشباب من الأمور الرئيسية للشباب في لبنان»، مشدداً على «وجوب إيجاد حل سريع لهجرة الأدمغة، والمشاركة الكاملة للشباب في كل نواحي الحياة السياسية لضمان التنمية المستدامة والاستقرار السياسي والسلام الدائم في الوطن». وحرض كرامي الشباب على «أن يكونوا الطائفة التاسعة عشرة، لأني لن أدعوكم إلى إلغاء الطائفية السياسية، فهذا عمل سياسي ودستوري ووطني يتطلب إعداد النصوص والنفوس ويكاد يشبه الأعجوبة»، وإلى إطلاق «ورشة حوار مفتوح على مستوى الوطن لإعادة تكوين القواسم المشتركة التي تعبر عن المصالح الجوهرية التي تجمع بين اللبنانيين، وإصدار قانون انتخابات عصري وحديث يتيح للشباب فرصاً جدية للمشاركة وإعادة الانخراط في الحياة العامة».