ضمّ سعد الحريري، رئيس الوزراء اللبناني ونجل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري الذي تمّ اغتياله، صوته إلى التكهنات المتنامية في الصحف في لبنان كما في إسرائيل، والقائلة باحتمال حصول جولة ثانية من القتال بين إسرائيل و «حزب الله»، قد تشارك فيها سورية أيضاً. وقال سعد الحريري منذ أيام ما يأي: «لا يخفى على أحد أن إسرائيل تملك نوايا سيئة تجاه لبنان لأن إسرائيل هي العدو»، مضيفاً أن الوحدة الوطنية هي «أقوى سلاح بين أيدينا في مواجهة التهديدات الإسرائيلية». ويسهل فهم أسباب تصاعد حدّة هذا التوتر. فقد وجهت إسرائيل مرات عدة في الآونة الأخيرة تهديدات إلى لبنان بالردّ فوراً على أي اعتداء قد يشنّه «حزب الله» ضدها. فهذا الأخير هو حالياً حزب سياسي بارز في لبنان ويتمثل في حكومة الحريري بوزيرين. كما لفت نائب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال بيني غانتز في 31 كانون الثاني (يناير) الماضي إلى أن الحكومة الإسرائيلية ستحمّل الحكومة اللبنانية مسؤولية أي عمل يمكن أن يقدم عليه «حزب الله». وفي خرق واضح لوقف إطلاق النار الذي أنهى حرب عام 2006 التي أودت بحياة 1200 لبناني معظمهم من المدنيين وأدت إلى مقتل 157 إسرائيلياً معظمهم من الجنود، تحلّق الطائرات الحربية الإسرائيلية يومياًً في الأجواء اللبنانية. وقد عمدت بعض الفصائل الفلسطينية في مناسبات عدة منذ عام 2006 إلى إطلاق صواريخ قصيرة المدى من لبنان باتجاه شمال إسرائيل. لا تحبذ إسرائيل فكرة وجود خصمين مجاورين لها على ناحيتين مختلفتين من حدودها. ف «حزب الله» موجود على حدودها الشمالية فيما حركة «حماس» على حدودها الجنوبية، علماً أن الجبهتين المحتملتين مرتبطتان ببعضهما بعضاً لأن كليهما يحصل على صواريخه ويتلقى تدريباته من إيران. وفي بداية السنة، اضطرت إسرائيل إلى نشر بعض جنودها على الحدود الشمالية لردع أي خطوة قد يقدم عليها «حزب الله» بهدف دعم مقاتلي حركة «حماس» في قطاع غزة. وفي العام 2006، غيّر «حزب الله» طبيعة القتال في الصراع العربي - الإسرائيلي، بعدما أطلق أربعة آلاف صاروخ باتجاه إسرائيل ووصل بعضها إلى مدينة حيفا. وبدا حينها نظام «باتريوت» المضاد للصواريخ غير فاعل. فرحل مئات الآلاف من الإسرائيليين عن هذه المدينة أو نزلوا إلى الملاجئ. وعمدت حركة «حماس» من جهتها على مرّ السنوات إلى تهريب مئات الصواريخ عبر اكثر من مئة نفق وعبر البحر إلى قطاع غزة. ويصل مدى صواريخ الكاتيوشا من نوع «غراد» التي تمتلكها «حماس» إلى 20 كيلومتراً وهي تحلّ مكان صواريخ القسام المحلية الصنع. كما تمكنت حركة «حماس» التي تشكل خطراً كبيراً على الإسرائيليين من الحصول على صواريخ «فجر 3» التي يصل مداها إلى 40 كيلومتراً. وبالتالي، يعيش حوالى نصف مليون إسرائيلي ضمن مدى صواريخ حركة «حماس» ومدافعها. وكانت سديروت هي المدينة التي عانت اكثر من سواها من هذه الصواريخ، الا ان مدينتي عسقلان وبئر السبع تعرضتا لهجمات كذلك، علماً أنهما تبعدان 40 كيلومتراً من قطاع غزة. من الواضح أن هذه الصواريخ الإيرانية الصنع في تحسن مستمر. وباتت تصل إلى أماكن أبعد وأصبحت أكثر سرعة ودقة. وفي معرض الرد على ذلك، أعلنت إسرائيل منذ حوالى شهر أنها أتمت بنجاح اختبار نظام القبة الحديدية المضاد للصواريخ. ويزعم خبراء الدفاع الإسرائيليون أن هذا النظام «سيغير المعادلة»، لأنه قادر على اعتراض صواريخ يتراوح مداها بين 4 و72 كيلومتراً. ومن المفترض أن يكون هذا النظام قادراً على تحديد مكان وقوع الصاروخ واعتراض الصواريخ التي تتجه نحو مناطق مكتظة بالسكان. والجدير ذكره أن هذا النظام سيبدأ العمل في الصيف. لكن من الواضح أنه لا يؤمّن حماية كاملة وقد يكلّف اعتراض الصاروخ عشرات الآلاف من الدولارات. أشك في أنّ «حزب الله» يتوق إلى بدء جولة جديدة من القتال مع إسرائيل، على رغم أن المقاتلين التابعين للسيد حسن نصرالله صمدوا عام 2006 في وجه قوات الجيش الإسرائيلي القوية على مدى أسابيع ولفترة أطول من فترة صمود كلّ الجيوش العربية مجتمعة عام 1967. وكانت تلك الأزمة اندلعت بعدما أرسل «حزب الله» دورية تابعة له إلى الأراضي الإسرائيلية وأسرت جنديين إسرائيليين. وقد اعتذر نصرالله من الشعب اللبناني بالقول إنه لم يكن يتوقع أن يأتي الرد الإسرائيلي على هذا النحو العنيف. فقد تمّ تدمير معاقل «حزب الله» في جنوبيبيروت وفي جنوب لبنان بالكامل. أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أن الحرب ليست قريبة. لكن نظراً للتحضيرات التي يقوم بها الطرفان تحسباً لحدوث نزاع بينهما، قد يتسبب عمل يقوم به قائد محلي متحمس جداً، بحرب جديدة ذات أبعاد هائلة. ودعت المملكة العربية السعودية المجتمع الدولي إلى التعامل بحزم مع التهديدات الإسرائيلية الموجهة ضد لبنان وسورية، ومعالجة مسألة معاملة إسرائيل القاسية للفلسطينيين، لا سيما في قطاع غزة الذي يعاني سكانه منذ أشهر نقصاً في الطعام. هل نحن مصابون بعمى كبير إلى حدّ يمنعنا من توقّع وقوع قتلى وحصول دمار في حال اندلاع حرب أخرى بين إسرائيل و «حزب الله»؟ يجب السيطرة على الرغبة في الانجراف إلى الحرب وإحياء الأمل لدى كل شعوب المنطقة. * سياسي بريطاني ونائب سابق